قمة مجموعة العشرين الاستثنائية.. قراءة تحليلية

  • 4/4/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اجتمعَ قادةُ «مجموعة العشرين» عبرَ تقنية «الفيديو كونفرانس»، برئاسة المملكة العربية السعودية، يوم 26 مارس2020. وكانت توقعات المحللين أن تكون المجموعة في طليعة التخطيط لاستجابة عالمية لتفشي جائحة فيروس «كورونا»، والبحث عن حل جماعي لوقف انتشاره وخفض آثاره.. غير أن المجموعة، التي انضم إليها عدد من الدول والمنظمات بما في ذلك إسبانيا والأردن وسنغافورة وسويسرا والأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الإفريقي ومنظمتا الصحة والتجارة العالميتان، قد قدمت بعض الالتزامات الضعيفة لمواجهة الجائحة التي تعدُّ أزمة عالمية، على عكس المتوقع.وكانت «الرياض»، قد دعت يوم 18 مارس الماضي -باعتبارها الرئيس الحالي لمجموعة العشرين- إلى عقد قمة افتراضية استثنائية لمكافحة الفيروس، بعدما أصبح وباءً عالميًا، بهدف بحث سبل مواجهة انتشار الفيروس وتداعياته الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، التي تتطلب تضافر كل الجهود، سواء الداخلية على مستوى كل دولة، أو الخارجية على مستوى دول العالم ومنظماته، شارك في القمة العديد من قادة الدول وممثلو المنظمات الدولية، من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ورئيس وزراء كل من بريطانيا وبلجيكا وكندا، واليابان، ورئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم.وتعدُّ مجموعة العشرين من أقوى المنظمات في العالم؛ إذ تجمع 20 من أكبر الاقتصادات في العالم من كل القارات، من المكسيك إلى إندونيسيا، ومن الصين إلى أمريكا، ومن فرنسا إلى جنوب إفريقيا، ومن الاتحاد الأوروبي إلى روسيا. وتمثل معًا أكثر من90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونحو ثلثي التجارة العالمية، وثلثي عدد سكان العالم، وتضم أعضاء مجموعة الثمانية و11 دولة من الاقتصادات الناشئة والاتحاد الأوروبي، وتشمل أقوى الدول العسكرية والسياسية والثقافية في العالم. وتعد قمة هذا العام هي «الأهم في تاريخ المنظمة التي تأسست عام 1999. إذ تعلقت الآمال على اتفاق هذه الدول وتوحُّد جهودها في مواجهة أكبر خطر يواجه الإنسانية حاليا وهو فيروس كورونا، فضلا عن أنه في حال تعرض دول المجموعة لتأثيرات ضخمة جراء الوباء سيؤدي ذلك إلى زيادة الفقر في العالم وتوقف التنمية في كثير من الدول النامية، ولا سيما أن هذه الدول تقدم الدعم لكثير من المجتمعات وبالتالي التأثر يعني توقف تلك المساعدات.ومن أجل مكافحة الجائحة، اتفقت المجموعة على زيادة تمويل عمليات البحث والتطوير في اللقاحات والأدوية، وتوفير دعم مالي قيمته 5 تريليونات دولار لمواجهة الأضرار المالية والاقتصادية التي أصابت العالم، وتقديم الدعم للدول الأكثر فقرًا، ومساندة الدول المتضررة من الفيروس وبحاجة إلى دعم مالي من خلال برامج تنمية وتمويل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتدعيم منظمة الصحة العالمية لمواجهة تداعيات هذه الجائحة العالمية. وأفاد العديد من السياسيين مثل؛ «ماثيو بي. جودمان» و«ستيفاني سيجال» و«مارك سوبل»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن المجموعة أيدت ما تقوم به الحكومات الوطنية والبنوك المركزية، بشكل فردي من خلال السياسة المالية والنقدية الحازمة؛ غير أن قادتها لم يقدموا أي إطار جديد للتحديات الاقتصادية التي تفرضها تلك الأزمة أو توجيه بعض الإرشادات إلى واضعي السياسات. وبدلا من ذلك، اختُتم الاجتماع بعدم التزام أي دولة، ولا حتى أقوى الدول مثل الصين أو الولايات المتحدة، بإنشاء جبهة مشتركة في مكافحة انتشار الفيروس».من الناحية الموضوعية، فإن الرد الجماعي على الأزمة سيكون نهجا أكثر فاعلية في المعالجة من الاستجابات الأحادية التي تم تفضيلها حتى الآن. يقول «ماركوس إنجلز» من مؤسسة «جلوبال سوليوشنز اينيشيتف»، إذا «استطاع قادة مجموعة العشرين وضع السياسة جانبا والتوصل إلى اتفاق جماعي، فإن هذه البلدان سيكون لديها فرصة أفضل للنجاح مقارنة بتقديم حوافز منفردة؛ حيث يبعث التنسيق بين أعضائها برسالة قوية من الوحدة والثقة، وكلاهما مطلوب بشكل عاجل الآن».وبالفعل، كانت السعودية قد دعت إلى الاجتماع على أساس هذا التفاهم. يشير تقرير بصحيفة «التليجراف» -قبل عقد القمة- إلى «أن المملكة، قالت إنها نظمت الاجتماع الاستثنائي لتعزيز الجهود العالمية لمعالجة الوباء وآثاره الاقتصادية، إذ يفقد الناس مصادر دخلهم وسط عمليات الإغلاق وحظر التجول». وأكد الملك سلمان في بيانه أنه «يجب أن يكون لدينا استجابة فعالة ومنسقة لهذا الوباء ونعيد الثقة في الاقتصاد العالمي».ومن الناحية النظرية، فإن تقديم المجموعة استجابة عالمية جماعية هو مهمة أسهل مما كانت عليه عندما تم استخدام نُهج متعددة الأطراف في المشاكل العالمية في الماضي. يقول «باسل محمد»، من «مجموعة بي أم جي المالية»، في افتتاحية لمركز «أوراسيا ريفيو»: «في الحربين العالمية الأولى والثانية، كانت الجيوش المتحالفة تقاتل أعداء مختلفين، بينما جيوش الحرب العالمية الثالثة الراهنة تحارب عدوا واحدا يقتل آلاف البشر في جميع أنحاء العالم هو فيروس كورونا». وبغض النظر عن رغبات بعض دول المجموعة، مثل السعودية للقيام بذلك، يبدو أن الاستجابة العالمية الجماعية والمشتركة للأزمة الحالية تتناقض بشكل حاد مع عام 2008. عندما اجتمعت المنظمة في أعقاب الانهيار المالي، الذي هدد بعرقلة الاقتصاد العالمي تماما، للتوصل إلى حل جماعي للمشكلات التي نشأت، وكذلك عام 2012. عندما تم التغلب على أسوأ أزمة اقتصادية. يقول «إدوين أم. ترومان»، من معهد «بيترسون للاقتصاد الدولي»، في مجلة «فورين بوليسي»: إن «مجموعة العشرين باتت تفتقد للفاعلية في الوقت الراهن، على عكس ما كانت عليه منذ سنوات مضت، حينما لعب قادتها دورا حاسما في إنقاذ العالم من حافة الكارثة الاقتصادية والمالية، واتفقوا على جدول أعمال مثير للإعجاب عام 2008. وفي قمة لندن 2009. والتزموا باستراتيجية متكاملة لإنقاذ الاقتصاد العالمي، وإصلاح النظام المالي الدولي، وتحويل إدارة أهم المؤسسات المالية العالمية».وفي الوقت ذاته، أوضح «دنيس سنوير»، من مركز «بروكينجز»، أنه «على الرغم من أنه ينبغي على الحكومات في جميع أقطار العالم أن تتعاون فيما بينها لتوجه كل مواردها لاحتواء هذا الفيروس؛ إلا أنها لم تجتمع آراؤها نحو تدابير أبعد من تلك التي نشهدها بالواقع السياسي حاليًا. ورغم أن المجموعة لطالما تعهدت بشكل متكرر بالتعاون لتقديم رؤية منهجية مشتركة، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات لتحقيق أهدافها في هذا الصدد، سواء أكان ذلك من خلال اجتماعها الاستثنائي الأخير أو في الأيام التي تلته». يوضح «ستيوارت باتريك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أنه «بدلا من التعاون لدحر هذا التهديد المشترك، اتخذت هذه الدول خطوات أحادية لحماية نفسها كل على حدة وانحصرت قضيتهم المشتركة في إلقاء اللوم على من المسؤول عن انتشار الوباء». وكان من المفترض أن نشهد إعلان كل من (مجموعة السبع) و(مجموعة العشرين) و(الأمم المتحدة)، مبادرات دولية للتعامل مع تفاقم الأزمة، لكن ظهرت العديد من الدلائل على مدى انقسام العالم وعدم استعداده لمواجهة أكبر تهديد لحياة البشر منذ ظهور الأنفلونزا الإسبانية عام 1918».ووفقا للعديد من المحللين، فإن تلك الحالة من عدم الفاعلية وانعدام التأثير فيما يتعلق بتشكيل ردود فعل قوية واستجابات متعددة الأطراف حيال الأزمة الحالية؛ يرجع إلى المنافسة الشرسة بين أقوى دولتين بالمجموعة، (الصين والولايات المتحدة)، فما بدا في بداية الأمر كحرب تجارية على الرسوم الجمركية بينهما، انتهى إلى تصاعد لحدة الصراع الثقافي والسياسي بصورة أوسع نطاقًا مما قبل. يشير «هانغ تران»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن «التنافس والصدام بين واشنطن وبكين، تصاعدت وتيرته، لدرجة أنه امتد إلى نقطة التصدي لمسألة تفشي الوباء، وهو ما قوض آمال التنسيق الفعال بينهما في سبيل مكافحة هذا الوباء العالمي وتأثيراته الاقتصادية».وبالفعل، تصاعدت وتيرة هذا الصراع يوم 25 مارس، عندما لم يتمكن وزراء خارجية «مجموعة السبع»، من الاتفاق على إصدار بيان مشترك جراء إصرار الولايات المتحدة على وصف فيروس كورونا، بأنه «فيروس ووهان» - المدينة الصينية التي ظهر بها المرض- وليس بأنه «كورونا» أو «كوفيد- 19». وردا على ذلك، تبنت الصين ادعاءات تفيد بأن جنودا أمريكيين ربما زرعوا الفيروس في المدينة الصينية بعد أن تم هندسته ليكون سلاحًا بيولوجيًا لإلحاق أضرار جسيمة بالصين واقتصادها. ولعل تلك الادعاءات هي ما أعاقت حتى الآن أي نوايا حسنة قد يتم توجيهها نحو تشكيل ردود فعل عالمية مشتركة. يوضح «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، أن «الصين انخرطت خلال اجتماع مجموعة العشرين في معركة دعائية للرد على اتهامها بأنها وراء أسباب تفشي الوباء، وركزت على ضرورة الحد من الحواجز التجارية وخفض التعريفات الجمركية، دون أدنى تطرق إلى السبل المشتركة للتصدي لهذا الوباء، في حين أن النهج الذي اعتمدته أمريكا اتصف بالأنانية وبدا أشبه باستراتيجية غير ذات جدوى بمعنى أنها «مفلسة» تمامًا في مواجهة هذا الوباء». ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد انعكست الخلافات والمنافسات بين بكين وواشنطن بشكل أكبر على أعضاء المجموعة الآخرين، وتسببت في حدوث انقسامات بينهم. وهو ما أشار إليه تقرير «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، من أن «المنظمة تضم أكبر ثلاثة منتجين للطاقة في العالم، السعودية، وروسيا، والولايات المتحدة، ولا يخفى حرب الأسعار المستعرة بين الرياض وموسكو في الأسابيع الأخيرة، والتي ضاعفت حجم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي جراء فيروس كورونا. وفي حين أنه من غير المرجح أن يكون هناك التزام محدد بخفض الإنتاج، فإن غياب الرؤية المشتركة بشأن موارد الطاقة والتحكم في أسعارها من قبل أعضاء مجموعة العشرين، يشير بوضوح إلى أن نطاق التعاون فيما بينهم محدود للغاية».على العموم، إنَ العالم يحتاج اليوم إلى التكاتف لأجل الخروج من هذه المحنة التي وضعت الأنظمة الصحية العالمية على محك اختبار كبير لم تتعرض له من قبل تاريخيا، كما أن المقارنات بالماضي قد لا تجدي.. والسبب أن عالم اليوم اتسم بالعولمة والانفتاح وسرعة التنقل، وهو ما شكَّل جوهر الأزمة، بخلاف العالم القديم، حيث كانت الإشكالات تنحصر في أمكنة محددة. وبعد أن ترقب العالم أن تخرج قمة العشرين بعدد من القرارات والمقترحات والحلول والتوصيات التي قد تسهم في التصدي لهذا الفيروس؛ إذ إن نتائجها لا تشكل رد فعل جماعي يتسم بالقوة، ولا تشكل شراكة حقيقية بعيدة عن الأهواء السياسية. وإلى أن يحدث ذلك، فإن الفيروس سوف يظل يجوب العالم ويقطع أوصاله، وستظل المحصلة النهائية، هي استمرار وقوع مزيد من الضحايا في كل مكان إلى أن تصده مناعتنا، أو حتى يظهر للنور دواء ولقاح متاح لعوام الناس.

مشاركة :