في مقال الأسبوع الماضي، استعرضنا البعدين القومي والمذهبي في السياسة الخارجية الإيرانية. في هذا المقال نتطرق لهذين البعدين ولكن على مستوى السياسة الداخلية في إيران. ترتكز السياسة الإيرانية على بعدين رئيسين: هما البعد القومي والبعد المذهبي. وقد سيطر هذان البعدان على توجهات إيران واستراتيجياتها على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء. هذان البعدان يتم استخدامهما من قبل نظام ولاية الفقيه في إيران لتفادي الاستحقاقات الداخلية من خلال الترويج لنظرية تعتمد على بعبع "العدو المتربص" بالبلاد الذي سوف ينّقض عليها إذا لم يتم أخذ كافة الاحتياطات والسبل للتصدي له ودحره بكافة الوسائل. على مستوى البعد القومي، من المعلوم أن إيران بلد يتكون من أعراق مختلفة وطوائف وأديان متنوعة، فهناك الفرس في وسط إيران ويشكلون قرابة 51% من مجموع السكان، ثم الأذريون الأتراك في الشمال الغربي ويعتبرون أكبر الأقليات العرقية في البلاد بنسبة تصل إلى 23%من المجتمع الإيراني، ثم الأكراد في غرب إيران بنسبة 10% فاللور في غرب إيران بنسبة 6%، والعرب في الجنوب والجنوب الغربي بنسبة تقدر بحوالي 4%، فالبلوش في الشرق والجنوب الشرقي (2%)، والتركمان في الشمال الشرقي (2%) وآخرون بنسبة 2%. مع التأكيد على أن هذه النسب تختلف من تقرير إلى آخر لعدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة في هذا الصدد. تتركز السلطة في العرق الفارسي أو من تم "فرسنتهم" من الأعراق الأخرى، وهناك منهجية واضحة المعالم تعمل على تغيير التركيبة الديموغرافية في مناطق الأقليات العرقية حتى لا يشكلون أغلبية كبيرة، خاصة في مناطق الأقلية العربية الغنية بالنفط والثروات الطبيعية الأخرى. في البعد القومي، يكون الانتصار في الغالب للعرق الفارسي، كما يكون الانتصار دائما للانتماء المذهبي أيضا. بعبارة أخرى، يتم الانتصار للعرق الفارسي على حساب الأعراق الأخرى، كما ينتصر للمذهب الشيعي على بقية الأديان والمذاهب في البلاد. من جانب آخر، تحرم الحكومة الإيرانية أبناء الأقليات العرقية من حقوقهم اللغوية والثقافية والتاريخية ولا تسمح لهم بالدراسة بلغاتهم الأم، كما ينظر إليهم، في الغالب، كمواطنين من الدرجة الثانية، وتطلق النُكت عليهم بسبب ضعف لغتهم الفارسية ولهجتهم المتأثرة بلغاتهم الأم. ينعكس ذلك بشكل كبير على تحصيلهم العلمي وبالتالي لا يمكنهم، في الغالب، المنافسة على الوظائف المرموقة في البلاد أو إكمال دراساتهم العليا. أما فيما يتعلق بالبعد المذهبي، فقد كان النظام السياسي في إيران خلال الحقبة الشاهنشاهية البهلوية يتبنى النهج العلماني والقومي في معظم سياساته، أما بعد ثورة 1979، فقد تم إحلال النهج المذهبي محل ذلك، ونص الدستور للبلاد على الصبغة المذهبية من خلال التأكيد على أن البلاد تتخذ من المذهب الشيعي الإثني عشري منهجا لها. بعبارة أخرى، أقصى الدستور الإيراني الأقليات الدينية والمذهبية في البلاد، وبالتالي فلا يحق لأي من أتباع غير المذهب الشيعي الاثني عشري الوصول إلى المناصب العليا في البلاد سوى كانت تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، تعيينا أو انتخابا. من جانب آخر، يتم التضييق على أتباع المذهب السني في البلاد ولا يتم تصنيفهم من بين الأقليات الدينية، بحيث يحصلون على مقاعد ثابتة في البرلمان الإيراني أسوة باليهود والمسيحيين والمجوس. من هنا، يعاني أتباع المذهب السني من خلط النظام بين التوجهات السياسية والانتماء المذهبي، بحيث يتم صبغ جميع أنشطة أتباع المذهب بالصبغة المذهبية عند مطالبتهم بحقوقهم السياسية والثقافية ويتم إلصاق تهم "نشر الوهابية" بهم بين الفينة والأخرى، على الرغم أن المطالب لا علاقة بها بالانتماء المذهبي. علاوة على ذلك، فمن يطّلع على شروط وضوابط الحصول على منحة دراسية خارجية أو الحصول على وظيفة أكاديمية في الجامعات الإيرانية أو التوظيف في القطاع العسكرية يجد أن أول شروط ذلك هو "الإيمان بولاية الفقيه اعتقادا وممارسة" وهو ما نصه في اللغة الفارسية "اعتقاد والتزام عملی به ولایت فقیه." يستثنى من هذا الشرط أتباع الأديان الأخرى، مثل المسيحيين واليهود والزرادشتين (المجوس) أما أتباع المذهب السني فلا يعتبرون أقلية دينية وبالتالي هم المتضرر الأول من هذا الشرط المذهبي الأديولوجي. أما فيما يتعلق بعمل ونشاط التيارات والجماعات السياسية في البلاد وشروط تأسيس حزب أو العضوية فيه فقد حددها مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) بوجوب تحقق أربعة شروط رئيسة أولها الإيمان بولاية الفقيه المطلقة اعتقادا وممارسة (الثلاثة الأخرى هي: حمل الجنسية الإيرانية، تجاوز سن 18 عاما وعدم وجود سوابق جنائية مؤثرة). وختاما، تمنع السلطات الإيرانية أتباع المذهب السني من بناء مسجد لإقامة الجمع والجماعات في العاصمة طهران على الرغم من وجود أكثر من مليون ونصف سني يقطنون العاصمة، وبالتالي تكون طهران العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها مسجد لأتباع المذهب السني، رغم أن هناك عددا كبيرا من دور العبادة لأتباع الأديان الأخرى مثل اليهودية والمسيحية والمجوسية. وبعد أن استعرضنا الجانبين العرقي والمذهبي على المستوى الداخلي، قد يتساءل القارئ الكريم حول ما سيحدث عند حدوث تصادم بين العرق والمذهب؟ أي عندما يكون هنالك طرف شيعي ولكنه غير فارسي، هل يتم الانتصار للمذهب أو العرق؟ في الغالب الأعم يكون الانتصار للعرق على المذهب، كما يحدث للعرب في الأحواز، فانتماؤهم المذهبي للتشيع لم يغفر لهم عند السلطة لأنهم ينحدرون من العرق العربي وهو "الآخر" الثابت "للذات" الفارسية وبالتالي يصبح الاعتقاد بالمذهب واتباع "ولاية الفقيه" عديمي الفائدة تماما.
مشاركة :