رحبت الأوساط الاقتصادية العالمية بتوصل تحالف المنتجين في "أوبك +" إلى اتفاق لخفض المعروض النفطي بنحو عشرة ملايين برميل يوميا خلال الاجتماع الوزاري التاسع، الذي عقد عن بعد وسط أجواء الاستشعار بفداحة الأزمة بعد انهيار الطلب العالمي من جراء الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد. وقال لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون، إن جميع المنتجين أدركوا أنهم في قارب واحد وأن الاقتصاد العالمي على شفا موجة ركود وانكماش غير مسبوقة في التاريخ ولذا تطلب الأمر تضافر الجهود للحد من المعروض النفطي وإعطاء دفعة للأسعار لوقف نزيف الخسائر الفادحة المتتالية. وفي هذا الإطار، عدّ ماركوس كروج كبير محللي "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن خفض عشرة ملايين برميل يوميا من المعروض العالمي لشهرين، إنجاز غير مسبوق ويعكس تضامن المنتجين واستشعارهم جميعا بالخطر وأن قاطرة الاقتصاد العالمي يجب أن تتعافى سريعا من الأزمة الراهنة وتواصل طريقها. من ناحيتها، ذكرت ين بيتش المحللة الفيتنامية والباحثة في شؤون الطاقة، أن الاتفاق يجب أن يرى النور بعد حل عقدة المكسيك لأن أي تعثر أو تهاون ستكون فاتورته الاقتصادية باهظة للغاية. فيما رأت إكسوي ساهو المحللة الصينية، أن انهيار الاستهلاك العالمي من النفط الخام من جراء جائحة كورونا كان يتطلب بالفعل تدخلا سريعا لرأب الصدع في علاقة العرض والطلب ومنع نمو المخزونات من الوصول سريعا إلى مرحلة التشبع الكامل وهو ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية واسعة على الصناعة. وفي السياق ذاته، ذكر تقرير منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أن الاجتماع الوزاري الاستثنائي التاسع عن بعد عقد برئاسة الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة والرئيس المشارك ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي، بحضور الأرجنتين وكولومبيا وإكوادور ومصر وإندونيسيا والنرويج وترينيداد وتوباجو ومنتدى الطاقة الدولي كمراقبين. وأشار التقرير إلى أن دول "أوبك" والدول المنتجة للنفط من خارجها، شددت على التزامها المستمر بإعلان التعاون وتحقيق استقرار سوق نفط بشكل مستقر بما يعزز المصالح المتبادلة للدول المنتجة ويحقق الكفاءة ويؤمن العرض للمستهلكين إلى جانب توفير عائد عادل على رأس المال المستثمر. وذكر أنه في ضوء الأساسيات الحالية وآفاق السوق التوافقية، اتفقت الدول المشاركة على استمرار العمل بإعلان التعاون الموقع في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 2016 وأقرته كذلك في الاجتماعات اللاحقة وكذلك ميثاق التعاون الموقع في 2 تموز (يوليو) 2019 حيث تم التوافق على خفض الإنتاج الإجمالي من النفط بمقدار عشرة ملايين برميل يوميا ابتداء من أول أيار (مايو) لشهرين، ثم خفض في فترة لاحقة على مدى النصف الثاني من العام بنحو ثمانية ملايين برميل يوميا، وسيتبع ذلك خفض ستة ملايين برميل يوميا لمدة 16 شهرا من الأول من كانون الثاني (يناير) 2021 حتى 30 نيسان (أبريل) 2022. وأوضح أن خط الأساس لحساب التعديلات هو إنتاج النفط في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 باستثناء السعودية وروسيا وكلاهما بمستوى خط الأساس نفسه، الذي يبلغ 11 مليون برميل يوميا حيث ستكون الاتفاقية سارية حتى 30 نيسان (أبريل) 2022، ومع ذلك ستتم مراجعة تمديد هذه الاتفاقية خلال كانون الأول (ديسمبر) 2021. ودعا التقرير جميع المنتجين الرئيسين للمساهمة في الجهود الرامية إلى استقرار السوق مشيرا إلى إعادة تأكيد وتمديد تفويض لجنة المراقبة الوزارية المشتركة من أجل المراجعة الدقيقة لمستويات إنتاج النفط . ونقل التقرير عن محمد عرقاب وزير الطاقة الجزائري ورئيس مؤتمر عام "أوبك" لعام 2020 قوله، "إننا جميعا في خضم مأساة إنسانية على نطاق ربما لم نشهده منذ أكثر من قرن حيث وصل الوباء إلى كل ركن من أركان الكوكب لافتا إلى أن كل الناس يعانون ولا سيما أفقرهم"، مشيرا إلى أنه إضافة إلى الخسائر البشرية فقد ألحقت الأزمة أضرارا كبيرة بالاقتصاد العالمي وبالتالي بسوق النفط العالمية. وذكر التقرير، أن التأثير في سوق النفط غير مسبوق لافتا إلى أن تدمير الطلب النفطي حدث على نطاق واسع ونتج عنه اختلال التوازن بين العرض والطلب ما تسبب في سرعة ملء سعة التخزين العالمية بسرعة وفرض إغلاق الإنتاج منوها إلى أن الأثر السلبي في عائدات الدول المصدرة للنفط ضخم. وعدّ التقرير - بحسب تقديرات الجزائر - أن سوق النفط في حالة من السقوط الحر غير المستدام مشيرا إلى أن أنظار العالم اتجهت هذا التجمع الكبير من المنتجين لتوفير القيادة الحكيمة في وقت الأزمات لافتا إلى أن الاجتماع يرسل رسالة واضحة للسوق العالمية مفادها أننا نأخذ هذا الوضع على محمل الجد ونتحرك إلى الأمام بشكل استباقي ومسؤول لإيجاد حلول بناءة وفاعلة وذات مصداقية لإعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية. وذكر أن التضامن والوحدة في هذه الظروف أمر ملح وضرورة لمصلحة المنتجين والمستهلكين والاقتصاد العالمي والأجيال القادمة، مشيرا إلى قول محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك "في أوائل آذار (مارس) الماضي كان النمو المتوقع للطلب العالمي على النفط في 2020 أقل بقليل من 0.1 مليون برميل يوميا ونتوقع الآن حدوث انكماش قدره 6.8 مليون برميل يوميا خلال الربع الثاني"، عادا أن هذه أرقام مذهلة ولم يسبق له مثيل في العصر الحديث. وهبطت توقعات نمو العرض من خارج "أوبك" في 2020 بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا، كما انخفضت سلة "أوبك" المرجعية من 52.7 دولار للبرميل في آذار (مارس) 2020 إلى أقل من 20 دولارا للبرميل أوائل نيسان (أبريل) الجاري بانخفاض بنحو 70 في المائة. وحذر التقرير نقلا عن باركيندو بأن سعة التخزين المتاحة تمتلئ بسرعة منوها إلى أن تقييم أمانة "أوبك" لقدرة تخزين النفط العالمية المتاحة يتجاوز مليار برميل وبالنظر إلى اختلال التوازن الحالي للعرض والطلب غير المسبوق يمكن أن يكون هناك حجم فائض هائل يبلغ 14.7 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من العام الجاري إذ سيضيف هذا العرض الزائد 1.3 مليار برميل أخرى إلى مخزونات النفط العالمية وبالتالي استنفاد الطاقة التخزينية العالمية المتاحة الخام خلال شهر أيار (مايو). وأشاد التقرير بحرص المنتجين في "أوبك" وخارجها على الانضمام للاجتماع استشعارا بالمسؤولية الخطيرة والجميع يتذكر الخلل الشديد في السوق بين عامي 2014 و2016 عندما خسر منتجو النفط تريليونات الدولارات من العائدات وفقدوا أكثر من تريليون دولار من الاستثمارات. ولفت إلى أنه من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة وهو أمر مطلوب وسيفيدنا جميعا، حيث تتطلب هذه الأوقات الصعبة مرونة والتزام لا مثيل لهما، ودعا التقرير منتجي النفط إلى إلقاء نظرة على توقعات السوق، التي تقدمها المنظمة والوقوف جنبا إلى جنب لمساعدة هذه الصناعة العالمية الحيوية على البقاء، مشيرا إلى أنه بالنسبة للربع الحالي بات من المؤكد فقد نحو 15 في المائة من الاستهلاك العالمي للنفط ويتعين معالجة هذا الخلل الهائل في السوق على وجه السرعة.
مشاركة :