نشرت مجلة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالة بعنوان “لم يسبق رؤية شيء من هذا القبيل” في 8 أبريل الجاري مع دخول الولايات المتحدة أسبوعها الرابع للطوارئ الوطنية بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد، حيث صورت مشهدا يصطف فيه أشخاص في سياراتهم أمام بنوك الطعام منتظرين تسلم أطباق طعام الإغاثة ويمتد الموكب على طول أميال. قد يعطل الفيروس ما يقرب من 16.8 مليون أمريكي عن العمل في الأسابيع الثلاثة الماضية، أي ما يعادل خسارة أكثر من 10% من القوة أو اليد العاملة الأمريكية. وإن “موجة البطالة” هذه تجاوزت فترة الكساد الكبير التي شهدتها الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم السبت الماضي عن حالة “الكارثة الكبرى” في ولاية وايومينج بسبب انتشار وباء فيروس كورونا الجديد فيها، وهذا يعني أنه لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتم الإعلان عن حالة الكارثة الكبرى في جميع الولايات الخمسين والعاصمة واشنطن، وجزر فيرجن الأميركية وجزر ماريانا الشمالية وجزيرة غوام وبورتوريكو. بالنسبة للبعض، كان من الصعب فهم التعاقب السريع للأحداث المتغيرة للحياة. كيف وصلت الأمور إلى هنا؟ في 31 ديسمبر 2019، علمت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها “بمجموعة عددها 27 حالة مصابة بالالتهاب الرئوي من أصل غير معروف” في مدينة ووهان وسط الصين وكان ذلك في نفس اليوم الذي أبلغت فيه الصين عن نفس عدد الحالات مع أعراض شبيهة بالالتهاب الرئوي الفيروسي غبر معروف مسبباته في وسط الصين. بين 31 ديسمبر 2019 و3 يناير 2020، أبلغت الصين 44 حالة إصابة بهذا النوع من الأمراض إلى منظمة الصحة العالمية. يناير في 1 يناير، أنشأت منظمة الصحة العالمية فريق دعم لإدارة الحوادث للاستعداد لتفشي فيروس جديد. بعد ذلك بيومين، أبلغ أحد المسؤولين الصينيين مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، روبرت ردفيلد، عن تفشي أمراض الجهاز التنفسي في ووهان. وقد نقل ردفيلد المعلومات إلى أليكس عازار، وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي، ثم قال أليكس لمجلس الأمن القومي الأمريكي وأول تعليق صدر عن الرئيس ترامب حول المرض كان في أواخر يناير، وبعد يوم واحد من تأكيد الولايات المتحدة لظهور أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا الجديد في سياتل، بدا ترامب متفائلا اذ قال :”نحن مسيطرون تماما على هذا المرض”. خلال إخطار بكين الفيروس واستجابة ترامب على ذلك، أصدرت منظمة الصحة العالمية أول توجيه لتفشي الأمراض وإرشادات فنية حول كيفية اكتشاف الحالات المحتملة واختبارها وإدارتها لجميع البلدان، في حين حددت السلطات الصحية الصينية الفيروس وشاركت التسلسل الجيني للفيروس مع الدول الأخرى في العالم. كما استبعدت السلطات الصحية المحلية في ووهان خلال هذه الفترة، الأنفلونزا وأنفلونزا الطيور وعدوى الفيروس الغدي والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. بالإضافة إلى ذلك، أكدت لجنة الصحة الوطنية الصينية أن فيروس كورونا الجديد يمكنه أن ينتشر من شخص لآخر. خلال هذه العملية الكاملة، لم تتخذ المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أي تدابير للوقاية من هذا الفيروس والسيطرة عليه باستثناء تقديم تحذير لمنع سفر الأمريكيين إلى مدينة ووهان. ويبدو أن حالات الإصابة الجديدة المؤكدة بالفيروس في تايلاند واليابان وكوريا الجنوبية لغاية 20 يناير فشلت في جذب انتباههم. وفي الأيام المقبلة التي تلت ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى فرض قيود على السفر من الصين وإجلاء مواطنيها من ووهان. وفقا لتقرير واشنطن بوست، كتب المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض بيتر نافارو، مذكرة يحذر فيها من 500 ألف أو أكثر من الوفيات الأمريكية في أواخر يناير، بينما كانت وكالات المخابرات الأمريكية تلقي تحذيرا أيضا مفاده بأنه “لقد كنا نحذر بشأن هذا الفيروس منذ يناير”. كانت هناك خلافات داخل البيت الأبيض حول الفيروس في ذلك الوقت، حيث حث بعض مساعدي ترامب على اتخاذ إجراءات لمكافحة فيروس كورونا الجديد بينما وضع آخرون الرئاسيات الأمريكية لعام 2020 فوق كل اعتبار آخر. وبعد يوم واحد من إعلان منظمة الصحة العالمية تفشي فيروس كورونا الجديد بأنه “حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا”، أعلنت الولايات المتحدة عن حالة الطوارئ الصحية العامة بشأن الفيروس، في اليوم الأخير من يناير. فبراير بعد فترة وجيزة من إصدار الولايات المتحدة تحذيرات السفر، منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إذنا طارئا لتقنية الكشف عن الأحماض النووية في المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض منها في مطلع فبراير. وبعد يومين، أعلن المركز أنه وزع مجموعات الاختبار التشخيصي على المختبرات في جميع أنحاء البلاد. مع انتشار الوباء، حتى قال ترامب في اجتماع عقد في ولاية نيو هامبشير إنه بحلول أبريل “عندما يصبح الجو أكثر دفئا، سيختفي المرض بأعجوبة.” لكن قالت منظمة الصحة العالمية في وقت لاحق أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الفيروس يتصرف بشكل مختلف في درجات الحرارة المختلفة. وفي 17 فبراير، أعادت الولايات المتحدة 300 مسافر أمريكي كانوا على متن سفينة “أميرة الماس” وبعضهم مصاب بفيروس كورونا الجديد. من الواضح أن الوباء قد تفشى في أراضي الولايات المتحدة. رغم إصدار نصائح عدم السفر لإيران وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية، أبلغت السلطات الصحية الأمريكية عن أول إصابة بالفيروس في مجمع سكني في 26 فبراير. وكلف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نائبه مايك بنس برئاسة فرقة العمل لمكافحة “كوفيد-19″، لكن استجابة الحكومة الأمريكية كانت متعرجة في أحسن الأحوال. قامت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية بتوزيع مجموعات اختبار جديدة على المختبرات العامة لحل مشكلة أن نتائج الاختبارات القديمة غير مؤكدة. في اليوم الأخير من فبراير، سجلت الولايات المتحدة أول حالة وفاة ناجمة عن فيروس كورونا الجديد. مارس في 6 مارس، صرح ترامب مرة أخرى أن “كل من يريد إجراء اختبار سيحصل على اختبار” أثناء تفقده مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، حتى مع استمرار النقص في مجموعات الاختبار بالمستشفيات في جميع أنحاء البلاد. بعد ذلك بثلاثة أيام قال إن الفيروس سيختفي ويطالب الجمهور بالهدوء. الفيروس لم يكن في كل مكان عندما أعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية في 11 مارس. في نفس اليوم، سئل مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكية، روبرت ريدفيلد في نقاس لجنة الرقابة بالكونغرس عما إذا كان بعض مرضى الأنفلونزا في الولايات المتحدة قد أصيبوا بفيروس كورونا الجديد. وأجاب: “تم تشخيص بعض الحالات المؤكدة بالفعل في الولايات المتحدة اليوم”. مع استمرار تفشي الوباء، بدأت الولايات المتحدة أيضا تطبيق إجراءات رقابية صارمة كما ظهرت مفاهيم مثل “التباعد الاجتماعي” و”العزل الصحي الذاتي” و”تسطيح منحنى الفيروس” في حياة الأمريكيين. ضرب الوباء الاقتصاد الأمريكي بشدة. من 9 إلى 18 مارس، في 8 أيام تداول فقط، انهارت سوق الأسهم الأمريكية أربع مرات. مثل هذه الانهيارات المتواصلة أمر نادر في تاريخ الأسهم الأمريكية. أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن تحفيز سياسي واسع النطاق بعد ذلك، لكنه فشل في تخفيف المخاوف في الأسواق المالية العالمية. في 26 مارس، مع زيادة عدد الحالات المؤكدة الجديدة المصابة بفيروس كورونا الجديد، أصبحت الولايات المتحدة مركزا جديدا “للجائحة العالمية”. أبريل مع استمرار تفشي الوباء في شهر أبريل، تشهد المستشفيات في جميع أنحاء البلاد أزمة حيث تفقد مليارات الدولارات بسبب تجديد مرافقها للرعاية الطارئة في مواجهة زيادة عدد المرضى إضافة إلى تأجيل العمليات الجراحية غير العاجلة وغيرها من العمليات المربحة، بينما يضطر على العاملين الطبيين الآخرين إلى تقليل الزيارات للمرضى الآخرين. خصصت الحكومة الأمريكية 30 مليار دولار للمستشفيات حتى هذا الشهر، وفي الوقت نفسه، تعاني المؤسسات من ضائقة مالية. بينما ترتفع أرقام الوفيات في الولايات المتحدة وأعباء غير مسبوقة على الإدارات الحكومية ناجمة عن البطالة، يتطلع ترامب لفتح اقتصاد البلاد في مايو، حيث اعترضت على ذلك السلطات الصحية المتشككة مثل مفوض إدارة الغذاء والدواء ستيفن هان، الذي قال إنه من السابق لأوانه استخلاص نتيجة واضحة. في حين أن الخبراء المتخصصين لا يزال موجودين في الحكومة الأمريكية، إلا أن السياسة والأخبار المتذبذبة لا تزال تعوق جهود الحكومة لتوجيه استجابة متماسكة لهذا المرض المميت، حيث تجاوز عدد الوفيات في مدينة نيويورك عدد وفيات هجمات سبتمبر 2011. بالنسبة لبعض السكان الذين يعيشون في هذه المدينة المزدهرة سابقا، يبدو المشهد من نافذتهم سرياليا مع سكون غريب لا يتخلله سوى صفارات سيارات الإسعاف.
مشاركة :