دوروثي هوتشكين عالمة تكسر حاجز الصوت

  • 4/11/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد / عثمان حسن دوروثي ماري كروفوت هوتشكين، اسم لعالمة بريطانية شهيرة في علم الكيمياء، قدمت أبحاثاً غير مسبوقة، حددت من خلالها تركيب البنسلين، والأنسولين، وفيتامين B12، وهي ثالث امرأة تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء في عام 1964، بعد 35 عاماً من الأبحاث المتواصلة. عرفت بتطوير البلورات باستخدام تقنية الأشعة السينية، بهدف معرفة بنية الجزيئات الحيوية المعقدة، والتي أصبحت وسيلة أساسية في دراسة العلوم الحيوية، التحقت بكلية سومرفيل، وحصلت على الدكتوراه في عام 1937 كأول عالمة تستخدم تمثل هذه التقنية الفريدة. ولدت في 12 مايو/‏‏‏أيار في 1910 باسم دوروثي ماري كروفوت في القاهرة، مصر، وهي الابنة الكبرى لجون وينتر كروفوت (1873-1959)، وجريس ماري (ني هود) (1877-1957)، ورحلت في 29 يوليو/‏‏‏تموز في 1994، استخدمت دوروثي اسم هوتشكين بعد زواجها من توماس ليونيل هوتشكين، وهو الاسم الذي بدأت تتناقله الأوساط العلمية خاصة الجمعية الملكية البريطانية، التي رعت لاحقاً منحة زمالة بهذا الاسم، وأيضاً كلية سومرفيل، كما عرفت بذات الاسم في الأرشيف الوطني في المملكة المتحدة. سكنت أسرتها في القاهرة خلال فصل الشتاء، وكانت تغادر إلى إنجلترا بسبب ارتفاع الحرارة في مصر. في عام 1914، اصطحبتها والدتها مع شقيقتيها جوان (عامان) وإليزابيث (7 أشهر) للعيش قريباً من أجداهم من آل وورثنج، ثم التحقت بزوجها في مصر، وبعد ذلك إلى السودان؛ حيث كان والدها في عام 1926 مسؤولًا عن التعليم والآثار. قتل 4 من أشقاء والدتها في الحرب العالمية الأولى، ونتيجة لذلك أصبحت والدتها مناصرة قوية لعصبة الأمم الجديدة. في عام 1921 ألحقها والدها بمدرسة السير جون ليمان جرامر في بيسليس إنجلترا؛ حيث كانت واحدة من فتاتين سمح لهما بدراسة الكيمياء. وحين كان والدها مديراً لكلية جوردون في الخرطوم، اقترح ابن عمها البعيد الكيميائي تشارلز هارينجتون، أن تقوم هوتشكين بدراسة أساسيات البروفسور بيارسونز في الكيمياء الحيوية. في عام 1926 تقاعد والدها من الخدمة المدنية في السودان، وتولى إدارة المدرسة البريطانية للآثار في القدس؛ حيث بقي هو ووالدتها حتى عام 1935. شغف الكيمياء في عام 1928، صحبت هوتشكين والديها إلى موقع جرش الأثري في الأردن؛ حيث قامت بدراسة أنماط الفسيفساء في كنائس العصر البيزنطي، التي تعود إلى القرنين الخامس والسادس. وأثناء دراستها في أكسفورد، أجرت تحليلات كيميائية عدة للقطع الزجاجية من نفس الموقع. شكل اهتمامها بتفاصيل الفسيفساء دافعاً للتعرف إلى هياكل وبنى التصاميم وتوثيقها في علم الكيمياء. طورت هوتشكين شغفها بالكيمياء منذ صغرها بتشجيع من والدتها وكانت عالمة نباتات بارعة. في عيد ميلادها السادس عشر، أعطتها والدتها كتاباً عن علم البلورات بالأشعة السينية ساعدها على تقرير مستقبلها العلمي. كان تعليمها في المدارس الحكومية؛ حيث إن الحكومي لا يشمل اللغة اللاتينية، التي كانت مطلوبة لدخول أوكسبريدج. فدعمتها مديرة مدرسة ليمان بدروس خصوصية في اللاتينية الذي مكنها من اجتياز امتحان القبول في جامعة أكسفورد. عندما طُلب منها لاحقاً تسمية أبرز ثلاثة نساء بطلات أثرن في طفولتها، ذكرت: والدتها، ثم المبشرة الطبيبة ماري سليزور، ومديرة كلية سومرفيل مارغري فراي. التعليم العالي في عام 1928 وفي سن 18، التحقت بكلية سومرفيل، أكسفورد، وتخصصت في الكيمياء. وتخرجت في عام 1932 بدرجة الشرف، وكانت ثالث امرأة في كليتها تتخصص في الكيمياء. في خريف ذلك العام، التحقت ببرنامج الدكتوراه في كلية نيونهام، كامبريدج، تحت إشراف جون ديسموند برنال. حينذاك كانت متمكنة في دراسة علم البلورات باستخدام الأشعة السينية لتحديد تراكيب البروتينات. عملت مع برنال على تطبيق التقنية الأولى للتحليل البيولوجي لمادة الببسين. يعود الفضل في تجربة الببسين إلى حد كبير إلى هوتشكين التي أوضحت أن فكرتها الرئيسية تعود إلى بيرنال. حصلت على الدكتوراه في عام 1937 على أبحاث في علم البلورات بالأشعة السينية وكيمياء الستيرول. التركيب الجزيئي لفيتامين B12 في عام 1933 حصلت هوتشكين على زمالة بحثية من كلية سومرفيل، وفي 1934 عادت إلى أكسفورد، لتعمل أستاذة في الكيمياء، في أربعينات القرن الماضي، كانت إحدى طالباتها تدعى مارغريت روبرتس (فيما بعد مارجريت تاتشر) التي أثناء فترة رئاستها للوزراء، علقت صورة لهوتشكين في مكتبها في داونينج ستريت تقديراً لمعلمتها السابقة، وكانت هوتشكين من أنصار حزب العمل مدى حياتها. الجمعية الملكية أصبحت هوتشكين محاضرة في أكسفورد عام 1957 وأعطيت مختبراً حديثاً بالكامل في العام التالي. في عام 1960 عينت أستاذة لأبحاث وولفسون في الجمعية الملكية، وهو المنصب الذي كانت تشغله حتى عام 1970. وقد وفر هذا راتباً ونفقات بحث ساعدها على مواصلة عملها في أكسفورد. واستمرت في هذا المنصب حتى 1983. الستيرويد والبنسلين اهتمت هوتشكين بشكل خاص باكتشاف الهياكل الجزيئية الحيوية ثلاثية الأبعاد. في عام 1945، نشرت أول بنية من هذا الستيرويد، بعد أن بحثت في الجذور المتكافئة للكوليسترول. في عام 1945، قامت بمساعدة زملائها كعالمة الكيمياء الحيوية باربارا لو، بحل بنية البنسلين، موضحة (خلافاً للرأي العلمي السائد) أنها تحتوي على حلقة (بي لاكتام). لم ينشر العمل حتى عام 1949. وفي عام 1948، انشغلت بتحليل مركب فيتامين B12، الذي كان مكتشفاً قبل ذلك بعام في ميرك، لكن تركيبه لم يكن معروفاً، وعندما اكتشفت أنه يحتوي على الكوبالت، أدركت أنه يمكن تحديد تركيبه عن طريق تحليل البلورات بالأشعة السينية. من هذه البلورات، استنتجت وجود هيكل حلقي، لأن البلورات كانت متعددة اللون، وهي النتيجة التي أكدتها لاحقاً بإخضاع البلورات لتقنية الأشعة السينية. وصف هذا الاكتشاف المهم من قبل لورنس براغ ب «كسر حاجز الصوت» خاصة أن علماء ميرك في دراستهم لبلورات فيتامين بي 12 قدموا مجرد مؤشرات على انكسار المادة.. منحها هذا الاكتشاف جائزة نوبل في الكيمياء عام 1955. معضلة الأنسولين كان الأنسولين أحد أكثر مشاريعها البحثية استثنائية. بدأ في عام 1934 عندما عرض عليها روبرت روبنسون عينة صغيرة من الأنسولين البلوري. استحوذ الهرمون على خيالها بسبب التأثير المعقد والواسع النطاق في الجسم. خاصة مع عدم تطور علم البلورات بالأشعة السينية في ذلك الوقت، وذلك لتعامل مع التركيب المعقد لجزيء الأنسولين.. أمضت هي وآخرون سنوات عدة في بحث هذا التركيب الأكثر تعقيداً، حتى اكتشاف بنية الأنسولين أخيراً بواسطة هوتشكين، لكن سعيها لم ينته عند هذا الحد، فقد تعاونت مع مختبرات أخرى نشطة في أبحاث الأنسولين، وقدمت نصائح عدة للعلماء، كما سافرت حول العالم لإلقاء محاضرات حول الأنسولين وأهميته لمرض السكري. رموز علمية يذكر أستاذها جون ديزموند برنال بوصفه أحد العلماء البارزين ممن أثروا في حياتها العلمية، كان برنال المستشار العلمي الرئيسي لحكومة المملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. وكان أيضاً عضواً في الحزب الشيوعي ومؤيداً مخلصاً للنظام السوفييتي حتى غزوه لهنغاريا عام 1956. وكانا الاثنان قريبين كعاشقين قبل أن تلتقي هوتشكين توماس. كانت زيجات كل من دوروثي وبرنال غير تقليدية وفقاً لمعايير الحاضر وتلك الأيام. في عام 1934، في سن الرابعة والعشرين، بدأت تعاني آلاماً في يديها، وبعد زيارة الطبيب تم تشخيص حالتها بالتهاب المفاصل الروماتويدي، الذي تطور لاحقاً وأصابها بتشوهات في يديها وقدميها، في سنواتها الأخيرة، أمضت الكثير من الوقت على كرسي متحرك، لكنها ظلت نشطة علمياً على الرغم من إعاقتها. الزواج في 1937، تزوجت من توماس ليونيل هوتشكين، بعد استقالته من المكتب الاستعماري في فلسطين، كان ليونيل عضواً في الحزب الشيوعي، وكتب بعد ذلك العديد من الأعمال الرئيسية حول السياسة والتاريخ الإفريقيين، وأصبح محاضراً معروفاً في كلية باليول في أكسفورد. فأنجب الزوجان ثلاثة أطفال هم: لوقا، إليزابيث، وتوبي. في الصين بين الخمسينات والسبعينات، أنشأت هوتشكين علاقات دائمة مع العلماء في مجالها بالخارج، في موسكو (في معهد علم البلورات) والهند، ومع المجموعة الصينية التي كانت تعمل في بكين وشنغهاي على تحليل بنية الأنسولين. كانت أول زيارة لها إلى الصين عام 1959. سافرت إلى هناك سبع مرات متوالية، وكانت آخر زيارة قبل وفاتها بعام. من الجدير بالذكر التنويه بزيارتها الأخيرة لصين في 1971 بعد أن قامت المجموعة الصينية بنفسها بحل هيكل الأنسولين، بعد فريق هوتشكين، ولكن بدقة أعلى. خلال السنوات الثلاث اللاحقة بين 1972-1975، كانت رئيسة للاتحاد الدولي لعلم البلورات، لم تكن قادرة على إقناع السلطات الصينية بالسماح لعلماء البلاد بأن يصبحوا أعضاء في الاتحاد وحضور اجتماعاته. بسبب الأنشطة السياسية لهوتشكين، وارتباط زوجها بالحزب الشيوعي، مُنعت من دخول الولايات المتحدة في عام 1953 ولم يُسمح لها بعد ذلك بزيارة البلاد إلا بموجب موافقة وكالة المخابرات المركزية. في عام 1961، أصبح توماس مستشارا لرئيس غانا كوامي نكروما، وهو بلد زاره لفترات طويلة قبل إطاحة نكروما في عام 1966. كانت هوتشكين في غانا مع زوجها عندما تلقيا الأخبار بأنها حصلت على جائزة نوبل. نزع التسلح لم تكن هوتشكين شيوعية على الإطلاق. اكتسبت من والدتها مولي روحاً ترفض عدم المساواة الاجتماعية، وكان لديها تصميم لفعل ما يمكنها لمنع الصراع المسلح. أصبحت قلقة بشكل خاص من خطر الحرب النووية. في عام 1976 أصبحت رئيسة مؤتمر بوغواش وعملت لفترة أطول من أي شخص سبقها أو خلفها في هذا المنصب. واستقالت من منصبها عام 1988، أي بعد عام من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى التي فرضت «حظراً عالمياً على أنظمة الأسلحة النووية القصيرة والطويلة المدى، قبلت جائزة لينين للسلام من الحكومة السوفييتية عام 1987 تقديراً لعملها من أجل السلام ونزع السلاح. تكريم وجوائز حصلت على جوائز وتكريمات عدة من بينها: وسام شارة الاستحقاق الخاص من قبل الجمعية الملكية، لندن. فازت بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 1964، وهي العالمة البريطانية الوحيدة التي حصلت على جائزة نوبل في المجالات العلمية الثلاثة التي تعترف بها نوبل. في عام 1947، تم انتخابها زميلة في الجمعية الملكية عام 1947، وترأست عمادة جامعة بريستول من 1970 إلى 1988. في عام 1958، انتخبت عضوة فخرية أجنبي في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. وفي عام 1982 حصلت على ميدالية لومونوسوف من الأكاديمية السوفييتية للعلوم، أما في 1987، فقبلت جائزة لينين للسلام من حكومة ميخائيل جورباتشوف.. كما منحتها حكومة بلغاريا الشيوعية جائزة ديميتروف. في عام 1983، تلقت وسام النمسا للعلوم والفنون. تمت تسمية العديد من المكاتب العلمية باسمها في لندن، ومباني جامعة يورك وجامعة بريستول وجامعة كيلي، وغيرها. منذ عام 1999، يقدم مهرجان أكسفورد الدولي للمرأة محاضرة سنوية باسمها في شهر مارس، تكريماً لإنجازاتها. وفاتها بسبب طول المسافة، قررت في 1987 عدم حضور مؤتمر الاتحاد الدولي لعلم البلورات في أستراليا. وعلى الرغم من ضعفها فقد أذهلت الأصدقاء المقربين والعائلة حين قررت الذهاب إلى بكين لحضور مؤتمر عام 1993، الذي قوبل بحفاوة بالغة من قبل الجميع. توفيت هوتشكين في يوليو 1994 بعد سكتة دماغية، في منزل زوجها في قرية إيلمينجتون، بالقرب من شيبستون أون ستور، وارويكشاير.

مشاركة :