حذرت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" من أن التدابير الحمائية، التي اتخذتها بعض الحكومات خلال أزمة فيروس كورونا "قد تؤدي إلى نقص الغذاء في جميع أنحاء العالم"، عادة أن أي قيود من جانب الدول الست الرئيسة المصدرة للحبوب، "يمكن أن تعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر". ولفتت الانتباه إلى أن المحاصيل الزراعية للموسم الحالي جيدة، وآفاق المحاصيل الأساسية واعدة، لكن نقص العاملين الميدانيين الناجم عن أزمة الفيروس والتحرك نحو الحمائية - فرض التعريفات الجمركية وحظر التصدير - يعني أن المشكلات يمكن أن تظهر بسرعة في الأسابيع المقبلة. جاء ذلك في تقرير كتبته، باميلا كوك هاملتون، مديرة شعبة التجارة الدولية والسلع الأساسية مع جانفييه نكورونزيزا، من قسم بحوث السلع وتحليلها. وقال التقرير، "إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تقيد الحكومات تدفق الأغذية". "إن جميع التدابير المتخذة ضد التجارة الحرة ستؤدي إلى نتائج عكسية. الآن ليس الوقت المناسب للقيود أو وضع الحواجز التجارية. لقد حان الوقت لحماية تدفق الغذاء في جميع أنحاء العالم". وأضاف أنه يتعين على الحكومات أن تقاوم دعوات بعض الجهات لحماية إمداداتها الغذائية من خلال تقييد الصادرات، مثلما بدأ البعض في القيام بذلك. فقد حظرت كازاخستان، على سبيل المثال، صادرات دقيق القمح، الذي يعد أحد أكبر المصادر في العالم، فضلا عن فرضها القيود على الحنطة السوداء والخضراوات بما في ذلك البصل والجزر والبطاطا. وقد علقت فيتنام، ثالث أكبر مصدر للأرز في العالم، عقود تصدير الأرز مؤقتا. وترى "أونكتاد" أنه مع استمرار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، فإننا مضطرون إلى إعادة تقييم توقعاتنا باستمرار حول التكاليف البشرية والاقتصادية التي سيجلبها، والواقع أن العالم يصل الآن إلى نقطة حرجة يمكن أن يكون فيها للقرارات الانفرادية التي يتخذها مصدرو الأغذية وانخفاض الموارد المالية لبعض الدول، آثار مدمرة على الدول التي تعاني انعدام الأمن الغذائي، مما يضاعف المشكلات الصحية للمواطنين الضعفاء أصلا. وتضيف "أونكتاد": "في وقت سابق من هذا العام عندما كان الفيروس مقتصرا إلى حد ما على الصين وعدد قليل من جيرانها، كان المحللون أكثر تركيزا على الاضطرابات في سلاسل القيمة الصناعية العالمية، والاستثمار الأجنبي المباشر، والتأثير المحتمل لتباطؤ الاقتصاد الصيني في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، نظرا لثقل الصين في الاقتصاد العالمي. نتيجة لذلك، لم يكن هناك تركيز يذكر في بداية الوباء على الأمن الغذائي، بسبب التوقع بأن أسواق الأغذية سيتم توفيرها بشكل جيد". "أما الآن"، فتفيد المنظمة أنه "يخشى أن يكون لوباء كورونا أثر مدمر في الأمن الغذائي إذا اعتمد مصدرو الحبوب الرئيسيون حواجز تجارية أو حظر على الصادرات، مثلما شهدنا خلال الأزمة الغذائية 2007 - 2008، أو إذا فرض الفيروس آثارا جوهرية على القوى العاملة واللوجستيات. إضافة إلى ذلك، فإن الأمن الغذائي، بالنسبة للدول التي تعتمد بشدة على الواردات الغذائية، معرض للخطر بسبب فقدان الإيرادات المالية نتيجة لتباطؤ النشاط الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا. وقد شهدت الدول النامية، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، التي تعتمد على السياحة بالفعل انهيارا حادا في إيراداتها بسبب توقف السفر الدولي، وهذه الخسائر، تزيد من صعوبة دفع ثمن الأغذية المستوردة اللازمة للبقاء على قيد الحياة. وعن مدى احتمال تسبب فيروس كورونا صدمات في أسواق المواد الغذائية؟ تجيب "أونكتاد": مع تفاقم الوباء وفرض الدول في جميع أنحاء العالم مزيدا من الحجر وإغلاق حدودها، تتزايد مخاطر تأثر أسواق الأغذية بالقيود اللوجستية ونقص اليد العاملة، ما يشكل ضغطا على الأسعار. ويمكن أن يكون لزيادة أسعار الأغذية أو حظر الصادرات أو فقدان الإيرادات بسبب الانكماش الاقتصادي عواقب وخيمة على الأمن الغذائي. وبحسب التقرير فإن "واردات الحبوب تنتشر في عدد كبير جدا من الدول في جميع المناطق - فالصين وحدها تستأثر بأكثر من 5 في المائة من مجموع الواردات - في حين أن حفنة فقط من الدول تمثل الجزء الأكبر من صادرات الحبوب .. لقد رأينا بالفعل أنه نتيجة للخوف من الاضطرابات اللوجستية المحتملة في أسواق التوريد إلى الصين، أكبر مستورد لفول الصويا، ارتفعت أسعار العقود الآجلة لفول الصويا 5 في المائة بين 27 و30 آذار (مارس). كما شهد زيت الصويا وزيت جوز الهند وغيرهما من السلع الغذائية زيادات في الأسعار". وتمثل الولايات المتحدة وروسيا وحدهما ربع صادرات الحبوب. وبإضافة صادرات الهند والأرجنتين وأستراليا وأوكرانيا، يمثل ما مجموعه ست دول - حيث يمر فيروس كورونا فيها بمرحلة التوسع - أكثر من نصف إجمالي صادرات الحبوب في العالم. ويرى التقرير أنه يمكن أن تعرض القيود المفروضة على الصادرات من جانب أي دولة من هذه الدول الست الأمن الغذائي العالمي للخطر، ولا سيما في الدول النامية المستوردة الصافية للأغذية، وعند النظر إلى أحدث استخدام من قبل الولايات المتحدة للتدابير التقييدية التجارية ضد شركائها، والضرائب التي فرضتها روسيا على تصدير القمح خلال أزمة الغذاء في الفترة 2007 - 2008 وحظرها التصدير في 2010، فإن هذا لا يبدو كأنه سيناريو غير قابل للتصديق. وباستخدام أحدث البيانات المتعلقة بالاعتماد على الواردات الغذائية، ترى "أونكتاد" أن الدول المنخفضة الدخل تخصص 37 في المائة من إيراداتها المالية من صادرات السلع لواردات الأغذية، أي أكثر من خمسة أضعاف حصة الاقتصادات المتقدمة، وهذا يجعل هذه الدول شديدة التعرض للصدمات الخارجية. وتضيف المنظمة أيضا أن الدول الجزرية الصغيرة النامية معرضة بشدة لصدمات سوق الأغذية الدولية، في حين أن التوزيعات الإقليمية للضعف تبين أن إفريقيا وجزر المحيط الهادئ (أوقيانوسيا) أكثر كشفا لمخاطر شح الأغذية. وبالنظر إلى هذه الهشاشة، تقول "أونكتاد"، يتعين على الدول الرئيسة المصدرة للأغذية أن تحترم التزاماتها بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية بضمان التدفق الحر للمنتجات الغذائية والامتناع عن فرض حظر على الصادرات وغير ذلك من التدابير المشوهة لتجارة الصادرات التي يمكن أن تعوق توافر الواردات الغذائية في الدول الضعيفة المستوردة للأغذية. إضافة إلى ذلك، ينبغي للسلطات الوطنية أن تكفل عدم إعاقة حركة السلع الغذائية عبر الحدود كوسيلة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، وأن تسمح أيضا بقدوم الأغذية إلى المراكز الحضرية من المناطق المنتجة من أجل منع نقص الأغذية واندلاع ظاهرة "ذعر الشراء". ومع تطور الوباء، دعت "أونكتاد" المجتمع الدولي إلى "أن يظل يقظا ومستعدا لاتخاذ إجراءات حاسمة إذا وقعت الدول النامية المعتمدة على واردات الأغذية ضحية للصدمات الساحقة الناجمة عن تعثر سلاسل التوريد لأسواق الأغذية الدولية".
مشاركة :