كانت «إنفلونزا 1918» أكبر جائحة في التاريخ الحديث، ولكن بسبب الرقابة في زمن الحرب، في العديد من البلدان الأوروبية، لم يعلم بالأمر سوى عدد قليل من المواطنين في البداية. فقط في إسبانيا، وهي دولة محايدة في الحرب العالمية الأولى، سمحت لصحافتها بالعمل، دون رقابة إلى حد كبير، وهكذا انتشرت قصص العدوى. في المقابل، أخبرت الصحف في أوروبا قراءها بتفشي ما أسمته «الإنفلونزا الإسبانية». وبعد قرن من الزمان، يختبر فيروس كورونا الجديد، مرة أخرى، مرونة وسائل الإعلام المستقلة، حول العالم، حيث تستغل الحكومات المخاوف بشأن تغطية الوباء لتضييق الخناق على حرية الصحافة. ومن أميركا اللاتينية إلى روسيا، حاولت الحكومات تشكيل التغطية بحيث تتجنب الانتقاد أو المعلومات التي تعتبرها السلطات ضارة بالنظام العام. في المقابل، فرضت الروايات الرسمية نفسها، وفرضت غرامات، بينما استدعيت الشرطة للتحقيق في سلوك بعض الإعلاميين، وطرد المراسلين الأجانب. وفي بعض البلدان، وفّر الفيروس ذريعة للحكومات لتمرير تشريعات الطوارئ، التي من المرجح أن تحد من الحريات حتى بعد فترة طويلة من القضاء على العدوى، مثل ما حدث في بلغاريا والهندوراس، على سبيل المثال. في المقابل، خلال حالة طوارئ الصحة العامة، تواجه الحكومات متطلبات ملحة للغاية ويتوجب عليها تقديم معلومات صادقة للجمهور، حتى يتمكن الأفراد والمجتمعات، من اتخاذ قرارات بشأن ما ينبغي عليهم القيام به. وبينما يعتبر دور الإعلام حيوياً في الظروف العادية، فإن زمن تفشي الوباء له متطلبات ومسؤوليات خاصة. لكن يجب أن تتمتع الصحافة بالحرية والمسؤولية أثناء عملها في هذه الظروف الاستثنائية، كما يجب ألا يتعرض العاملون في هذا المجال للترهيب أو التهديد، أو حتى العقوبة الجنائية. في العديد من البلدان السوفييتية السابقة، والدول اللاتينية، ظل قمع الصحافيين والناشطين وشخصيات المعارضة، فترة طويلة، واستخدمت بعض الحكومات أزمة الفيروس التاجي، كذريعة لتشديد الرقابة وتمرير القوانين المقيدة للحريات الصحافية. وبينما تتبنّى الصحافة الأوروبية توجهاً وطنياً وتوعوياً، بشكل عام، تشهد الولايات المتحدة، حرباً لا هوادة فيها بين وسائل الإعلام والسلطات التنفيذية. وفي بلد تعتبر فيه حرية الرأي مقدسة، لم يتمكن الأميركيون، بعد، من تحديد الهدف والاستراتيجية لمواجهة الفيروس، وسط تخبط البيت الأبيض وترصد الأذرع الإعلامية القوية. في الواقع، هناك مسؤولية مشتركة بين الإعلام والسلطات التنفيذية؛ وبينما تسهر الأخيرة على وضع السياسات المناسبة، وتبني الاستراتيجيات الفعالة، تقوم الأولى بتوعية الرأي العام وتقديم المعلومات الضرورية. وفي حال فشلت هذه العلاقة، فسيكون البديل «منصات» ومواقع غير موثوقة، وربما مضللة في كثير من الأحيان. - بينما تتبنّى الصحافة الأوروبية توجهاً وطنياً وتوعوياً بشكل عام، تشهد الولايات المتحدة، حرباً لا هوادة فيها بين وسائل الإعلام والسلطات التنفيذية.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :