أوضح رئيس شركة «شنايدر إلكتريك» في دول الخليج، أحمد خشان، أن شركات النفط الكبرى والمتعددة الجنسيات، بدأت بوضع أهداف جادة وحازمة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، بما يحد من تأثير الوقود الأحفوري على الأرض، لافتاً إلى التزام عدد من أهم منتجي النفط في أوروبا اليوم، بخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى صافي صفر في منتصف القرن الحالي.وقال خشان إن هذه المبادرات أتت بعد تزايد الضغوط من قبل الحكومات والرأي العام بصورة عامة، لاتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة للتصدي لظاهرة التغير المناخي، معتبراً أن الجهود المبذولة تهدف لتحقيق الأهداف الطموحة الرامية إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة من إنتاج الوقود، ووقود الطائرات والمنتجات الأخرى، وستسهم في تحقيق تأثير قوي على العالم اليوم. وأضاف أن النفط يلبي حالياً أكثر من 95 في المئة من الطلب العالمي الناتج عن قطاع النقل، في حين يرتبط الوقود الأحفوري ارتباطاً وثيقاً بالازدهار الاقتصادي، مبيناً أن تحقيق التوازن بين الوقود الأحفوري والتنمية الاقتصادية والاستدامة يمثل أحد التحديات الأكثر تعقيداً وإلحاحاً للاقتصاد العالمي اليوم.وتابع «سيعتمد النمو المستقبلي لشركات النفط والغاز بشكل متزايد، على محفظة تشمل أشكالاً متنوعة من الطاقة المتجددة»، موضحاً أنه ووفقاً لتقرير «وود ماكنزي» فإن مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي تولد حالياً نحو 20 في المئة من إجمالي مزيج الطاقة العالمي، توافر فرصاً واعدة للنمو.وأكد خشان بدء المخاوف المتعلقة بالاحتباس الحراري، بصياغة سياسات الاستثمار بشكل متزايد، بحيث بدأت أكبر شركات إدارة الاستثمارات العالمية تعلن وتشدد على أهمية قيام الشركات بتحسين مقاييسها ومعاييرها البيئية والاجتماعية، وممارسات الحوكمة. ورأى أن هذا التحول سيكون بمثابة المحفز لشركات النفط والغاز في جميع أنحاء المنطقة، إذ تتوفر إمكانيات هائلة للشركات في الشرق الأوسط، لا تقتصر فقط على قيادة جهود الحد من التأثيرات السلبية على البيئة، ولكنها تشمل أيضاً تحقيق فوائد تجارية ومالية ملموسة من خلال تعزيز الكفاءة التشغيلية.وأشار إلى أن الاستدامة تحقق قيمة ملموسة وفوائد قابلة للقياس على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إذ ستتمكن الشركات التي تدمج أداء الاستدامة ضمن مبادئها المؤسسية الأساسية وعملياتها اليومية، من الحفاظ على ربحها. ولفت خشان إلى تركيز الاستدامة غالباً على تنويع محفظة الشركات بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وإلى أنها ترتبط كذلك بالعمليات التجارية، مؤكداً أن الشركات التي تتبنى نهجاً كلياً شاملاً ستتمكن من تقليل التكاليف، مع زيادة توافر المعدات وإدارة استهلاك الطاقة، والحد من الحوادث والانبعاثات وتكثيف التدريب للعمال، واتخاذ العديد من الخطوات المهمة.وذكر أنه لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تتخطى الاستدامة والتحول الرقمي الشعارات والكلمات، لتتحول إلى سياسات ملموسة وواضحة مع جداول زمنية قابلة للتنفيذ ويمكن تبنيها ودمجها في العمليات التجارية، منوهاً بانخفاض تكلفة التقنيات الذكية لأجهزة الاستشعار والأجهزة الميدانية والتقنيات اللاسلكية، بما يجعلها خياراً أكثر جاذبية لشركات النفط والغاز. وشدد خشان على أن التقنيات اللاسلكية تحد كذلك من تكاليف الأسلاك والتركيبات الباهظة، إذ يمكن لتقنيات إنترنت الأشياء في القطاع الصناعي أن تشكل ميزة مهمة، وستمكّن الشركات من الارتقاء بإدارة الطاقة والأتمتة ونماذج السلامة. وتابع أن الحلول القائمة على السحابة تتيح إمكانية المراقبة والتحليل عن بُعد، ما يسهل اتخاذ القرارات بشكل فوري، في وقت يبرز مفهوم التوأم الرقمي والذي يمثل جسراً يربط بين العالمين المادي والرقمي، ويوفر نسخة رقمية افتراضية للأصول المادية، كسفن الشحن أو المصفاة الصناعية، على هيئة بيانات ومعلومات متكاملة، مشدداً على أنه حين تدرك شركات النفط والغاز الكبرى تأثيراتها الكربونية في الزمن الفعلي، فستصبح قادرة على قياسها وإدارتها بشكل أكثر كفاءة.وقال خشان «نشهد حالياً الدور الذي تضطلع به الحلول التكنولوجية المبتكرة في تعزيز أداء الشركات، وتحسين مستويات الكفاءة لتصبح أكثر ذكاءً، ففي نموذج حوسبة الحواف على سبيل المثال، تثبت الأجهزة والمعدات على حافة شبكة متكاملة، ما يحد من التأخير ويحسن الأداء». وبين أنه من خلال التركيز على استخدام الطاقة على نحو أكثر ذكاءً، سيصبح المشغلون أكثر كفاءة وسيتمكن هؤلاء من إطالة عمر المعدات الحيوية والتقليل من مخاطر الأعطال وحماية العمال، إذ أصبحت التقنيات الرقمية اليوم المحفز الرئيسي للتغيير في قطاع النفط والغاز بحيث باتت تعزز الإنتاجية بشكل ملحوظ. وأفاد أنه مع ذلك، على القطاع عدم التوقف واللحاق بركب هذه التطورات ومواكبتها وتطويرها، ومواصلة الاستثمار في الابتكار الرقمي، ليتمكن المشغلون من البقاء في دائرة المنافسة في عالم رقمي بامتياز، يتزايد فيه التركيز على تعزيز مستويات الشفافية في قطاع الطاقة.وأكد خشان أنه يمكن للتحول الرقمي أن يدعم قطاع النفط والغاز في مسيرته، لتحقيق المزيد من الكفاءة، مع الحفاظ على الربحية للوفاء بالتزاماته تجاه المساهمين، وذكر أن هذا التحول في نموذج العمل، لا يعني بالضرورة انخفاض الأرباح، بل على العكس يمكن للشركات العاملة في القطاع، ومن خلال تحقيق قدر أكبر من الكفاءة، عبر اعتماد سياسات وعمليات مستدامة، بناء مستقبل أكثر إشراقاً. وشدد خشان على أنه يمكن لقطاع النفط والغاز الجمع بين مفهومي الاستدامة والربحية، من خلال العمل ضمن أطر تنظيمية أكثر حزماً وصرامة، لا سيما مع تزايد الضغوط لاتخاذ خطوات أكبر وأكثر تأثيراً لحماية البيئة حول العالم.
مشاركة :