يطرق الشاعر والكاتب العماني محمد الرحبي تجربة جديدة مع الكلمة الشعرية, من خلال ما يعرف بـ(قصيدة النثر)، وذلك عبر إصداره هذا الموجود بين أيدينا الآن, الموسوم بـ»أغنية لزنجبار» الصادر حديثاً عام 2019م عن (دار الفرقد) للطباعة والنشر والتوزيع. وهو يختلف في لغته وأسلوبه عن ديوانيه السابقين: (جبال الحجر) الصادر عن وزارة التراث والثقافة بعمان عام 2006م, و(لعيني ديالي) الصادر عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء وبيت الغشام عام 2013م. وهذا الاختلاف واقع في إقدامه على تجربة كتابة (الشعر المنثور) ومحاولة إيجاد أشكال جديدة من التعبير, عن طريق تفكيك البنية الهيكلية الخارجية للقصيدة العربية الكلاسيكية بشكلها التقليدي المعروف, لكنها تتعامل داخلياً مع روح النص الشعري العربي الحديث, ولغته ومفرداتها وتعابيرها ودلالاتها الفنية التي تختلف عن (الكلام العادي) أو نمطية القصيدة العربية القديمة, بشكلها ومضمونها! وأعتقد أن الرحبي -حسب ما أعرفه عن سيرته الأدبية- قد استفاد كثيراً من تجربته الشخصية -كمثقف وقارئ وناقد- واسع الاطلاع, قبل أن يكون شاعراً أو مبدعاً, في أي لون من ألوان الإبداع المكتوب أو المقروء. وهذا يتضح ويتمثل لنا في كتابه الذي حمل عنوان «حداثة الكتابة» الصادر عام 1997م، وهو عبارة مجموعة من الدراسات والمقالات في الأدب والثقافة. وهذا بالتأكيد مما أكسبه رؤية واسعة الأفق, وثراءً لغوياً وفكرياً عميقاً, وتنوعاً في مجال ممارسة الإبداع, ومرونة التعامل مع فنون شتى. ومن أهم ما تميز به الديوان أنه جاء يحمل هوية الشاعر وأرضه وأهله ووطنه, فهو ليس بمعزل أبداً عما يربطه بهذه العناصر التي تشكل شخصية الإنسان الحديث ووجوده وتاريخه, وعلاقته بالآخر من بني جنسه من البشر في أي مكان من العالم الحديث. ولذلك ظلت (الهوية العمانية- بتاريخها القديم والحديث) هي هم الرحبي الأول في كثير من نصوصه التي ضمها هذا الاصدار, أبرزها قصيدته التي عنونها بـ»أغنية لزنجبار» والتي حمل اسمها الديوان نفسه, إذ يقول من ضمنها: زنجبار رقصة أسطورية على أنغام موسيقاها بنى العمانيون نهضتهم وعلى شواطئها نامت سفنهم زنجبار ملحمة الأجداد الحالمين الفاتحين نثروا فوق ثراها دماءهم زنجبار, أي جزيرة أنت؟ أية مدينة أنت؟ في أهداب عينيك نام الغرباء وعلى أسوارك كم سفح القراصنة ليلك, وكم خارت الغزاة قواهم. الديوان: ص128 ** **
مشاركة :