النزوح من الدول الأوروبية الجديدة يؤدي إلى تفاقم مشكلة شيخوخة السكان، فقد عانت أسرة كريس توبالوف؛ الأوضاع المتقلبة، التي شهدتها اقتصادات أوروبا المتعثرة لعقود عدة من الزمن. فقد ترك والداه موطنهما في بلغاريا هروبا من الاضطراب المالي عام 1997؛ إلا أن الاضطراب تبعهما إلى اليونان حيث ولد كريس. وفي عام 2016، انتقلت الأسرة إلى الولايات المتحدة بحثا عن آفاق أفضل. دفعت هذه الملحمة كريس إلى دراسة علم الاقتصاد لمحاولة فهم المتاعب التي تواجه أوروبا، وهو في سبيله للالتحاق بالجامعة هذا العام. ورغم شعوره بأنه بلغاري الأصل، إلا أنه غير متأكد مما إذا كان سيعود إلى بلغاريا يوما ما. هذه المشكلة تواجهها بلغاريا ودول أخرى، معظمها من الدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الوسطى، الشرقية، والجنوبية الشرقية. ووفقا لتوقعات الأمم المتحدة، تقع تسع من الدول العشر، الأكثر تقلصا في العالم، في أوروبا الشرقية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على النمو الاقتصادي وفرصة لتحقيق الازدهار الأوروبي، الذي بشر به انهيار الشيوعية. وزاد العمر المتوقع عند الولادة إلى 74 عاما من 67 عاما عام 1995، وزاد إجمالي الناتج المحلي بأكثر من الضعف. لكن، العمر الأكثر طولا، والأسر الأصغر حجما، وسهولة الهجرة، اجتمعت لتفرض ضغوطا ديموغرافية ستؤثر بشكل متزايد في النمو الاقتصادي وتقوض المكاسب التي تحققت منذ سقوط جدار برلين. وحذر تاو زانج؛ نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، من أن دول المنطقة تواجه مخاطر الوصول إلى سن الشيخوخة قبل أن تصبح غنية. وبالتالي ليس مستغربا أن كثيرا من مواطني دول أوروبا الشرقية يسعون إلى الحصول على فرص في أماكن أخرى. وقد يسرت عضوية الاتحاد الأوروبي تحفيز التجارة والاستثمار الأجنبي وجلبت معها وتيرة استثنائية لتقارب دخل الفرد مع مثيله في دول أوروبا الغربية. لكنها أبقت الضغوط الدافعة إلى هجرة الشباب المهنيين أصحاب المهارات، وهو الاتجاه الذي بدأ منذ سقوط الشيوعية عام 1989. وفقدت دول أوروبا الوسطى والشرقية والجنوبية الشرقية نحو 7 في المائة من قوتها العاملة بين عامي 1995 و2017، ومعظمهم من العمال الشباب المتعلمين، مثل والدي توبالوف. وتشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان منطقة دول أوروبا الوسطى، والشرقية، والجنوبية الشرقية، سينخفض بنسبة 12 في المائة بحلول عام 2050 نتيجة للشيخوخة والهجرة إلى الخارج. وستنخفض القوى العاملة بمقدار الربع خلال الفترة نفسها. ويقول أليسدير سكوت؛ الخبير الاقتصادي في الصندوق، الذي شارك في إجراء دراسة في الفترة الأخيرة عن الأوضاع الديموغرافية في أوروبا الوسطى والشرقية، إن شيخوخة السكان لا تتعلق بالمعاشات التقاعدية العامة. فقط، بل إن لها آثارا خطيرة في الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية وآثارا عميقة في النمو عموما وتطلعات هذه الدول لتحقيق التقارب بين دخولها ودخول دول أوروبا الغربية. ويشير البحث إلى أن تقلص العرض من العمالة وانخفاض إنتاجية العمال كبار السن، إلى جانب الضغوط الكبيرة الواقعة على الأموال العامة لتغطية احتياجات الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية، يمكن أن تكلف هذه الدول 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العام على مدار الـ 30 عاما المقبلة. وسيؤدي ذلك إلى كبح ارتفاع الدخول ووصولها إلى مستويات دول أوروبا الغربية، سيبقى نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في هذه الدول 60 في المائة فقط من مستويات دول أوروبا الغربية عام 2050. ورغم أن هذه النسبة تشكل زيادة أكثر من نسبة 52 في المائة في الوقت الحالي، فقد كان ممكنا أن تكون 74 في المائة في حالة عدم وجود المشكلات الديموغرافية. وتلجأ بعض حكومات المنطقة إلى الحوافز المالية لرفع معدلات المواليد. ففي هنجاريا، التي أعربت فيها الحكومة عن معارضتها للهجرة إلى الخارج، أعفيت النساء اللواتي لديهن أكثر من أربعة أطفال من ضريبة الدخل، والزوجان اللذان يحتاجان إلى علاج للخصوبة يحصلان عليه بالمجان. لكن معدلات الخصوبة ليست المشكلة الرئيسة كما يقول سكوت. فالذي يجعل الأوضاع الديموغرافية في هذه المنطقة تتسم بالصعوبة هو، مدى الفرق في معدلات الهجرة والوفيات، التي تزيد كثيرا على مثيلاتها في أوروبا الغربية. ويقول، "لا يبدو أن الحوافز المالية في الدول الأخرى كان لها تأثير كبير في معدلات المواليد. لكن حتى لو كان لها تأثير فوري، سيستغرق الأمر عقدين من الزمن قبل أن يرى اختلاف بين السكان الذين هم في سن العمل، في حين أن الضغوط الديموغرافية موجودة وقائمة الآن"... يتبع.
مشاركة :