شولي رين * تجار العملة لا يبحثون في التفاصيل. فمقولة شراء الين راسخة في أذهان الأكثرية بلا طائل، وليس نتيجة لتحليل دقيق للاقتصاد السياسي. تغيير الصور النمطية في تفكير الجماعات أمر صعب، خاصة في أوقات الشدة. فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها البنوك المركزية والقادة السياسيون لتغيير تلك الصور في عالم المال، لا تزال قواعد الاستثمار التقليدية التي يتمسك بها المتداولون سائدة. وتكشف متابعة ما جرى في أسواق العملات العالمية إبان انتشار «كوفيد 19»، أنه تسبب في أسوأ عمليات بيع أسبوعية في أسواق الأسهم خلال عقد من الزمن - لا يزال متداولو العملات متمسكين بقناعاتهم القديمة؛ حيث زادوا حيازاتهم من الين الياباني على حساب الروبية الإندونيسية. وفي الوقت نفسه، حافظ اليوان الصيني على هدوئه، على الرغم من أن الفيروس جاء من الصين وأن ثلثي الشركات الأصغر حجماً هناك تكافح من أجل إعادة موظفيها إلى العمل. والوضع في اليابان حرج للغاية. ويفهم من الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء شينزو آبي في مواجهة الأزمة، أن البلاد لا يمكن أن تكون ملاذاً آمنا. وتمثل سفينة «دايموند برنسيس» التي خضعت للحجر الصحي لعدة أيام قبالة شاطئ يوكوهاما، أكبر بؤرة تمركز فيها كورونا خارج الصين. وعلى الرغم من احتلالها مركز الصدارة في قائمة المراقبة الخاصة بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن طوكيو لا تجري اختبارات تشخيصية كافية. وقد يكون الدافع وراء هذا الحراك السريع تردد آبي في إخراج أولمبياد طوكيو عن مساره، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. لكن تجار العملة لا يبحثون في التفاصيل. فمقولة شراء الين راسخة في أذهان الأكثرية بلا طائل، وليس نتيجة لتحليل دقيق للاقتصاد السياسي. ويعتقد بعضهم أنه عندما يكون اتجاه الأسهم الأمريكية هبوطياً؛ فالحل في شراء الين خلال ساعات التداول في الأسواق الآسيوية. وقد بلغ معامل الارتباط بين مؤشر «إس أند بي 500» ومبادلة الدولار بالين 64% على أساس أسبوعي وهو الأعلى بين عملات الدول المتقدمة. أما إندونيسيا فلم تسجل أي حالات إصابة و يبلغ عدد سكانها 264 مليون نسمة وتحتل مكان الصدارة في مبادرة الحزام والطريق الصينية. ولا يزال لدى الدولة الكثير مما يغري المستثمرين بعد أن حولها الرئيس جوكو ويدودو إلى واحدة من أفضل وجهات الاستثمار في السنوات الأخيرة، حيث قام بخفض الروتين وتحسين قوانين الاستحواذ على الأراضي و ممارسة الأعمال في البلاد. وتتنوع شريحة المستثمرين المنخرطين في تدفق رساميل بلغت 34 مليار دولار العام الماضي لتشمل «سوفت بانك» وصناديق سيادية خليجية. ومع ذلك، فإن عائق النمو في إندونيسيا ليس قلة الاستثمار المباشر وإنما في الأموال الساخنة التي تمثل نسبة 40% من تلك الاستثمارات وتعود لأجانب سرعان ما يفرون عند تعرض الأسواق لهزة. وفي الصين ظل اليوان مرناً، حيث انخفض بنسبة 1.7٪ فقط منذ 20 يناير، عندما بدأ فيروس كورونا في جذب انتباه العالم لأول مرة. أحد الأسباب المنطقية هو أن حظر التجول على مستوى البلاد يمنع السياح الصينيين من السفر إلى الخارج. وهو ما تسبب في وقف الطلب على عملات أجنبية بحدود 14 مليار دولار شهرياً، أو بيع اليوان بما يعادل المبلغ نفسه. وهذا لا شك يعتبر عامل دفع للعملة الصينية في وقت تشارف فيه الصين على الوقوع في عجز في حسابها الجاري. الحقيقة هي أن اليوان لا يزال عملة تحت السيطرة. فقد عمد البنك المركزي الصيني مطلع فبراير/شباط إلى تعديل سعر اليوان لأعلى، مستخدماً أداة تسمى«عامل مواجهة التقلبات الدورية» تسمح للسلطة المالية بتجاهل ديناميات السوق وتعديل مسار العملة حسب رغبتها. وبفضل صعود سوق الأوراق المالية بترتيب من بكين، كان الطلب الخارجي على اليوان قوياً جداً. ومع تعهد الرئيس شي جين بينج مراراً بالحفاظ على هدف النمو في الصين، يتوقع المستثمرون الآن سيلاً من أموال التيسير الكمي الذي بات قاب قوسين أو أدنى نظراً لانكماش الاقتصاد في الربع الأول، والذي قد لا يتجاوز معدل نموه على أساس سنوي 6٪. عند هذا الحد نرى أن الدول الآسيوية لا تتجاوب مع الأزمة بالسرعة الكافية. فالين الياباني قوي جداً في اقتصاد يعاني الانكماش الدائم، وإصلاحات السوق في الصين بعيدة المنال. وربما يقول المتفائلون إن المنطقة تعلمت دروسها من الأزمات المالية السابقة. لكن جائحة كورونا تقول كلاماً آخر. * بلومبيرج
مشاركة :