القوة العربية المشتركة سلاح لتحقيق السلام

  • 6/19/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يبق بيننا وبين الموعد الذي حدده سامح شكري، وزير خارجية مصر، إلا بضعة أسابيع حتى تخرج القوة العربية المشتركة إلى النور. ومع اقتراب هذا الموعد يتسع النقاش حول هذه القوة. ورغم أن هذا الموضوع حيوي وبالغ الأهمية بحيث يستحق معالجته بالكثير من الدقة والمسؤولية، فإن من يتتبع الجدل المثار حوله يجد أن الحقائق المتعلقة به تكاد تضيع خلف ركام الصراعات الدامية التي تجتاح المنطقة، وفي خضم المصالح المتلاطمة التي اقتح.متها. في هذا السياق نجد أن المعنيين بالموضوع قد انقسموا إلى فريقين رئيسيين: واحد يؤيده، وآخر يعارضه، مع وجود مساحة رمادية يتنقل فيها المعنيون بهذا الأمر بين موقفي المعارضة والتأييد. وتندرج هذه المواقف تحت العنوانين التاليين: * اولاً، الصراع العربي - الإسرائيلي يعبر ناقدون للمشروع عن خشيتهم من أن يؤدي تأسيس القوة العربية إلى انغماسها في صراعات عسكرية بعيدة عن القضية الفلسطينية وعن متطلبات الصراع العربي- الإسرائيلي. ويرى هؤلاء أن الإبهام الذي أحاط بالمشروع عندما أطلقته القيادة المصرية، هو سبب مهم من أسباب المخاوف التي رافقت إطلاقه. فعندما أطلق المشروع لم تكن أهدافه واضحة. ويذهب بعض الناقدين إلى ما هو أبعد بكثير من مجرد التعبير عن المخاوف العادية حيال المشروع. إنهم يصورونه فصلاً من مؤامرة لاستخدام هذه القوات في عمل عسكري ضد حماس في غزة، وبغرض إقصائها عن السلطة. مقابل هذه النظرة، يرى مؤيدون للمشروع أنه استجابة إلى مطلب قديم تضمنته معاهدة الدفاع المشترك والضمان الاجتماعي التي وقعت عليها دول الجامعة العربية. ولم تكن في هذا المطلب الغوامض التي تثير المخاوف، بل كانت ولاتزال واضحة. وبالاستناد إلى تلك الأهداف الصريحة سعت أكثر الجماعات السياسية العربية التي التزمت بقضية تحرير الأراضي العربية المحتلة الى تحقيق هذا المطلب وتفعيل المعاهدة. وفيما يعود هذا المطلب إلى السنوات الأولى من تأسيس النظام الإقليمي العربي، فإنه بات اليوم معلماً عادياً من معالم العلاقات بين الدول في أقاليم كثيرة في العالم، حيث تتشكل قوات مشتركة لكي تعالج معضلات مشتركة بين دول المنطقة. وإذ تجد هذه الدول أنها عاجزة عن إيجاد حل لهذه المعضلات بمفردها، فإنها تبادر إلى التعاون تحت مظلة المنظمة الإقليمية التي تنتمي اليها للوصول إلى الهدف المشترك. يتكرر هذا المشهد بصورة خاصة في القارة الإفريقية حيث تتعاون المنظمات الإقليمية إما وحدها، وإما بالتنسيق مع هيئة الأمم المتحدة من أجل إطفاء الحرائق السياسية التي تهدد الاستقرار والأمن في القارة. ويرى مؤيدو المشروع أن المزاعم حول المؤامرة لا تستحق الرد، وأن العمل ضد حماس لا يحتاج الى تدخل جيوش نظامية ضدها، وإنما إلى أعمال ونشاطات تقوم بها أجهزة أمنية تغني عن تشكيل القوات العربية المشتركة. وفي الحالتين لن تكون النتائج في مصلحة أي واحد من الطرفين: حماس، والطرف العربي الذي يتدخل ضدها، سواء ارتدى بزة عسكرية وطنية أو عربية. * ثانياً، الحرب على الإرهاب: اعتبر ناقدون للمشروع أن القيادة المصرية اخطأت مرتين: الأولى عندما ربطت تأسيس القوات العربية المشتركة بالتدخل في ليبيا، وأن ساحة الصراع الرئيسية ضد الإرهاب هي في المشرق العربي وليست في شمال إفريقيا. ومن دون التقليل من أهمية الساحة الليبية للصراع مع الإرهاب، فقد رغب أولئك الناقدون في اعتماد سلم أولويات يضع الأهم فوق المهم في محاربة الإرهاب. في هذا النطاق فإن إلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية في الساحتين السورية والعراقية يؤدي إلى نهايتها في ليبيا، والعكس ليس صحيحاً. الخطأ الثاني الذي ارتكبته القيادة المصرية، في نظر الناقدين، هو أنها استعجلت الخيار العسكري في حسم الصراع مع الإرهاب في ليبيا، بينما يعتبر الناقدون أنه من المستطاع اللجوء إلى خيارات أخرى تفاوضية قد تؤدي إلى حل سلمي للمسألة الليبية. في حسابات مؤيدي مشروع القوات المشتركة أن من الصعب تجزئة ساحة الصراع ضد الإرهاب بين المشرق والمغرب. فالتحدي في المنطقتين واحد، وتوجيه ضربات حاسمة إلى المنظمات الإرهابية في أية منطقة عربية سوف يساعد على إلحاق الهزيمة بها في مناطق أخرى. إن موازين القوى في المشرق لا تسمح بتسديد الضربات الحاسمة والسريعة إلى المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا واليمن. هذا ما أكده الكثيرون من المعنيين بمحاربة الإرهاب، مثل الرئيس الأمريكي والزعماء العرب والاتراك والإيرانيين. أما في ليبيا فان الأمر مختلف، أي أن موازين القوى تسمح باعتماد سياسة تقوم على محورين: سياسي - سلمي - تفاوضي يضم أهم المكونات الليبية وأكثرها تأثيراً واستعداداً للالتزام بالاتفاقات التي يتم التواصل إليها. ومحور آخر عسكري/أمني يرمي إلى ردع الجماعات التي تريد فرض مواقفها بالقوة على الليبيين. وبإمكان الدول العربية الثلاث: مصر والجزائر وتونس، المحيطة بليبيا، بالتعاون مع الأكثرية الساحقة من الليبيين الذين يريدون إنقاذ بلادهم من الحروب والمجازر وإحياء العملية السياسية فيها من أجل إقامة نظام ديمقراطي عصري، بإمكان هذه الأطراف تطبيق هذه السياسة. لقد أطلق مشروع القوة العربية المشتركة سجالاً يتجاوز مداه تشكيل القوة في حد ذاتها. إنه سجال يتعلق بهوية المنطقة وبحق شعوبها في الحياة الكريمة وفي المساواة مع غيرها من الأمم التي تتمتع بالحرية والرفاه. وهو سجال يتعلق أيضاً بمستقبل النظام الإقليمي العربي ودور مصر في المنطقة وعلاقة العرب مع دول الجوار. إن هذا السجال قد يتحول إلى وسيلة وسلاح للتحارب بين العرب أنفسهم، ولتصفية الحسابات القديمة والتاريخية بينهم وبين الآخرين. وهذا السجال قد يتحول إلى مساحة لبحث الاهتمامات المشتركة وللتفاهم حول تنظيم العلاقات بين العرب والأتراك والإيرانيين ولاحتواء إسرائيل والحد من أضرارها على المنطقة. إن بناء القوة العربية المشتركة بالطريقة المناسبة سوف يسهم في ترجيح النموذج الثاني من السجال على النموذج الأول منه.

مشاركة :