خلال العام 1901، نال الطبيب والعالم الألماني إميل فون بهرنغ (Emil von Behring) أول جائزة نوبل في مجال الطب بفضل نجاحه في ابتكار علاج لمرض الدفتيريا الذي أنهك البشرية وتسبب في سقوط عدد هائل من الضحايا كان أغلبهم من الأطفال. وخلال عملية ابتكار الدواء، جاء فون بهرنغ بطريقة فريدة من نوعها عمد من خلالها لحقن عدد من الحيوانات بالبكتيريا المسببة للمرض واستخلص منها الأجسام المضادة الموجودة بالدم عقب شفائها ليقدم لاحقا على حقنها بأجسام البشر المصابين بالدفتيريا محققا بذلك نجاحا غير مسبوق. في الأثناء، مثلت تجربة فون بهرنغ بداية أولية لطريقة علاج واعدة لقّبت ببلازما النقاهة ويؤمن العديد من الأطباء اليوم بقدرتها على علاج مرضى جائحة كورونا المستجد. وبالقرن الماضي، لم تقتصر مثل هذه التجارب على الحيوانات فقط حيث عمد الأطباء والعلماء لأكثر من مرة للاستعانة ببلازما دم عدد من البشر المتعافين من مرض معين لعلاج آخرين أصيبوا بنفس المرض. فسنة 1934 وخلال فترة افتقر فيها العالم لتلقيح فعال ضد مرض الحصبة الذي تسبب سنويا في وفاة عدد كبير من الأطفال، لجأ الطبيب غاليغار (J. Roswell Gallagher) لهذه الطريقة لتجنب وفاة العديد من الأطفال بإحدى مدارس بنسيلفانيا فعمد للحصول على بلازما دم طفل تعافى مؤخرا من الحصبة وحقنها بنحو 62 طفلا آخر ممن كانوا مهددين بالإصابة بهذا المرض. وبعد فترة وجيزة، أصيب ثلاثة فقط منهم بحالات خفيفة من الحصبة. إلى ذلك ومع نجاح تجربة فون بهرنغ، أجرى العديد من الأطباء تجارب مشابهة لعلاج عدد من الأمراض الأخرى كشلل الأطفال والنكاف عن طريق اقتراض أجسام مضادة من عند أشخاص متعافين. وخلال فترة الأنفلونزا الإسبانية التي عصفت بالعالم وتسببت في وفاة ما يزيد عن 50 مليون شخص بالقرن الماضي، مثّلت هذه الطريقة دواء فعالا ضد المرض فقد عمد عدد من الأطباء والباحثين للحصول على بلازما دم المتعافين وحقنها بأجسام بعض المصابين خلال الأيام الأولى من بداية ظهور أعراض المرض عليهم وقبل انطلاق ردة فعل أجهزة مناعتهم التي اتجهت غالبا لتخريب عدد من الأعضاء الحيوية متسببة في الوفاة. ولدى أولائك الذين حقنوا ببلازما دم المتعافين بالقرن الماضي، تراجعت نسبة الوفيات بالأنفلونزا الإسبانية للنصف. وخلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، حلّت التلاقيح لتعوض بلازما النقاهة. لكن أثناء الحرب الكورية، عاودت هذه الطريقة القديمة ظهورها مجددا. ففي صفوف قوات الأمم المتحدة، سجلت حينها آلاف الإصابات بمرض عرف بالحمى النزفية الكورية وشهر لاحقا باسم فيروس هانتا (Hantavirus) نسبة لنهر هانتان بكوريا الجنوبية وانتقل للبشر عن طريق الفئران المريضة والحاملة للفيروس. وأمام عدم توفر لقاح أو علاج لهذا المرض، اتجه الأطباء الميدانيون لنقل بلازما دم المتعافين للمصابين مساهمين بذلك في إنقاذ عدد كبير من الأرواح.
مشاركة :