مايكل بارنبوم* تميل إعانات البطالة العادية في أوروبا إلى أن تكون أكثر سخاء، مقارنة مع مثيلاتها في الولايات المتحدة؛ لذا بقي الفارق بين تكاليف دعم العمالة وتخفيف حدة تسريح العمال الأوروبيين محدوداً. رفع «كوفيد 19» معدلات البطالة الأمريكية إلى مستويات فاقت مثيلاتها أيام الكساد الكبير. قد يبدو ذلك نتيجة حتمية لأزمة صحية أجبرت كثيراً من قطاعات الاقتصاد على التوقف المفاجئ، لكن الوضع في أوروبا يشير إلى أن الارتفاع الكبير في معدلات البطالة الأمريكية، ليس حتمياً. فالقارة الأوروبية تواجه نفس قرارات التباعد والعزل الاجتماعي التي تسببت في توقف مفاجئ في قطاعات الاقتصاد. ويقدر البنك المركزي الفرنسي الانكماش في الاقتصاد بنسبة 6% في الربع الأول، وهو أسوأ انخفاض منذ عام 1945. ولكن حتى الآن، تتم حماية العمال إلى حد كبير، حيث تدخلت العديد من الحكومات في منطقة اليورو عبر برامج مكلفة لدعم أجورهم وعدم تسريحهم. ومع ذلك، هناك عواقب مأساوية. ويتوقع المعهد الاقتصادي الألماني ارتفاعاً في معدلات البطالة في ألمانيا هذا العام تتراوح بين 0.2 و0.5 نقطة مئوية. ويعتقد معهد «أي إف أو» للأبحاث الاقتصادية أن معدل البطالة في ألمانيا سيبلغ ذروته عند 5.9% في منتصف العام، قبل أن ينخفض. بالمقابل، توقع بنك «جيه بي مورجان» أن ترتفع معدلات البطالة في الولايات المتحدة بنحو 20% في الربع الثاني من العام الحالي. وفي أوروبا كان الطلب على الإعانات الحكومية هائلاً، حيث قدم دليلاً قوياً على أنه بدون برامج الدعم الحكومي يمكن أن تبلغ مستويات تسريح العمال حداً كارثياً. ففي ألمانيا على سبيل المثال، خاطبت 650 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الأسبوع الماضي، وكالات التوظيف بنيتها التحول إلى نظام عقود العمل المؤقتة، وهو النظام الذي يتم بموجبه تقليص ساعات عمل الموظفين وتتولى الحكومة دفع ثلثي رواتبهم، بينما لا يدفع صاحب العمل سوى القليل أو لا شيء. وبمجرد أن يكون صاحب العمل جاهزاً لدفع الأجور الكاملة مرة أخرى، يعود كل شيء إلى طبيعته؛ أي أنه لا توجد قرارات تسريح مؤقت. ويعترف العديد من خبراء الاقتصاد بأن هذا النظام مكّن ألمانيا من استعادة حيويتها بسرعة بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008؛ لأن شركاتها لم تفقد خبرات عمالها وكانت قادرة على استعادة طاقتها الكاملة بمجرد بدء الانتعاش. ومن هنا سعت العديد من الدول الأوروبية إلى تطبيق أنظمة مماثلة هذه المرة. أليس هذا مكلفاً؟ بالتأكيد، ولكن الانكماش الاقتصادي حالياً مخيف؛ لذلك تميل إعانات البطالة العادية في أوروبا إلى أن تكون أكثر سخاء، مقارنة مع مثيلاتها في الولايات المتحدة، لذا بقي الفارق بين تكاليف دعم العمالة وتخفيف حدة تسريح العمال الأوروبيين محدوداً. وقد طلبت وكالات التوظيف الألمانية 11 مليار دولار إضافية للمساعدة في تلبية الطلب على إعانات البطالة. وفي الوقت نفسه، يغطي نظام الإعانات الفرنسي 8 ملايين شخص، أو ثلث العاملين في القطاع الخاص في البلاد. وستتولى الحكومة الفرنسية دفع ما يصل إلى 84% من راتب العامل، وتقدر وزارة العمل التكاليف بنحو 21 مليار دولار على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة. وهذا يعني، كما هو الحال في ألمانيا، أن ارتفاع معدلات البطالة في فرنسا سيكون محدوداً نسبياً. وتقول شركة «إكسيرفي» للدراسات إن المعدل سيرتفع إلى 9.6% هذا العام فقط، صعوداً من من 8.5% عام 2019. مثل هذا الارتفاع البسيط يبدو محدوداً في إطار صورة الكساد الهائل في الاقتصاد، حيث يقول وزير العمل الفرنسي مورييل بينكود، إن نصف النشاط الاقتصادي مشلول كلياً. وفي بريطانيا، وعدت الحكومة بدعم رواتب 80% من العمال طالما لم يتم تسريحهم، لكن الحكومة لا تزال تتخبط في إعداد برنامجها وتطبيقه. ويقدر معهد دراسات التوظيف تكلفة البرنامج البريطاني بنحو 50 مليار دولار على مدى ثلاثة أشهر. ويعتقد المعهد أن معدلات البطالة تضاعفت من 3.9% إلى 7.5%، وهو أعلى من الأرقام المسجلة خلال أزمة عام 2008. أما إيطاليا المتضررة بشدة من تبعات «كوفيد 19» على الصعيد الصحي أولاً، فقد منعت شركاتها من تسريح العمال لمدة 90 يوماً. لا شك في أن آثار برامج دعم الأجور ستكون أفضل إذا لم يدم الإغلاق المرتبط بالوباء طويلاً. في هذه الحالة ستكون الشركات في وضع جيد يسمح لها بالعودة إلى العمل، مع وجود قوتها العاملة القديمة، وستنخفض معاناة العمال كثيراً من الناحية الاقتصادية. أما إذا استمرت عمليات الإغلاق خلال عام 2021، على سبيل المثال، فستكون تكلفة البرامج باهظة وستنخفض جدواها بشكل ملحوظ. وكلما طالت فترة بقاء الاقتصاد في غيبوبة، زاد احتمال تغيره جذرياً بمجرد إعادة إقلاعه. فإذا لم يتحمس الناس للسفر والسياحة مثلاً، قد يصبح الاستمرار في دعم أجور شركات الطيران أو عمال الفنادق، مستحيلاً، ما لم ترتد قطاعاتهم إلى مستويات أدائها في مرحلة ما قبل الوباء. لكن الحكومات الأوروبية التزمت بهذا النهج في الوقت الحاضر، وهي مصرة عليه. فقد قال وزير العمل الألماني هوبيرتوس هيل، الشهر الماضي: «لدينا واحد من أعلى مستويات الرفاهية في العالم، وقد عززنا احتياطياتنا لمواجهة الأوقات الصعبة». فهل تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه؟ الحقيقة أن كثيراً من الضرر لحق بالولايات المتحدة، والشركات التي سرحت عمالها غير مستعدة لإعادتهم للعمل، بينما يرفض قادة الحزب الجمهوري حزمة المساعدة التي صاغها الديمقراطيون. * واشنطن بوست
مشاركة :