استمرار تحديات السياسة الخارجية مع تفاقم وباء فيروس كورونا

  • 4/17/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في ضوء انشغال الإدارة الأميركية الحالية بأزمة كورونا المستجد ليس من المؤكد أن تتمكن من معالجة أولويات السياسة الخارجية في شتى أنحاء العالم، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية، وإذا تحقق ذلك فسيساعد في تحديد نقطة التحول نحو وضعها الجديد في عالم ما بعد الفيروس. بينما يسود الجدال أوساط العلماء حول ما إذا كانت أزمة فيروس كورونا المستجد ستمثل نقطة تحول في تاريخ العالم الحديث تستمر أولويات السياسة الخارجية الأميركية في الانتشار في شتى أنحاء المعمورة. وفي الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يتم رسم خطوط جديدة للتحالفات وساحات المعارك وتشتد قوة دول جديدة في آسيا مع ظهور شراكات جديدة في ذلك الجزء من العالم، وتتفاقم الأزمة الاقتصادية في إفريقيا ويتراجع دور الولايات المتحدة القيادي في أوروبا. وفي ضوء انشغال الإدارة الأميركية الحالية بأزمة كورونا المستجد ليس من المؤكد أن تتمكن من معالجة هذه القضايا، ولكن ذلك إذا تحقق فسيساعد على تحديد نقطة التحول نحو وضعها الجديد في عالم ما بعد الفيروس. وبرز هذا الضعف في التأثير العالمي لنفوذ الولايات المتحدة بجلاء تام في علاقاتها مع الصين والتي كانت شهدت تأزماً لافتاً قبل انتشار وباء كورونا، وقد حاول الرئيس الأميركي ترامب جعل بكين كبش فداء واعتبار المعركة ضد الوباء منافسة استراتيجية وربما فرصة محتملة من أجل زيادة فرص اعادة انتخابه، ولم يستمع إلى نصيحة مستشاريه الذين طالبوه بالتريث وتأجيل ذلك التوجه إلى أن تزول محنة انتشار فيروس كورونا. وفي الوقت الذي بدت الولايات المتحدة فيه متعثرة قال روبرت مولي، وهو رئيس مجموعة الأزمات الدولية وهو مركز تفكير معروف إن واشنطن "تكافح من أجل طرح نموذجها لحل تلك الأزمة". تداعيات ارتفاع معدلات البطالة في غضون ذلك ستزداد العلاقات المتأزمة بين البلدين سوءاً بسبب تعرضهما لارتفاع في معدلات البطالة بحسب رأي البروفيسور في العلاقات الدولية في جامعة سيتي في هونغ كونغ دانييل لينش، وأضاف "بمجرد أن يبدأ ترامب مرحلة إعادة الانتخاب سيوجه اللوم ويحمل على كل طرف يستطيع تحميله المسؤولية عما يعانيه العالم اليوم وستكون الصين في مقدمة تلك الأطراف". من جهة أخرى، طغت على صوت الولايات المتحدة الأصوات التي تعتبر مصدراً للحقيقة على الأرض ولا يريد المسؤولون اليابانيون تحميل الإدارة الأميركية نتائج ضعف زعامتها في آسيا، لكن تلك القارة عالجت الى حد كبير تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد من دون التطلع الى الولايات المتحدة، ومن ارتداء الكمامات الى الاختبارات الجماعية لم يكن الغرب جزءاً من العمليات، كما أن حلفاء الولايات المتحدة المقربين– مثل اليابان وكوريا الجنوبية– تمكنوا من إيجاد الحلول للتقدم في معركتهم ضد الوباء الذي اجتاح العالم بأسره. غياب الدور الأميركي ومع غياب الدور الأميركي الواضح سعت اليابان إلى تكريس قيادتها، ووهبت الكمامات والمال والمؤن الطبية الى الصين في ذروة أزمة الوباء في ووهان، وفي الآونة الأخيرة أرسلت أدوية مضادة للإنفلونزا إلى أكثر من عشرين دولة بعد نجاحها في علاج الإصابات في الصين. وفي خضم انشغال العالم بالأحداث الأخرى في العالم أجرت كوريا الشمالية سلسلة من التجارب الصاروخية- كان أكثرها في شهر مارس الماضي- وحتى قبل تفشي الوباء تقدم الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى نقطة أبعد في مطالبته بنزع السلاح الأميركي. وعلى الرغم من أنه يرى درجة من الأهمية لعلاقته مع ترامب فقد استغل فرصة انشغال العالم بتطورات الوباء من أجل متابعة تطوير أنظمة التسلح في بلاده. وتستمر جهود الولايات المتحدة الرامية الى إظهار قدرتها على السيطرة في الداخل والخارج، وعلى سبيل المثال عندما انتهكت طائرتان روسيتان المجال الجوي في آلاسكا في الأسبوع الماضي تعرضتا لمتابعة واعتراض من جانب طائرات إف – 22 المقاتلة الأميركية. الحملات ضد إيران وفنزويلا استمرت حملات "الضغط الأقصى" من جانب الإدارة الأميركية ضد إيران وفنزويلا، وشملت فرض عقوبات جديدة على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وحكومته وتبعها طرح اقتراح لتشكيل حكومة وانتخابات جديدة. وخلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين الأخير ساعدت الولايات المتحدة في تشكيل هيئة تنسيق تضم وزراء الصحة والمالية، في حين كانت الإدارة الأميركية في الماضي تكتفي بالقول "نحن نريد التأكد من عدم إحداث أي دولة للمتاعب، نحن أميركا وسنحقق ذلك". من جهة أخرى شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولاً لافتاً في الآونة الأخيرة تمثل في الاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا على ضرورة تحجيم حملة الحكومة السورية المدعومة من روسيا في مدينة إدلب التي تعتبر معقلاً للمسلحين المناوئين للنظام في دمشق. وقد أشادت إدارة ترامب بقرار الحكومة التركية إرسال الآلاف من جنودها الى منطقة إدلب الواقعة في الشمال السوري، وقالت واشنطن إنها تريد تقديم سبل أخرى للمساعدة لا تشمل نشر قوات برية، ولكن قد تنطوي على مشاركة استخبارية واضحة. الانتهازية الأميركية جهدت الإدارة الأميركية لاستغلال فرصة مساهمة روسيا في الحملة على مدينة إدلب من أجل دق إسفين بين أنقرة وموسكو، ولكن يبدو أن التقارب بين واشنطن وحكومة رجب طيب أردوغان قد بدأ يتعثر، وذلك بعد رفض إدارة ترامب تسليم تركيا مجموعة من بطاريات باتريوت، وفي مطلع شهر مارس الماضي أبرمت تركيا وروسيا اتفاقية لوقف النار في إدلب تضمنت تسيير دوريات مشتركة في تلك المنطقة، واللافت أن الرئيس التركي أردوغان قال إن بلاده ستقوم بتشغيل صواريخ إس– 400 التي اشترتها من روسيا خلال الشهر الحالي وهي خطوة ستفضي إلى فرض عقوبات أميركية على تركيا بكل تأكيد. في غضون ذلك قال مسؤول تركي طلب عدم الكشف عن اسمه، إنه يظن أن انتشار وباء كورونا سيصرف تفكير المسؤولين في واشنطن عن مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط "ولا يوجد نقاش حول هذه الأمور في الوقت الراهن". وفي سورية لم تتحرك الإدارة الأميركية لسحب الجنود المتبقين هناك، والذين يبلغ عددهم حوالي 650 عسكرياً، وهو رقم يقارب ثلث العدد الذي كان موجوداً قبل أن يأمر ترامب بسحب قواته من سورية قبل أكثر من عام، ومنذ ذلك الوقت، أصبح القسم الأكبر من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الأميركيين والقوات الكردية السورية الحليفة تحت سيطرة القوات الحكومية والروسية. من جهة أخرى أسهم انتشار وباء كورونا في تعقيد مهمة الولايات المتحدة في العراق، حيث تتعرض القوات الأميركية للخطر من جانب الميليشيات المؤيدة من إيران، وتسبب الفيروس في تعليق تدريبات القوات المحلية وسحب المئات من القوات الأميركية من القواعد الأصغر ونقلها الى مراكز عسكرية متفرقة. وتعمل إدارة ترامب على زيادة الضغط على الحكومة العراقية من أجل اتخاذ موقف ضد الميليشيات، ويقول مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شنكر "نحن قدمنا الكثيرللعراقيين بما في ذلك المساعدات الاقتصادية والأمنية، ويتعين عليهم إذا كانوا يقدرون قيمة تلك العلاقة أن يقوموا بعدد من الخطوات التي تشمل توفير الحماية لقوات الائتلاف في العراق إذا كانوا يريدون بقاء تلك القوات في بلادهم". حوار استراتيجي مع العراق أعلنت الإدارة الأميركية في الأسبوع الماضي إجراء "حوار استراتيجي" مع العراق في شهر يونيو المقبل، ولكن لا توجد في بغداد حكومة دائمة الآن بوسعها المشاركة في مثل ذلك الحوار، ولم يتم تعيين رئيس وزراء في العراق منذ أواخر شهر نوفمبر عندما قرر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي التنحي في أعقاب مظاهرات احتجاج واسعة ضده. وفي إسرائيل أرغم تفشي الفيروس الجانبين في المأزق السياسي الممتد منذ أكثر من سنة على توحيد الصفوف في محاولة لتشكيل حكومة وحدة وطنية طارئة، ولكن بعد أسبوعين على موافقة رئيس الأركان السابق بيني غانتس على العمل مع منافسه بنيامين نتنياهو فشل الطرفان في التوصل الى اتفاق حول قضية ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وكانت الإدارة الأميركية طالبت بتأجيل خطط الضم التي وردت في خطة سلام ترامب إلى ما بعد هدوء الأزمة السياسية في إسرائيل، ولكن لا توجد مؤشرات على قيام الإدارة الأميركية بأي دور مهم في المحادثات الجارية بين نتنياهو وغانتس. في غضون ذلك غابت الولايات المتحدة بصورة واضحة عن قضايا النزاع في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وقالت الادارة الأميركية مراراً إن المساعدات الإنسانية الرامية إلى محاربة وباء كورونا في إيران معفاة من العقوبات الأميركية، وأنحت باللائمة على حكومة طهران لعدم مساعدتها للإيرانيين في هذا الصدد، ولكن دولاً أخرى حثت واشنطن على مزيد من التحرك من أجل مساعدة الشعب الإيراني. وفي اليمن توقفت الولايات المتحدة عن تقديم المساعدات الطبية بحجة احتمال تدخل جماعة الحوثي في إيصالها، ولكن هذه الخطوة قوبلت بانتقادات واسعة.

مشاركة :