ألقى الأَب البَطريرك الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، اليوم، عظة قُدَّاسِ أحد الشعانين جاء نصها كالتالي:محبَّةُ اللهِ الآب ونعمة الابن الوحيد وعطية الرَّوح القدس تكون مع جميعكمإلى جميع مَنْ يُشاركُونا الصَّلاة من أبناء الكنيسة الكاثوليكيَّة في مصر وخارجها وكلّ الأصدقاء في كلِّ مكان نعمة وسلام المسيح ملك السَّلام مع جميعكم.نعيش زمن الفصح هذا العامّ في ظروفٍ استثنائيَّة، ونحتفل اليوم بطريقة غير اعتياديَّة بأسبوع الآلام، في ظلِّ اتِّباع الإرشادات الاحترازيَّة حفاظًا على حياة الشَّعب، متضامنين مع العالم كلّه في مواجهة وباء فيروس كورونا، مُصلِّين وطالبين من الله أن نعبر هذه المحنة بسلام وأمان.أتخيل أنَّكم في عائلاتكم تعيشون حياة غير اعتياديَّة لتفادي العدوى وأعرف أنَّها أوقات عصيبة للجميع، ولكثيرين عصيبة جدًا. نتَّحد معًا في الصَّلاة من أجل كلِّ إنسان على وجه الأرض، خاصَّةً المتضررين والمتألمين الَّذين يعانون من الصُّعوبات والوحدة والضِّيقات، ومن أجل الأطباء والعاملين في المستشفيات وكلّ الَّذين يُكرِّسون حياتهم ويخاطرون بها من أجل إنقاذ حياة أيّ إنسان وكلّ إنسان. الرِّبّ يحفظ بلدنا مصر وكلّ بلاد العالم من كلِّ شرٍّ.نشكر كل مَنْ له تعب في نقل إذاعة الصلوات عبر القنوات التفلزيونيَّة والإنترنت، نصلي أن يبارك الرب جهودهم ويعوضهم كل خير.تداولت وسائل التَّواصل الاجتماعيّ الكثير من الأخبار والأفكار والتَّأمُّلات عمَّا نمرُّ به من هذه الظُّروف، ولا داعٍ للمزيد من الكلام عنها. فقط أشير إلى ثلاثة أمور إيجابيَّة:1. روح التَّضامن والمسئوليَّة بين العائلات والدُّول والمنظَّمات في العالم كلّه، فلا فرق بين غني وفقير؛ فالجميع أمام الخطر متساوون. 2. خبرة الصَّلاة في العائلة، وما نسميه مذبح العائلة. نظرًا لمنع التَّجمُّعات وعدم إمكانية التواجد في الكنائس.3. مواقف ونماذج إنسانيَّة لكثيرٍ من أفرادٍ وجماعاتٍ يملأهم حبٌّ كبيرٌ وطاقةٌ إيجابيَّةٌ يهتمُّون بمن هم أكثر احتياجًا، وإن بفلسي الأرملة. هذا بعض من كثير مما يدعو إلى الرَّجاء وأن الخير ما زال يعمل وإن كان في صمت. نبدأ اليوم بطريقة غير اعتياديَّة بأسبوع الآلام، ونحتفل بدخول الرَّبّ يسوع إلى أورشليم، والَّذي يُطلق عليه "أحد الشَّعانين"، وهي تسمية من هتاف الجماهير الَّتي استقبلت الرَّبّ يسوع "هوشعنا" يا ربّ خلِّص، وأيضا أحد السَّعف وهو اسم شعبيّ من سعف النَّخيل.استَولى الفَرَح على التَّلاميذ، فهتفوا مُسبحين اللهَ بِأعلى أَصواتِهِم قائلين: «مُباركٌ الآتي بِاسمِ الرَّبّ» (لو19: 37-38). فمن أين للتلاميذ هذا الفرح والتَّسبيح، هو من خبرتهم الشَّخصيَّة وحياتهم مع يسوع، وهذه خبرة كلّ إنسان أو جماعة تقبل المسيح ملك السَّلام، النُّور والحقّ والحياة.وجَّه الرَّبّ يسوع كلامه إلى أورشليم قائلًا: "«لَيتَكِ عَرَفتِ أنت أَيضًا في هذا اليَومِ طَريقَ السَّلام!" (لو19: 42). وهذا الكلام مُوجَّه أيضًا إلى كلٍّ منَّا، كما كان موجهًا إلى المرأةِ السَّامريَّةِ الَّتي قال لها يسوع: "لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطاءَ الله ومَن هوَ الَّذي يُكلِّمُكِ" (يو4: 10).واليوم يدعونا الرَّبّ يسوع إلى إعادة اكتشاف حضوره الحقيقيّ في حياتنا وعائلاتنا. ولكن يسوع لا يفرض نفسه، بل يجب أن يُقبل قَبولًا حرًّا بالإيمان. "فهو جُعِلَ لقيام وسقوط كثيرين وآيةً مُعرَّضةً للرفضِ"(لو2: 34)، كما عبَّر عن ذلك سمعان الشَّيخ في الهيكل، عندما أخذ الطِّفل يسوع بين يديه.والأناجيل الَّتي قرأناها اليوم تُظهر لنا عدة مواقف متنوعة:1. هناك مَنْ يهتف بحماسٍ وفرحٍ لدخولِ المسيح معلنًا أنَّه الملك المسيا ملكُ السَّلامِ.2. وهناك مَن يرى في المسيح خطرًا على مصالحه وحياته؛ فيدخل في مؤامرات للتخلُّص منه.3. وربَّما هناك مَنْ لا يُبالي، وكأنَّ الأمر لا يُعنيه.ولكن حياة يسوع هي حدث علنيّ يهمُّ جميع النَّاس، ولذا يقول الإنجيل اهتزَّت المدينة عند دخوله أورشليم، وتساءل الكثيرون مَنْ يكون هذا؟ النَّاس يعلنون يسوع ملكًا، وإن لم يعرفوا أيّ نوع من الملوك هو. يسوع يقبل هذا الإعلان في الظاهر، عِلمًا أنَّه رفض ممالك الأرض حين جُرِّب في الصَّحراء.دخل يسوع أورشليم ملكًا في الظَّاهر متألمًا في الدَّاخل، فهو يعرف أنَّ درب الصَّليب بانتظاره، لأنَّ خلاص النَّاس ليس بملك يمشي على ثيابهم، ويسمع تهاليلهم، بل في أن يبصر الَّذين لا يبصرون، أيّ أن يعرف الحقيقة كلّ مَنْ تاه عنها، وأن يدركوا مصدقين أنَّ الله الآب لا يريد موت الخاطئ، بل يريد توبته وخلاصه؛ "والحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ" (يو17: 3) هل نحن اليوم أفضل ممن استقبلوا المسيح يوم الشَّعانين، وتركوه وحيدًا يوم الجمعة العظيمة؟ ألا نُملِّك على أنفسنا وأولادنا ملوكًا من الأوثان والممتلكات؟ احتفالنا بعيد الشَّعانين اليوم دعوة عامَّة إلى اليقظة لنعرف مَنْ هو ملكُنا الحقيقيّ، فَنُميِّز بينه وبين مَن يميت النَّاس ليسعد ويحيا هو.ذات يوم وجه يسوع إلى تلاميذه السؤال: من تقول النَّاس إني أنا هو؟ وأنتم من تقولون؟ والسؤال ذاته موجَّه اليوم إلى كلِّ واحدٍ منَّا، مَنْ يكون يسوع بالنسبة لي؟هل هو على هامش حياتي؟أم هو خارج حياتي؟أو هو بالحقيقةِ يملكُ على حياتي وأفكاري وأعمالي وطموحاتي؟ أحبائي لنبدأ هذا الأسبوع العظيم المُقدَّس ونفتح قلوبنا وعائلاتنا ليدخل المسيح إليها ويغمرها بسلامه، ولنتبعه في طريق آلامه مؤمنين وواثقين في مشاركتنا له نعمة وقوَّة قيامته المُقدَّسة؛ فيعظُم انتصارُنا بالَّذي أحبنا.
مشاركة :