ليام ديننج * الانهيار لن يترك سوى حوالي 10 منتجين في الولايات المتحدة يتم تداول أسهمهم علناً ويتمتعون بميزانيات لائقة، مقابل عشرات «الأشباح والعجزة» الذين تثقل الديون كواهلهم. وفي هذا إشارة واضحة إلى الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها. تحول الحلم الأمريكي القديم بالاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة والذي ضخمه ترامب ليتحول إلى حلم بالهيمنة، بشكل مخز في النهاية إلى أضغاث أحلام. منذ وقت مبكر من ولايته، تفاخر الرئيس دونالد ترامب بأن الوقود الأحفوري الأمريكي يمنحه اليد العليا. ومع ذلك، كان هناك خطأ قاتل في خطته الماكرة، إذ لم تكن القطاعات المحلية التي تدعم ذلك التوجه قادرة على القيام بما يلزم. وكانت سياسة الفحم واحدة من الممارسات الطويلة ضمن الخطة لإجبار السوق بقوة القانون، على شراء المزيد من المنتجات التي قد لا ترغب بشرائها بشكل واضح. وفي حالة النفط والغاز، تحولت ثغرات الحرية إلى الدعم غير المشروط لأسواق رأس المال - التي تشهد اليوم وضعاً لا تحسد عليه. وانتهى المشهد إلى دعوة ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتخفيف من حرب أسعار النفط التي ينسقها مع المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، أرسلت كل من شركة «بايونير ريسورسيز» وشركة «بارسلي إنرجي» خطابات إلى لجنة سكك حديد تكساس تدعوها لتنسيق عمليات إنتاج النفط - على غرار أوبك - من أجل الحفاظ على «استقلالية الطاقة في الولايات المتحدة»، التي يقولون إنها محصلة جهود وابتكارات الشركات الخاصة. هذا القول موضع جدل لا ينتهي. ولكن المهم حالياً هو التطور الذي طرأ مؤخراً عندما أعلن ترامب عن تدابير لتحقيق الأهداف الخاصة باقتصادية استهلاك الوقود في السيارات، تلك الأهداف التي وضعتها الإدارات السابقة. فالصورة إذاً باختصار، هي أن أمريكا الآن مهيمنة على الطاقة لدرجة أن رئيسها يسعى إلى الحصول على مساعدة خصومه في إنقاذ منتجي النفط المحليين، في الوقت الذي يتراجع فيه عن السياسات التي من شأنها تقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط. لنفكر قليلاً في صدمة عام 1973 التي أحبطت دعاة الطفرة وعززت الدعوة لاستقلال أمريكا في المقام الأول. في ذلك العام، تجاوز الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعروض الخاص بها بما يقرب من 27 مليون برميل في اليوم. بعد عقد من الزمن، كانت هذه الفجوة أقل بقليل من 18 مليوناً في اليوم. فأين ذهب الفرق البالغ 8.9 مليون برميل؟ تمت زيادة الإنتاج بحدود النصف حيث بدأت مناطق مثل بحر الشمال وألاسكا بضخ المزيد. لكن النصف الآخر نتج عن انخفاض الطلب. هذا يعتبر جزئياً مؤشراً على الركود ولكنه أيضاً نتيجة جهد متضافر للتوقف عن استخدام النفط في محطات توليد الطاقة وتركيز الجهود على استخدام السيارات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود. كان تقليص الطلب، جزئياً من خلال قرارات دعم مشاريع السيارات الأعلى كفاءة، لا يقل أهمية عن الإمدادات الجديدة في معالجة قضية الاكتفاء الذاتي في العقد التالي لصدمة النفط الأولى. وفي ظل مناشدة الكرملين الأخيرة، لا بد من إضفاء مسحة جيوسياسية على القضية. فبطريقة أو بأخرى، نجحت الولايات المتحدة وازدهرت بعد أن قامت السعودية، من بين دول أخرى، بإيقاف صنابير النفط بشكل فعال في السبعينات. في العقد التالي، انهار الاتحاد السوفياتي جزئياً لأنه لم يستطع مجاراة السعودية بفتح صنابير النفط. قامت الولايات المتحدة بعمل جيد لأنها استخدمت «مشروعها الخاص وابتكارها» - لاستعارة عبارة بايونير وبارسلي - لتنويع خيارات الطاقة. وظل الاتحاد السوفييتي، الذي لم يقدم على هذه الممارسات، مدمناً على النفط، فاقداً القدرة على رفع الأسعار لحاجته الماسة للخام. وسجل إنتاج النفط الأمريكي أكبر انخفاض له في العقود الأربعة الماضية في السنوات التي تلت صدمة النفط في السبعينات. من هنا ترى الثعالب التي تبحث عن مساعدة سياسية أن كوفيد-19 هو «أزمة غير عادية وغير متوقعة». ولكن في الوقت الذي يحاول ترامب فيه منح الفيروس التاجي جواز سفر صينياً للتعتيم على أوجه القصور في إدارته، تسعى صناعة الاستكشاف والإنتاج إلى إلقاء اللوم في مأزقها على القوى الخارجية. في الأسبوع الماضي فقط، قال سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة «بايونير»، في مقابلة مع «سي إن بي سي» إن الانهيار لن يترك سوى حوالي 10 منتجين في الولايات المتحدة يتم تداول أسهمهم علناً ويتمتعون بميزانيات لائقة، مقابل عشرات «الأشباح والعجزة» الذين تثقل الديون كواهلهم. وفي هذا إشارة واضحة إلى الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها. وبدلاً من القفز فوق الحقائق والمساومة هنا وهناك على 5 دولارات في سعر البرميل، هناك الكثير مما يمكن تفعيله فضلاً عن تطوير معايير كفاءات السيارات التي أنفقت عليها الشركات المليارات حتى الآن. ربما يكون شعار «الطاقة الذكية» مناسباً هنا وبديلاً محترماً عن «استقلالية الطاقة»، فنحن أمة تملك تفوقاً تقنياً في جميع المجالات. أليس هذا ممكناً؟ * بلومبيرج
مشاركة :