تعدّ الدراما المصرية لاعباً أساسياً في تشكيل الوعي الجمعي المصري والعربي، منذ ستينيات القرن الماضي، إذ تؤرخ في حد ذاتها للتغيرات التي شهدها المجتمع المصري خلال العقود الماضية، لذا يأتي صدور «موسوعة الدراما التلفزيونية» للدكتورة عزة أحمد هيكل، بمثابة صفحات من تاريخ مصر الاجتماعي والفني والثقافي. صدرت الموسوعة الأولى من نوعها عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، برئاسة هيثم الحاج علي، التي توثق بشكل بيبليوغرافي للدراما التلفزيونية المصرية في الفترة ما بين أعوام 1962 - 2018. «الدراما التلفزيونية هي جبرتي العصر الحديث»، هكذا بدأت الكاتبة د. عزة أحمد هيكل، عميد كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالقاهرة، حديثها لـ«الشرق الأوسط»، حول الموسوعة، موضحة: «يأتي الكتاب استكمالاً لمشروع بدأته في التوثيق لفن الدراما المصرية بكتاب (الدرما التلفزيونية... رحلة نقدية)، الذي تناول أهم الأعمال الدرامية المصرية وتأثيراتها المجتمعية والعوامل التي هيأت ظهورها على الشاشة سياسياً وفكرياً، أما موسوعة الدراما، وهي الأولى من نوعها، فهي تمثل خلاصة جهد كبير لطلاب كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، بالقاهرة، بمتابعة الأساتذة وهيئة التدريس المعاونة، وتحت إشراف عمادة الكلية، كمشروع تخرج لدفعة عام 2016». والدكتورة عزة أحمد هيكل كاتبة مقالات دورية بجريدة «الوفد» المصرية، وهي ابنه وزير ثقافة مصر الأسبق أحمد هيكل، ولها نشاط واسع في مجال حقوق المرأة. حاول فريق عمل الموسوعة البحث عن الأعمال الدرامية منذ عام 1960، لكنه لم يجد دراما تلفزيونية، في ذلك العام أو الذي يليه، بل كانت هناك دراما إذاعية وسهرات تلفزيونية، ولكن ليست بمعنى مسلسل له عدة حلقات أو أجزاء، وفق هيكل التي أكدت: «كانت البداية منذ عام 1962، بمسلسل (لمن نحيا) للمخرج حسين كمال، وتأليف كوثر هيكل، وقامت ببطولته الفنانة سهير البابلي والفنان عبد الخالق صالح والفنانة زوزو نبيل». وشهد عام 1962 أيضاً إنتاج مسلسل آخر بعنوان «هارب من الأيام» للمخرج نور الدمرداش، وتأليف ثروت أباظة، وسيناريو فيصل ندا، ولعب بطولته الفنان سعيد صالح، وتوفيق الدقن، وحسين قنديل، وكمال يس. ووفقاً للموسوعة، فإنها تتضمن بيانات مجدولة باسم المسلسل، وتاريخ عرضه، واسم المخرج، والمؤلف، وكاتب السيناريو والحوار، وأسماء أبطال العمل، مدعمة بالصور. مرت هذه الدراسة، التي تضمنت نطاقاً زمنياً ممتداً لأكثر من 57 عاماً، بمراحل عدة، من حيث أسلوب ومنهجية البحث الذي تم على مدار عام دراسة كامل، شاركت فيه مجموعات من الطلاب قُسِمَت إلى خمسة طلاب، تولت كل منها الإنتاج على مدار خمس سنوات متتالية. ثم جاءت مرحلة التصنيف والتبويب والمراجعة للمعلومات والأسماء، تلتها مرحلة الطباعة الأولية، حيث تتضمن الموسوعة صوراً للأعمال. ووفق هيكل، فإن عملية البحث قام بها 140 طالباً وأستاذاً جامعياً في أرشيف الصحف الرسمية العريقة مثل «الأهرام» و«الأخبار» ومجلات «الإذاعة والتلفزيون» و«الكواكب»، وبعض الصحف والمجلات النادرة من مكتبات «سور الأزبكية»، كما قام الطلاب بالبحث في مكتبة «ماسبيرو» الرقمية عن المواد التلفزيونية، وأيضاً بمكتبة المركز الكاثوليكي، ومكتبة المركز القومي للسينما، وأرشيف شركة «صوت القاهرة» ومقتنياتها. وعن الصعوبات التي واجهت فريق البحث، تقول هيكل: «التضارب في الأسماء الخاصة بأسماء الممثلين، والمؤلفين والمخرجين، فبعض الأسماء لم تكن موجودة على الأشرطة المصورة، لكنها موثقة بطرق أخرى، ما تطلب جهداً مضاعفاً في التحقق من البيانات، فضلاً عن التحقق من البيانات والتواريخ». ونظراً لأن الدراما أداة أساسية من أدوات الإعلام، ومن الطرق التي تدعم تكوين الرأي العام حول القضايا الشائكة، تلفت هيكل إلى أن الموسوعة تفرق بين التعريفات المعيارية بين الدراما وما هو درامي، قائلة: «واجهنا خلال الدراسة الخلط بين مفهوم (التمثيلية)، و(السهرة»)، و(المسلسل)، فالدراما التلفزيونية كمسلسلات شهدت أوجها في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات». وقد شهدت تلك الحقبة ظهور أعمال السيناريست الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة مثل: «ليالي الحلمية» بأجزائها، و«الراية البيضا»، و«زيزينيا»، وهذه الحقبة أيضاً ظهرت فيها تجليات تأثيرات أعمال نجيب محفوظ على كتاب الدراما، حيث أنتجت الكثير من المسلسلات المأخوذة عن أعماله، منها «حديث الصباح والمساء»، و«قشتمر» و«بين القصرين». وشهدت الدراما المصرية فترات ازدهار كبيرة، بالإضافة إلى فترات انحدار وتراجع، من حيث عمق الموضوعات وجودة السيناريو والحوار، وفق هيكل التي تؤكد: «اللافت أنه منذ عام 2011 بدأت ظاهرة ورش الكتابة في الانتشار بسوق الدراما المصرية، التي أثرت بشكل سلبي على صناعة الدراما التلفزيونية، فلم تعد الموضوعات التي تعالجها المسلسلات بالجودة والاحترافية التي بدأت بها الدراما المصرية في ستينيات القرن الماضي».
مشاركة :