يعد الكشف عن معدل البطالة في الولايات المتحدة لشهر آذار/ مارس أمس الجمعة، على أنه ارتفاع منخفض نظراً لأن البيانات جُمعت قبل فرض العزل الاجتماعي، إلا أن الزيادة الهائلة في عدد المتقدمين بطلب إعانة البطالة يبدو مقدمة لما ينتظر البلد، حيث أدت أزمة الفيروس إلى شل أجزاء كبيرة من الاقتصاد حول العالم، وإلى إغلاق العديد من الشركات والمصانع، وإلغاء مئات الآلاف من الوظائف.
كان استحداث الوظائف من الأمور التي يتباهى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل شهر فقط. إذ انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ 50 عاماً ليصل إلى 3,5% في شهر شباط/ فبراير ولم يتجاوز عدد العاطلين عن العمل في البلاد 5,8 مليون شخص.
لكن أول اقتصاد في العالم لم يكن بمنأى عن التوقف المفاجئ لعجلة الاقتصاد المرتبط بتدابير العزل المفروضة للحد من انتشار جائحة كوفيد -19.
ومن المتوقع أن تبلغ نسبة البطالة 4% في تقرير آذار/ مارس، بحسب محللين، وتعد هذه الزيادة طفيفة لأن البيانات التي أخذت في الاعتبار لتحديد النسبة تعود إلى النصف الأول من الشهر، أي قبل اتخاذ تدابير العزل الصارمة وإغلاق المحال التجارية غير الأساسية.
كان تفشي الوباء في بداية آذار/ مارس لا يزال محصوراً في الساحل الغربي للولايات المتحدة، لكنه انتشر خلال النصف الثاني من الشهر في جميع أنحاء البلاد.
وبالتالي لن يتم احتساب ما يقرب من 10ملايين طلب إضافي للاستفادة من إعانة البطالة في الأسبوعين الأخيرين من الشهر، وهو عدد لم يسبق له مثيل.
ولا تعكس هذه الأرقام القياسية التي أصدرتها وزارة العمل الخميس، المعدل المعتاد للبطالة في البلاد حيث يمكن للمرضى أو الخاضعين للعزل أو العاطلين عن العمل الآن المطالبة بإعانات البطالة، كما ينسحب الأمر على العاملين لحسابهم الخاص.
وتم اعتماد تدابير المساعدة الاجتماعية هذه من خلال خطة انتعاش اقتصادي ضخمة بلغت أكثر من 2200 مليار دولار، وصادق عليها ترامب الأسبوع الماضي. وكان لها تأثير كبير في تضخيم الرقم.
وقد يخرج في المقابل من هذه الإحصاءات، في الأسابيع المقبلة، بعض المتقدمين لصالح إجراء آخر تتضمنه الخطة بقيمة 350 مليار دولار والمتعلق بمنح قروض للشركات الصغيرة. ويسمح هذا الإجراء لأصحاب الشركات التي لديها أقل من 500 موظف، اعتباراً من يوم الجمعة، بطلب قرض من مصرفهم، على أن تلغيه الدولة في حال تعهدت الشركة بالإبقاء على موظفيها أو إعادة توظيف من قامت بتسريحهم.
تأثيرات اعتباراً من نيسان/ إبريل
تشير البيانات، التي تم نشرها أمس الجمعة، كذلك، إلى ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي استمر في خلق وظائف إضافية في النصف الأول من شهر آذار/مارس، أو ما إذا كانت الشركات قد بدأت في تقليصها تحسبا لانتشار فيروس كورونا المستجد.
وذكر تحقيق أجرته شركة «أي دي بي» الخاصة لتقديم الخدمات للشركات ونشرته الأربعاء أن 27 ألف وظيفة تم إلغاؤها الشهر الماضي، مشيرة إل ان ذلك تم في الشركات الصغيرة فقط.
والخميس، طلب من 90% من السكان في الولايات المتحدة التزام العزل، ما دفع بعض العمال، ولاسيما العاملين لحسابهم الخاص، إلى وقف نشاطهم.
ويتزايد يوماً بعد يوم عدد الشركات التي تُغلق، بشكل دائم أو مؤقت، بينما بدأت برامج التسريح بالظهور، كما حدث مع شركة بوينج العملاقة لصناعة الطائرات، أحد أركان الاقتصاد الأمريكي، والتي كشفت الخميس عن برنامج للتسريح الطوعي للموظفين، ولن يتم تلمس آثار هذا التوقف المفاجئ للنشاط الاقتصادي حتى نيسان/ إبريل.
وقال الخبير الاقتصادي إيان شيفردسون إنه مع إجمالي تسريح «محتمل لما بين 16 و20 مليوناً» خلال آذار/ مارس ونيسان/ إبريل فإن معدل البطالة قد يرتفع إلى ما بين «13 و16%».
وفي إسبانيا، غالبا ما تحمل بداية الربيع معها الازدهار لسيرجيو غوميز مصدّر الفراولة في جنوب البلاد، لكن وباء كوفيد-19 شكل ضربة قاسية لمحصوله هذه السنة. فتراجع الطلب على هذه الفاكهة إلى النصف بحسب النقابات الزراعية، كما أن المنطقة لم تستقبل هذه السنة سوى ثلث العاملات الموسميات اللواتي يأتين عادة من المغرب ويقمن بالقسم الأكبر من القطاف.
وأوضح سيرجيو غوميز الذي يصدر 70% من إنتاجه إلى فرنسا والجمهورية التشيكية وبولندا، أن «القطاع برمته يسوده قلق كبير» في منطقة ويلفا في الأندلس التي تزود السوق الأوروبية بأكثر من 90% من إمداداتها في مثل هذه الفترة من السنة، في مواجهة «التقلبات الكبيرة» التي يشهدها الطلب.
ويقول المزارع «في أحد الأيام أتلقى طلبية وعلي أن أعمل ساعة إضافية، وفي اليوم التالي ليس لديّ ما أفعله».
وقال الأمين العام لاتحاد المنتجين الزراعيين في ويلفا مانويل بييدرا «المستهلك بدل عاداته تماماً» وبات يتبضّع «كل خمسة إلى ثمانية أيام، لا بل كل عشرة أيام»، وهذا «يضعف مبيعات منتجاتنا» القابلة للتلف.
البحث عن يد عاملة محلية
وفي محافظة ألميريا في الأندلس، يتمكن المنتجون من الصمود بشكل أفضل بقليل، ولو أن القلق نفسه حيال المستقبل يخيم على «بحر الخيم البلاستيكية» الشاسع حيث تزرع الفاكهة والخُضر بشكل مكثف.
وقال خوان أنطونيو كريادو وهو يستعد لجمع محصوله من البطيخ الذي يصدر القسم الأكبر منه إلى ألمانيا «لا نعرف ما ستكون رد فعل السوق، الأمر أشبه باليانصيب».
من جهتها تؤكد الرئيسة المحلية لجمعية المزارعين الشباب «أساخا» أدوراثيون بلانكي أن الطلب الخارجي «بقي على ما هو تقريبا في ما يتعلق بالخُضر» لكنها تبدي قلقها حيال تغيب الموظفين الزراعيين بسبب الحجر المنزلي العام.
لكن وزير الزراعة لويس بلاناس سعى لطمأنة هذه المخاوف مؤكداً أن «كل المنتجات الغذائية تصل بكمية ونوعية طبيعيتين تماما» إلى المستهلك.
وللتعويض عن نقص اليد العاملة في البلد المعروف ب«مخزن أوروبا» للطعام بسبب حجم صادراته الزراعية، تعتزم الحكومة تخصيص 236 مليون يورو لدعم توظيف عمال محليين.
لا عمال لجزّ صوف الغنم
ينعكس الوباء أيضاً على قطاع تربية المواشي، وكان غاسبار غونزاليس الذي يدير تعاونية «فوفيكس سات» في إستريمادورا بجنوب غرب إسبانيا ينتظر كما في كل سنة فريقاً من العمال من الأوروغواي لجز صوف مئة ألف رأس غنم بين نيسان/ إبريل وحزيران/ يونيو، لكن العمال لن يصلوا هذه السنة قبل أيار/ مايو على أقرب تقدير، هذا إذا رفعت التدابير الاستثنائية المتخذة لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد.
ويقول غونزاليس بهذا الصدد: لا بديل محلياً لجز الغنم إذ إن «هذه المهنة تلاشت هنا للأسف».
في المقابل، تنهار أسعار اللحوم وخصوصا لحوم الغنم التي تراجعت حوالى 40%.
فاللحوم والأسماك تعاني من إقفال الحانات والمطاعم التي تعتبر زبائنها الأساسيين.
ويقول خوسيه مالفيدو وهو صيّاد من غاليسيا بشمال غرب إسبانيا «كل شيء يُباع ولكن بأسعار منخفضة»، وهو خسر حوالي نصف ما كان يجنيه عادة.
وبصورة عامة، فإن أسعار الأسماك التي تصطادها سفن الصيد الإسبانية في المياه الأوروبية تراجعت «بأكثر من 50%» بحسب خافيير غاراتي رئيس منظمة «أورو بيش» لصيد السمك.
وأوضح رئيس الاتحاد الوطني لصيد السمك بالوسائل التقليدية باسيليو أوتيرو أن «أكثر من 90% من سفن الصيد متوقفة» في البحر المتوسط خوفاً من انتشار فيروس كورونا المستجد بين الطواقم غير المجهزة بمعدات حماية.
ولا تقتصر الصعوبات التي يواجهها صيادو السمك الإسبان على أوروبا، بل قال غارات إنه «في البيرو، رست السفن لإفراغ (حمولتها) ووجدت الطواقم نفسها عالقة 15 يوماً في فندق» قيد الحجر الصحي. (أ ف ب)