نور المحمود لم يكن على أجندة أحد من سكان الأرض، التفرغ للجلوس في المنزل كل هذه المدة، والامتناع عن الخروج إلا بشروط وللضرورة الملحّة. ولم يخطر في بال أحد أن يجد نفسه محاصراً بين أفكاره وجدران منزله، ليبدأ بالالتفات إلى تفاصيل صغيرة لم ينتبه إليها يوماً؛ تفاصيل في احتياجات بيته، وأهل بيته، ونفسه أيضاً، ولعلها أكثر مرة يسمع فيها الإنسان صوت روحه وأفكاره، ويصغي جيداً من دون الانشغال بكل الأمور الخارجية والأعمال والناس وضجيج الحياة. هذه «العزلة» فرضت علينا «تعليق» كل مشاريعنا ومخططاتنا وحتى أحلامنا حتى إشعار آخر. وأكثر المتأثرين بالتعليق، من كانوا على أبواب الزواج وإتمام فرحهم، ومن كانوا على أبواب الانفصال والطلاق. وكأن الله منح المتخاصمين مهلة جديدة لإعادة التفكير والتمهّل، قبل اتخاذ هذه الخطوة. فهل يرى هؤلاء الجوانب المضيئة من الأزمة وتوابعها؟ «الجلوس في المنزل يزيد الخلافات بين كل الأزواج بلا استثناء»، مقولة يعتمدها بعضهم، ليبرر سرعة غضبه وتذمره من الجلوس مع أفراد أسرته، بعد أن تعود على الخروج كل يوم، والتغيب عن البيت منذ الصباح ولغاية المساء. اليوم وجد نفسه محاصراً بين مسؤولياته الأسرية، وتبدُّل رتابة حياته بالعمل خارجاً، والتقاء وجوه جديدة أو صديقة؛ والقول هذا ينطبق على الرجال والنساء أيضاً. وكأن العزلة تلف طوق الملل حول رقابهم، بينما في الحقيقة، الأطفال هم الأكثر تأثراً وحاجة إلى التنفس وتفريغ طاقاتهم بطرق مختلفة. البقاء في المنزل لا يزيد الخلافات، ولا يشعل نيران الغضب، بل هي النفوس التي لم تدرب نفسها على الصبر والتحمل، فإذا بها تضعف أمام هذا الامتحان الصعب، وتشعر بالاختناق سريعاً، وكأنها محاصرة داخل سجن! لا ينتبه هؤلاء إلى أنهم يعيشون في نعمة، ماداموا محاطين بأحبابهم، ويتواصلون مع عائلاتهم وأصدقائهم ولو افتراضياً، بينما الجائحة تقضي على عائلات وتفرق بين الأحبة، وتحول دون وداعهم لحظة الموت أيضاً، وفِي كثير من الدول. المفروض أن يقرب الوباء المسافات بين الأرواح، فيشعر المرء بأهمية التصالح مع الذات ومع الآخرين، والتسلح بالصبر، ومنح كل من حولهم الكثير من الإحساس بالأمان والتفاؤل. المفروض أن يتصالح الكبار ويمنحوا أنفسهم هدنة، لأن الصغار والشباب يحتاجون اليوم إلى من يطمئنهم ويستوعبهم، ويمدهم بالأمل بمستقبل أفضل. والمفروض أيضاً، أن تكون فرصة للتلاقي معهم فكرياً، والتواصل والتحاور أكثر، واستغلال الوقت لابتكار ما يسلي الجميع ويدخل الفرح إلى البيت، رغماً عن كورونا وتهديداته. noorlmahmoud17@gmail.com
مشاركة :