ألمحت كل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وهي الدول الأكثر تضرراً من تفشي فيروس كورونا المستجد في القارة الأوروبية، إلى عزمها تخفيف قيود وتدابير العزل الاجتماعي الصارمة التي اتخذتها في مواجهة التفشي، رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية من أية محاولة لتخفيف تدابير العزل بشكل سابق لأوانه، وهو ما يبدو اختباراً صعباً لصبر الدول الأوروبية التي فرضت تدابير قاسية للحد من الوباء. وأعلنت بعض الدول على غرار النمسا والدنمارك والنرويج واليونان وتشيكيا، التي تعتبر أن الوباء بات تحت السيطرة على أراضيها، أنها سترفع قريباً بعض القيود. من جانبه، ألمح وزير الصحة الألماني، يينس شبان، إلى إمكانية تخفيف الإجراءات المفروضة على حركة المواطنين في البلاد بعد عيد الفصح. وقال الوزير الألماني في تصريحات صحفية، أمس: «إن هذا القرار يعتمد بالدرجة الأولى على مدى التزام المواطنين الألمان بالقيود المفروضة على التواصل الاجتماعي واستمرار تباطؤ تسجيل حالات الإصابة بفيروس كورونا». وشهدت ألمانيا في الآونة الأخيرة ارتفاعاً في عدد الوفيات معظمها من كبار السن، إذ وصل متوسط أعمار الوفيات في ألمانيا إلى ثمانين عاماً. وأعطت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تقييماً أولياً إيجابياً للتدابير التي اتخذتها حكومتها للحد من انتشار الفيروس في البلاد. وقالت ميركل: إن «هناك بارقة أمل»، مشيرة إلى أن المعيار الذي التزمته الحكومة في تعاملها مع الأزمة كان عدم تحميل النظام الصحي بأكثر من طاقته، وأضافت أن الحكومة نجحت في ذلك بشكل جيد تماماً حتى الآن. وفي هذه الأثناء، قال جوزيبي كونتي رئيس وزراء إيطاليا لهيئة الإذاعة البريطانية، أمس: «إن الحكومة قد تبدأ تدريجياً تخفيف بعض القيود التي فرضتها لاحتواء فيروس كورونا بحلول نهاية أبريل، إذا استمر تباطؤ انتشار المرض». وأضاف: «يتعين أن ننتقي القطاعات التي يمكن أن تستأنف نشاطها، وإذا أكد العلماء تباطؤ انتشار الفيروس، فقد نبدأ في تخفيف بعض الإجراءات بحلول نهاية هذا الشهر». لكنه حذر من أن إيطاليا لا يمكنها خفض مستوى الحذر، وإنما ستخفف فقط بعض القيود تدريجياً. وسجلت إيطاليا 542 وفاة بمرض كوفيد-19 أمس الأول، مقارنة مع 604 في اليوم السابق لتصل حصيلة الوفيات إلى 17669 حالة. وظل 3693 شخصا في العناية المركزة انخفاضاً من 3792 يوم الثلاثاء الماضي وهو اليوم الخامس على التوالي الذي يشهد تراجعاً. ودعت أفرع كونفيندوستريا، وهي جماعة ضغط لأصحاب العمل، في أقاليم لومبارديا وفنيتو وبيدمونت وإيميليا رومانا في شمال البلد الحكومة لصياغة «خريطة طريق» لاستئناف العمل. وتشكل هذه المناطق 45 في المئة من الناتج الاقتصادي الإيطالي. وأما رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، فأكد أن السلطات الإسبانية «سيطرت» على تفشي فيروس كورونا، فيما أعلنت وزارة الصحة الإسبانية، أن عدد حالات الإصابة بالفيروس ارتفع بواقع 6000 حالة خلال الـ24 ساعة الماضية ليصل إلى 152 ألف حالة. وسجلت إسبانيا منذ أمس الأربعاء 683 حالة وفاة، ليصبح إجمالي حالات الوفاة 15238 حالة. وذكر رئيس الوزراء أن الإجراءات التي اتخذتها إسبانيا لكبح تفشي مرض «كوفيد-19» وهي من أشد الإجراءات في أوروبا، ساعدت في إنقاذ كثير من الأرواح وقلصت الزيادة النسبية اليومية في عدد الإصابات الجديدة إلى أربع في المئة من 22 في المئة. وفيما تجاوز إجمالي عدد المصابين في أنحاء العالم مليونا ونصف المليون مصاب ووفاة زهاء 90 ألف شخص من جراء الفيروس، حلت كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا، بعد الولايات المتحدة، كأكثر الدول المتضررة من تفشي الوباء، إذ بلغت الإصابات في الدول الثلاث 152 ألفاً و140 ألفاً و113 ألفاً على التوالي، فيما بلغ إجمالي عدد المصابين في أميركا نحو 435 ألفاً. وجاءت تلميحات الدول الأوروبية الثلاث، بعد يومين على رفع التدابير الصارمة في مدينة ووهان الصينية، مركز تفشي الوباء. ويبدو أن التدابير الصارمة لضمان التباعد الجسدي بما فيها منع السكان من مغادرة المدينة منذ أواخر يناير، أعطت ثمارها والحياة تعود تدريجياً إلى طبيعتها في المدينة الكبيرة الواقعة في وسط الصين والتي تعدّ 11 مليون نسمة. وكان خبراء في شؤون الأوبئة، أكدوا، أمس، أن العزل في الصين يجب أن يُرفع تدريجياً لتجنّب «موجة ثانية» من الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ، وذلك غداة رفع البلاد العزل عن مدينة ووهان، منشأ الوباء. وأكد الخبير المعتمد في الأمراض المعدية، جوزف وو، أن «أفضل استراتيجية» للدول المتضررة جراء الفيروس إلى حين توفر لقاح، ستكون إيجاد نقطة توازن بين استعادة الأنشطة الاقتصادية وإبقاء التدابير المفروضة، للمحافظة على معدّل إعادة إنتاج الفيروس دون الواحد.
مشاركة :