شهر الرحمة والتراحم

  • 6/16/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شهر رمضان له خصوصيته الروحية والزمانية والمكانية، وهو شهر رحمة وتراحم، ليس بالضرورة أن نتعمد العطاء فيه وإنما ذلك يأتي تلقائيا بحيث نغذى الروح بمعان من الجمال والتواصل والتفاعل الذاتي مع مقتضيات الدين والدنيا. رمضان فرصة مثالية لاكتشاف المزيد عن الذات، فأجواء الصفاء النفسي والذهني ينبغي استغلالها لاستيعاب ما فاتنا من ديننا ودنيانا، وما أكثر ما يفوتنا في الواقع في زحام الحياة التي تسرق منا - بإيقاعها السريع - كثيرا من اللحظات التي كان يفترض أن نتوقف فيها مع النفس ونعمل مزيدا من التهذيب فيها في معاملاتنا وسلوكياتنا. رمضان ليس امتناعا عن الأكل والشرب وفعل الأفعال التي نأمل أن تقربنا الى الله، ثم نعود الى ما يلهينا عن الذكر واتخاذ مسارات أفضل في حياتنا، وإنما هو استقصاء حقيقي لموقع النفوس في الطريق الى الله، واغتنام الفرص لاكتساب قناعات وخيارات أفضل يمكننا معها أن نكسب الكثير في الدنيا والدين. حين نلازم الصلوات في رمضان ونقرأ القرآن الكريم باستمرار فذلك فعل جميل ولكن الأجمل أن نواصله، وحين نمسك الألسن عن الغيبة والنميمة والسخرية، فذلك نبيل ولكن الأكثر نبلا أن نجعل ذلك عادة سلوكية قويمة. وحين نزهد في الدنيا ونأخذ القليل منها، فذلك رفيع غير أن الأرفع أن نعيش في الدنيا كأننا عابرو سبيل نظهر أفضل ما في أنفسنا وننقي بواطننا من أي سلوكيات غير سوية أو قد نخجل منها. رمضان رحمة لأنه يجعلنا نعيد التفكير في أخطائنا وعوراتنا وعيوبنا، إنه باختصار يجعلنا نصفي أنفسنا من الكدر والشوائب التي تلحق بها ونحن في صراع دنيوي مستمر لا ينتهي. إننا بحاجة لرمضان مستمر في دواخلنا حتى نكون أكثر نقاء وطهرا وعفة وسموا، وتلك غايته إن أحسنا النظر في جماليات الصيام التي تتجاوز فكرة الامتناع عن الأكل والشرب. رمضان مدرسة أخلاقية وإنسانية ذاتية لا يرانا فيها الآخرون إلا بقدر كفنا عن الأكل والشراب والملذات، ولكن الله يرانا فيه بما يجعله يجزينا خير الجزاء رمضان لي وأنا أجزي به. فالمحصلة جزاؤها عند الله وهو أكرم الأكرمين، فيتضاعف كسبنا وحصادنا الذاتي ونصلح مسارنا الى الله الذي يمنحنا الفرصة للتوبة والعودة الى جادة الصواب والتطهر من رذائلنا التي نجنيها في غفلة منا. من الجميل أن نتعامل مع الصيام وشهر رمضان كفكرة لها أكثر من مضمون أخلاقي وتربوي وإرشادي وباب عريض مفتوح للتوبة والنقاء والجمال الإنساني، ومن يضيعه فقد أضاع الكثير الذي كان بالإمكان أن يحسّن من ذاته ويمنحها حقها في الهداية والرشد والتصالح الذاتي الذي يجعلنا نتمتع بطاقة أخلاقية ودينية وتجعلنا نحلق في سموات من الرحمة والأمل وحسن الظن في الله. فهو كسب رفيع وجدير بأن نتعامل معه بعيدا عن روتين السنوات الماضية ومن يدركه منا فهو بالتأكيد محظوظ وموفق ومن يخرج منه دون مكاسب فقد فاته الخير الكثير الذي ربما لن يدركه في العام التالي، لذلك فلنتجه الى رمضان برؤية متغيرة ومتجددة هدفها اكتشاف الذات وتقويمها وتقييمها.

مشاركة :