يحتاج الإنسان إلى الطعام، لأنه يستمد منه الطاقة التي يحتاج إليها الجسم، وذلك من أجل أن يعيش ويتحرك ويفكر ويعمل، ولو أنه فقد الغذاء، فإن ذلك سيؤثر فيه للحد الذي يمكن أن يعرض حياته للخطر. ويعاني البعض من اضطرابات مرضية في الأكل، والتي تؤثر في حياتهم كالشره المرضي واضطراب بيكا، ومتلازمة الأكل الليلي وفقدان الشهية العصبي. ويعرف اضطراب بيكا كذلك باشتهاء الغرائب أو الوحم، ويعد أحد اضطرابات الأكل القهرية. نتناول في هذا الموضوع اضطراب بيكا بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك الأعراض التي تظهر، ونقدم طرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج المتبعة والحديثة. لا تصلح للأكل يشتهي المصاب باضطراب بيكا تناول وأكل مواد وأشياء لا تصلح للأكل وبشكل مستمر، ومن ذلك التراب والطين والصابون والطباشير والمعادن، والشعر والورق وغيرها من مواد لا تعد صالحة للأكل، ويصيب الرجال والنساء على حد السواء، وكذلك الصغار والكبار. ويعتبر اشتهاء الغرائب سلوكاً مرضياً، إلا أن يكون مرتبطاً بعادات ثقافية أو دينية، والتي تجعل أكل هذه المواد سلوكاً مجتمعياً، ولا يعد الأطفال دون عمر السنتين مصابين بهذا الاضطراب، لأن تناول المواد غير الغذائية يعد أمراً مألوفاً وطبيعياً لديهم، لأنهم لا يفرقون بين ما يصلح للأكل وما لا يصلح. ويرتبط اضطراب بيكا في كثير من الحالات بوجود إعاقة ذهنية كالتوحد، وربما في بعض الحالات النادرة تشتهي المرأة الحامل أكل أشياء غريبة، ومن الممكن أن يرتبط لدى البعض بالمرور بأزمة عاطفية أو إصابته بسوء تغذية. ويمكن أن تتطور الإصابة به لدى من يعانون من أمراض عقلية أو نفسية، كانفصام الشخصية والوسواس القهري، وذلك كآلية يتكيف بها الجسم مع هذه الحالة. سوء تغذية اختلف الخبراء حول الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة باضطراب بيكا، ففي حين أن البعض عزا الإصابة به إلى وجود مشاكل صحية، تتعلق بنقص أحد العناصر الغذائية، فإن آخرين ربطوا بينه وبين الأزمات النفسية والاجتماعية، والتي تعزز السلوك الخاطئ. ويمكن بحسب تقسيم الفريقين أن يكون سبب الإصابة سوء التغذية، والذي يعود إلى نقص بعض المعادن في الجسم، مثل الكالسيوم والحديد والزنك، وتؤدي بعض الأمراض إلى هذا الاضطراب كفقر الدم، ولا سيما بالنسبة للحوامل. وترجع الإصابة بشهوة الغرائب إلى وجود إعاقة ذهنية لدى الشخص، وأحياناً أحد الأمراض العقلية والنفسية، كالوسواس القهري والفصام. ويعاني البعض من اضطراب بيكا بسبب سلوك مكتسب تم من خلال التعزيز، أو أن يكون الشخص عانى أزمة عاطفية، وهو ما ترتب عليها شعور بالقلق والتوتر، وبذلك تصبح هذه المواد بمنزلة تعويض عن النقص الذي يشعر به المصاب، وكمحاولة للإحساس بالأمان النفسي. اضطرابات هضمية تعتبر أبرز الأعراض التي تظهر على المصاب باضطراب بيكا اشتهاءه لأكل الرمل والطين والتراب وقشور الطلاء والشعر والثلج، وربما وصل الأمر في بعض الحالات إلى اشتهاء أكل رماد السجائر والطباشير وأزرار الملابس. ويؤدي تناول هذه المواد الغريبة، والتي تحتوي على سموم وبكتيريا وأحياناً معادن، إلى الإصابة بكثير من الاضطرابات الهضمية، والتي تبدأ بألم في المعدة واضطراب معوي. ويمكن أن يصاب المريض بسبب هذه المواد بقرحة في الجهاز الهضمي، ولذلك يظهر دم في الفضلات، كما أنه يعاني اضطرابات في حركة الأمعاء، ومن ثم يصاب بإسهال أو إمساك. الإصابة بالتسمم يعاني المصاب باشتهاء الغرائب كثيراً من المضاعفات، والتي تتعلق بالمواد التي يأكلها، فمن الممكن أن يصاب بالتسمم، وذلك في الحالات التي يتناول فيها مواد سامة أو تحتوي على الرصاص، كرقائق الدهان. ويترتب على هذا الأمر خطر الإصابة بصعوبات التعلم وضرر الدماغ، لو كان من يتناولها طفلاً، ويعتبر هذا من أخطر الآثار الجانبية لهذا الاضطراب. ويمكن أن يكون هناك تعارض بين المواد غير الغذائية والطعام الصحي المفترض أن يتناوله الشخص، ومن ثم تكون هناك فرصة كبيرة للإصابة بسوء التغذية. وتتضمن المضاعفات كذلك الإصابة بالإمساك لو كانت المواد التي يتناولها المصاب لا تهضم مثل الحصى، أو يصاب بانسداد في القناة الهضمية. تمزق الأمعاء يمكن أن يعاني المصاب باضطراب بيكا تمزقاً أو ثقباً في بطانة الأمعاء أو المريء، لو ابتلع أحد المواد الحادة أو الصلبة، كما تتسبب في أحيان كثيرة البكتيريا أو الطفيليات التي تكون موجودة على المواد التي يتناولها في زيادة خطر الإصابة بالعدوى، ومن الممكن في بعض الأحيان أن تسبب هذه العدوى ضرراً بالكبد أو الكليتين. ويمثل اشتهاء الغرائب خطراً كبيراً على الأم والجنين، وبخاصة إذا كانت المرأة خلال فترة الحمل، كما أن هذا الاضطراب يصاحبه إعاقات في النمو، والتي ربما جعلت من العلاج صعباً. شهر على الأقل يجب أن يتوافر عدد من المعايير من أجل تشخيص الإصابة باضطراب بيكا، وذلك بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للأمراض النفسية. ويعتبر أول هذه المعايير استمرار أكل المواد غير الصالحة للأكل وغير الغذائية لمدة لا تقل عن شهر، وأيضاً أكل المواد غير الغذائية والتي لا تصلح للأكل، ولا تكون مناسبة مع المرحلة التطورية للمصاب. وينبغي أن يكون هذا السلوك غير مرتبط بأي ممارسة ثقافية أو سوية اجتماعية، كما أن هذا الاضطراب لو كان مرتبطاً باضطراب عقلي آخر كالفصام أو طيف التوحد، أو ظرف صحي كالحمل، فلا بد من الانتباه بشكل أكبر. ويمكن في بعض الحالات عدم تشخيص الإصابة باضطراب بيكا إلا بعد شكوى المصاب من مشكلة صحية أخرى، والتي تكون بمنزلة أحد المضاعفات المرتبطة بهذا السلوك، ويتم تشخيصها عبر التحاليل والأشعات المختلفة. التاريخ المرضي يبدأ الطبيب تشخيص الإصابة باضطراب اشتهاء الغرائب من خلال معرفة تاريخ المريض والعوامل الأخرى التي ترتبط به، كأن يبحث عن بعض الأعراض الجسدية، وتشمل آلام المعدة ومشاكل في حركة الأمعاء. ويسأل الأب أو الأم - لو كان الطفل المصاب معاقاً ذهنياً أو يعاني من عجز في النمو - عن توافر أي ملاحظة عن تناول الطفل لأي مواد غير غذائية، ومتى لوحظ عليه هذا السلوك. ويمكن أن يطلب إجراء أشعة سينية، حتى يتأكد أنه لا يوجد انسداد في الجهاز الهضمي، كما أنه يطلب فحوص دم، للتأكد من عدم وجود إصابة بفقر الدم أو نقص الحديد أو الزنك، وكذلك للبحث عن أي إصابة بعدوى طفيلية أو تسمم بالرصاص، نتيجة المواد الملوثة التي يتناولها المصاب. ابحث عن السبب يعتمد علاج اضطراب بيكا على البحث عن السبب وراء هذه الإصابة، ومحاولة التعامل معه، فلو كان المصاب يعاني أزمة عاطفية، فسوف يساعده للتغلب على هذا الاضطراب الوصول إلى درجة الاحتواء العاطفي. وينبغي متابعة الحالات المرضية التي بها تداخل مع اشتهاء الغرائب، وعلاجها من خلال الأدوية الفعالة والتقنيات النفسية الفعالة، وذلك لو كان المصاب يعاني الفصام أو الوسواس القهري أو أي إعاقة ذهنية، ولا بد من وجود طاقم طبي متخصص يشرف على العلاج. ويجب لو كان هذا الاضطراب مرتبطاً بسوء التغذية، والذي يترتب عليه الإصابة بفقر الدم، تعويض نقص أي مواد غذائية، بتوفير نظام غذائي صحي وسليم، وكذلك مكملات غذائية. العلاج النفسي يعد العلاج النفسي أحد الأساليب الفعالة، والهدف منه مراقبة سلوك المصاب الغذائي وتصحيحه، وذلك عبر استراتيجيات سلوكية وبرامج تربوية علاجية. ويمكن أن يلجأ الطبيب في البداية إلى علاج تسمم الرصاص، وذلك بالنسبة للحالات التي تكون أفرطت في تناول قشور الطلاء. ويتمثل هذا العلاج في حقن المصاب بحمض أميني مخلوط بفيتامينات وأملاح معدنية، ويقوم هذا المخلوط بالتقاط المعادن الثقيلة في الجسم، ومنها الرصاص والزئبق والزرنيخ، ويتم التخلص من كل هذه المواد عن طريق خروجها مع الفضلات والبول. ويعالج الطبيب كذلك أي أعراض أو مضاعفات تسبب فيها اضطراب بيكا، مثل الإمساك والإسهال وقرحة الجهاز الهضمي وتمزق جدار الأمعاء أو المريء، وأيضاً لو كان هناك أي عدوى طفيلية أو مرض آخر. نسبة كبيرة أشارت الأبحاث إلى أن شهوة الغرائب كانت مشهورة لدى الأطفال في العصور القديمة، إلا أنه كان يعرف بأكل التراب، وبحسب الدراسات فإن أكل التراب كان الهدف منه حماية المعدة من السموم والطفيليات ومسببات المرض. وصنفت هذه الظاهرة بالمرض لكثرة المواد والعناصر الغذائية التي يمكن للطفل أن يحصل عليها، سواء من الرضاعة أو من المغذيات المختلفة. ترجع تسمية هذا الاضطراب إلى طائر يعرف بشراهته لأكل كل غريب، وتقدر الإحصاءات أن هناك من 4 إلى 26% مصابين بهذا الاضطراب، وهي نسبة ليست بالقليلة. ويقول الباحثون إن الفقر والجوع يمكن أن يدفع البعض إلى تناول مواد لا تصلح للأكل، وذلك بهدف سد احتياجاتهم الغذائية، إلا أن الأمر يصبح بمرور الوقت عادة وإدماناً.
مشاركة :