ماذا يعني أن تكون إماراتياً في رمضان؟

  • 6/18/2015
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

الحمد لله رب العالمين: ها قد دارت السنة وأقبل علينا رمضان الخير والبركة من جديد. وكالعادة، يمثل الشهر الكريم مناسبة يظهر فيها أفضل ما في دولة الإمارات وشعبها من شيم الخير والإيمان والتآلف والتراحم، فلم تترك لنا عاداتنا شيئاً من خصال الخير إلا وعودتنا عليه، دون أن تحرفنا عن حقيقة العبادة في خضم العادة. ولا أتحدث هنا عن الكرم والعطاء المادي، فهذا أمر مفروغ منه، ونحن بفضل الله نعيش في الدولة الأكثر تقديماً للمساعدات المادية على مستوى العالم، لكنني أتحدث عن جوهر الإنسان الإماراتي ومعدنه الأصيل، الذي يتبدى كل يوم في حياتنا، لكنه يكون أكثر إشراقاً في رمضان المبارك. فقد أثبت الإماراتي على مر السنين، أن معدنه غير قابل للتغيير والتعديل، يبقى كما هو معدناً أصيلاً ونقياً، لا تزيده الأيام إلا نقاء. وكانت مكونات شخصية الإنسان الإماراتي على الدوام تنبت من منبتها الحسن إسلاماً وعروبة وخلقاً جميلاً، وسلوكيات منضبطة متحضرة، وأدباً مع النفس ومع الأهل ومع الغير. من هنا، ننظر إلى شهر رمضان الكريم باعتباره فرصة سنوية بالنسبة لنا كإماراتيين محبين لدولتنا وقيادتنا وشعبنا، لكي تتجدد فيها روحية الشخصية الإماراتية، وصورة المواطن الإماراتي أمام أنفسنا أولاً، وأمام العالم ثانياً. وطبيعي هنا أنه، ومع بداية الشهر الفضيل، سنسأل أنفسنا، أين ذهبت بنا العولمة والحضارة، وإلى أي حد ما زلنا نحافظ على هويتنا الوطنية الإماراتية وعاداتنا وتقاليدنا الإماراتية، في زمن أصبح العالم فيه يدار بالريموت كونترول، وأصبحت الدنيا قرية صغيرة، تتحدث فيها مع من في قارة أخرى أسرع وأسهل من أن تتحدث مع من في البيت المجاور لك. هذا التساؤل طبيعي، لكن ما هو غير طبيعي، هو أن ننجرف مع التيار وننسى من نحن. فمنذ متى مثلاً كان الإماراتي يتطاول على علماء الشرع الحنيف الموثوقين، وبدون أن يكون لديه شيء من العلم أو المعرفة لما يقول. ومنذ متى كان الإماراتي يقبل لنفسه إثارة الفتن وتأجيج المشاعر، سواء في الكتابة أو في التغريدات، لا لشيء، إلا لكي يقال فلان. ومنذ متى كان الإماراتي يسمح لنفسه بالغمز من قناة الشقيق والتدخل في شؤونه! هذه سلوكيات لا نعرفها ولا نقبلها ولا تمثلنا، وهي بعيدة عن شخصيتنا وأخلاقنا كإماراتيين، وما أجدرنا أن نكون بعيدين كل البعد عنها في شهر الخبر والبركات والطاعات. وأتمنى على الجميع الابتعاد عن هذه السلوكيات والمشاحنات الفكرية التي لا طائل منها، والبغضاء المؤذية، فنحن بغنى عن ذلك، والنقاش العلمي الموضوعي له أهله من أصحاب الاختصاص. لكن هنالك ما هو أهم، ألا وهو صفة التراحم، التي طالما ميزت أبناء الإمارات في رمضان وغيره، لكنها في الشهر الفضيل أوجب، لذلك، أذكركم وأذكر نفسي بالتزاور والتراحم وصلة الرحم، التي لا يعرف الإماراتيون قطعها، ولا يجوز أن يعرفوا. وربما يكون من البدهي هنا، التذكير بأخلاق الإماراتيين في الحلم وسعة الصدر، وألا نترك في نفوسنا ضغينة ضد أحد منا، فنحن في النهاية شعب واحد، ما يجمعنا ويقربنا، أكثر بكثير مما يفرقنا. دعونا نتعلم كيف نتسامح مع بعض، وكيف نصفي قلوبنا تجاه بعض، وكيف نمد أيدينا نحو بعض بالمحبة والود، مستذكرين مقولة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في الحديث الشريف، برواية مسلم: أفشوا السلام بينكم. واسمحوا لي هنا أن أعود معكم إلى نتائج دراسة استطلاع القيم المجتمعية التي أجريناها في مؤسسة وطني الإمارات، والتي أظهرت أن القيم الشخصية الأكثر وجوداً لدى المواطن الإماراتي، تمثلت في كل من الرعاية، والأسرة، والاحترام، والصدق، والأخلاق، والإنجاز، والطموح والالتزام والتعاون والمحبة. وأعتقد أن هذه القيم تتحدث عن نفسها في حياتنا بشكل عام، لكنني أسأل، هل هناك ما هو أنسب من شهر رمضان الفضيل لترسيخ هذه القيم في سلوكياتنا المجتمعية والحياتية، وتوثيقها كنمط مجتمعي يربطنا جميعاً ببعض. وبالطبع، دعوني أذكر هنا بحقيقة مهمة، وهي وجود عدد كبير من غير المسلمين المقيمين في دولتنا، ولعل شهر رمضان الفضيل يكون فرصة لتعليمهم عن ديننا وعاداتنا. دعونا ننتهز فرصة الشهر المبارك، لكي نعرفهم بنا وبديننا، ودعونا نرفق بهم في شهر الصوم، فربما نكسب قلوبهم وعقولهم، ونكسب فضل دخولهم في الدين الحنيف. والحمد لله أن مؤسساتنا الرسمية وفرت الكثير من المطبوعات والأدلة للتعريف بالإسلام بلغات أجنبية عديدة، ما ييسر عليك توصيل المعلومة بسهولة. ولا يجوز هنا أن ننسى أبناءنا في الخارج، الذين يقضون شهر رمضان الفضيل بعيداً عن وطنهم وعائلاتهم. منهم المريض على سرير الشفاء، نسأل الله لهم الشفاء العاجل والمعافاة الدائمة. ومنهم طلبة العلم، الذين تضطرهم برامجهم الدراسية لقضاء الصيف في بلدان الاغتراب، بدلاً من قضائه في ربوع الدولة. ومنهم الدبلوماسيون الذين يبذلون كل الجهود لتمثيل الإمارات ورفع صورتها عالياً، فلهم منا كل الشكر والتقدير. لكن اسمحوا لي أن أخص بالشكر والتقدير، ثلاث فئات من الغائبين عنا في رمضان هذا العام. الفئة الأولى، هم أبناء القوات المسلحة الباسلة، سواء في العمليات الإنسانية وحفظ السلام المختلفة، أو المشاركين في عملية إعادة الأمل في المملكة العربية السعودية، وهم يرفعون رؤوسنا عالياً حيثما كانوا، ببسالتهم ودفاعهم عن القيم الإنسانية النبيلة، التي تمثلها دولة الإمارات وقواتها المسلحة. الفئة الثانية، هم المشرفون على المخيمات والمشروعات الخيرية الإماراتية في الخارج، سواء مخيم اللاجئين السوريين في الأردن، أو مشروعات الإعمار الإماراتية في غزة، أو غيرها، وهم يعبرون أجمل تعبير عما في ضمير الإمارات من خير وعطاء إنساني لا ينقطع. أما الفئة الثالثة، فهم سفراء نجاحات الدولة من القائمين على جناح الإمارات في معرض إكسبو ميلانو 2015، الذين يقومون بواجب مزدوج، تعريف الجمهور بالدولة وإمكاناتها في جانب، والترويج للنجاح الموعود في إكسبو دبي 2020 بإذن الله. ولهم جميعاً دعاء من القلب، أن يردهم الله إلى الإمارات سالمين غانمين، بإذنه سبحانه وتعالى. والدعاء موصول إلى قادتنا الأكارم، الذين عودونا على مكرماتهم السامية في الشهر الفضيل، فيا رب، احفظ لنا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، واكلأه بعين رعايتك، وامنن عليه بالشفاء والصحة والعافية، واحفظ أخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات. أما أنتم، فلكم مني تذكير بحديث شريف يصح في كل الأيام، لكنه في رمضان أوجب، وهو قول رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصِلُوا الأرحام، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَم). (صحيح سنن ابن ماجة).

مشاركة :