دفعتنى الأجواء السريالية لوباء فيروس كورونا (كوفيد 19) إلى تذكر ما شعرت به عندما كنت شابًا فى فرقة المشاة 84 خلال معركة الثغرة (التى وقعت من 16 ديسمبر 1944 إلى 25 يناير 1945 بنهاية الحرب العالمية الثانية وحاول خلالها الألمان شق صفوف الحلفاء والالتفاف من الخلف لمحاصرتهم والقضاء عليهم فى منطقة الأردين بين بلجيكا ولوكسمبورج وفرنسا). الآن، كما كان الأمر فى أواخر 1944، هناك إحساس بالخطر الداهم، الذى لا يستهدف شخصا بعينه، وإنما يضرب بشكل عشوائى ومدمر. ولكن هناك فارق مهم بين تلك الفترة البعيدة وزماننا الآن، ففى الماضى تم تعزيز القدرة الأمريكية على التحمل بهدف وطنى مطلق. أما الآن، ونحن فى دولة منقسمة، من الضرورى وجود حكومة فعالة بعيدة النظر للتغلب على العقبات والتحديات غير المسبوقة من حيث الحجم والنطاق العالمى، فالحفاظ على ثقة الجمهور أمر حاسم للتضامن الاجتماعى، وترابط المجتمعات ببعضها البعض، وللسلام والاستقرار الدوليين. تتماسك الأمم وتزدهر عبر الإيمان بأن مؤسساتها قادرة على توقع الكارثة ووقف تأثيرها واستعادة الاستقرار. وعندما ينتهى وباء كورونا، سيتم النظر إلى مؤسسات العديد من الدول باعتبارها قد فشلت. لا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلاً بشكل موضوعى أم لا، فالحقيقة هى أن العالم لن يكون كما كان بعد فيروس كورونا. والجدال الآن حول الماضى يزيد من صعوبة القيام بما يجب القيام به. لقد ضرب فيروس كورونا بضخامة وشراسة غير مسبوقين، وينتشر بشكل متسارع، والإصابات تتضاعف فى الولايات المتحدة الأمريكية كل 5 أيام. وحتى كتابة هذه السطور، لا يوجد علاج، والإمدادات الطبية غير كافية لمواجهة موجات الإصابات المتزايدة، ووحدات العناية المركزة على وشك النفاد والانهيار. كما أن الاختبار غير كاف لمهمة تحديد وجود الإصابة، ناهيك عن وقف انتشارها. وقد يتم الحصول على لقاح ناجح خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهرًا. إن جهود الأزمة، مهما كانت ضخمة وضرورية، يبنغى ألا تنال من المهمة العاجلة المتمثلة فى إطلاق مشروع موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا. ويتعامل القادة مع الأزمة على أساس وطنى إلى حد كبير، لكن تأثيرات الفيروس فى تفكيك المجتمع لا تعترف بالحدود. وإذا كان اعتداء الفيروس على صحة الإنسان سيكون مؤقتًا، كما نأمل، إلا أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التى أطلقها قد تستمر لأجيال. ولا يمكن لأية دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، أن تتغلب على الفيروس بجهد وطنى محض، فيجب أن تقترن معالجة ضرورات اللحظة فى نهاية المطاف برؤية وبرنامج للتعاون العالمى. وإذا لم نتمكن من القيام بالأمرين معا، فسوف نواجه أسوأ ما فى كل منهما. إن استخلاص الدروس من تطوير خطة مارشال ومشروع مانهاتن يلزم الولايات المتحدة ببذل جهد كبير فى 3 مجالات. أولاً، دعم المرونة العالمية تجاه الأمراض المعدية. فنحن نحتاج لتطوير تقنيات وتكنولوجيات جديدة لمكافحة العدوى وإنتاج اللقاحات المناسبة عبر مجموعات كبيرة من السكان. ثانيًا، السعى لمعالجة جراح الاقتصاد العالمى، فالانكماش الذى أطلقه كورونا، فى سرعته ونطاقه العالمى، غير مسبوق فى التاريخ. وتدابير الصحة العامة الضرورية مثل التباعد الاجتماعى وإغلاق المدارس والشركات تفاقم الألم الاقتصادى. وينبغى أن تسعى البرامج أيضًا إلى تخفيف آثار الفوضى الوشيكة على أضعف السكان فى العالم. ثالثاً، حماية مبادئ النظام العالمى الليبرالى، فأسطورة تأسيس الحكومة الحديثة تقوم على أنها مدينة محصنة يحميها حكام أقوياء، بما يكفى لحماية الناس من عدو خارجى. لقد انتقلنا من معركة الثغرة (نهاية الحرب العالمية الثانية) إلى عالم من الازدهار المتزايد وتعزيز الكرامة الإنسانية. والآن، نعيش فترة تاريخية. وبات التحدى التاريخى للقادة هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل، لأن الفشل قد يحرق العالم. - نقلا عن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية - ترجمة: محمد البحيرى * نقلا عن "المصري اليوم"
مشاركة :