د. عصام حجازى يكتب: كورونا بين أسئلة العلم وإجابات الدين

  • 4/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي ألبير كامو ، تعد التيمة الكبرى للأحداث هي جدلية العلاقة بين الأقدار والإنسان وتستعرض الرواية ردود فعل أنماط كثيرة من البشر في استقبالها لوباء الطاعون ، فمن يرى أنها غضب من الآلهة لطغيان الأنسان ومن يرى أنها فرصة للخلاص الفردي وهناك بطل الرواية الطبيب الذي يمثل العلم في مواجهة "الوباء" والذي يجعله يقدم نموذجا في الثبات والتضحية  من أجل الضمير الإنساني . ومنذ تفشي وباء "كورونا" في الصين وبدء إنتقاله إلي دول العالم ، برزت  الكثير من النظريات أو الاستجابات التي تحاول تقديم تفسير يوضح رؤيتها للأمور فهناك من رأى في فيروس كورونا عقاب من الله للصين (منشأ الوباء) لما فعلته بالمسلمين ثم مع أنتقال هذا الوباء إلى الدول الأخري ، تطورت تلك المقولة لكي تصبح عقابًا من الله لكل أهل الأرض ثمنًا للفساد والبغي والطغيان الذي أقترفه الإنسان وهناك  نظرية المؤامرة التِي ترى الوباء نتاج لحرب بيولوجية إستعمارية هدفها السيطرة والإخضاع بين الدول الكِبرى ثم هناك النظرية الرأسمالية التي ترى أن الهدف هو جيب المواطنين المستهلكين والذين لابد من إفزاعهم وإرعابهم حتي نحصل علي أخر "جنية" في جيوبهم فالشعوب لا تساق إلا بالتوحش ولا تخضع إلا بالمدفع وإذا كان من العسير إستخدام المدافع فلنبث في قلوبهم الرعب ولنجعلهم يبذلون كل غال في مقابل ترياق لهذا الوباء وعلي الرغم من تداول كل تلك النظريات على نطاق واسع، أرى ان أزمة الوباء لا ينبغي حصرها في فلسفة نشأتها بل في كيفية وجدوى التفاعل معها والأشتباك مع الأفكار والدروس التي لقنتها للبشرية ، فكما رأينا كانت التفسيرات الدينية والسياسية أقرب إلي الشعبوية منها إلى فلسفة  العلم وأدواته وهنا تبرز هشاشة الأنسان الذي سرعان ما يعود إلي طفولته الحضارية وفجر التاريخ فيستعيد تفسيرات أباؤه وأجداده بأن غضب الطبيعة هو وسيلة الآلهة فِي التعبير عن سخطها من الأنسان وأن عليه أن يقدم القرابين إليها حتى يستعيد رضاها.  أرى أن أزمة كورونا قد جاءت لتحمل بعض الرسائل إلي الأنسان وتدعوه إلي مراجعة نتائج النظام الحضاري والعالمي الذي حكم العالم من نهاية الحرب العالمية الثانية إلي سقوط الأتحاد السوفيتي ثم ظهور النظام العالمي الجديد المدعوم برؤية العولمة والنيوليبرالية لعالم يرتكز علي السيولة والأستهلاك والفردية المطلقة. إن أزمة كورونا قد أدت إلى إعادة النظر في بعض مسلمات النظام العالمي الجديد وهي : 1-​ضرورة وجود الدولة القوميةعلى الرغم من أن عصر العولمة يعد هو عصر التكتلات وتهميش دور الدولة القومية حيث تنهار الحدود وتذوب الحواجز لصالح الشركات المتعددة الجنسيات والاتفاقيات التجارية وكذلك حرية الحركة بين دول القارة الواحدة كما حدث مع حالة الاتحاد الأوروبي حيث تصب كل القوميات المختلفة   في صالح تكتل أكبر هو الأتحاد الأوروبي حيث يحكم كل دول الاتحاد قانون واحد وسياسة واحدة ومصالح واحدة  ، أدي فيروس كورونا إلي إعادة النظر في تلك الصورة التي كانت تبدو مثالية حيث أغلقت ألمانيا والنمسا وبولندا وجمهورية التشيك  الحدود   كما رفضت  العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد تقديم مساعدات طبية لإيطاليا حيث كان لسان حال الدول الأعضاء " أنا أولا" nations first وبحسب ما عبرت عنه صحيفة دير شبيجل الألمانية ، الرسالة واضحة ، كلما أزدادت الأمور تأزمًا ، كلما أزداد بحث الدول عن حلول منفردة"  2-​الصورة الإيجابية للاستبدادعلي الرغم من الأراء المتوارثة عن بشاعة الأستبداد وظلماته ، إلا أن نموذج الصين في التعامل مع الأزمة بقبضة أمنية وتكنولوجية  حديدية جعل من صورة  النظام الاستبدادي مثلا يحتذى به ويتعاطف معه الكثير فقد نجحت بعض  الدول المعروفة بالنظام القمعي في فرض النظام وتخفيف أثر انتشار عدوى فيروس كورونا ويعد نموذجي الصين وروسيا من النماذج التي ينظر لها الكثير بإعجاب اليوم لقدرتهما علي حماية شعوبهما من عدوى انتقال الفيروس ، ففي حمى الوباء لم يعد يفكر أحدا من الناس في هل تعديل  الرئيس بوتين للدستور الروسي بشكل يسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2035  يعد قرارًا ديمقراطيا أم لا بل كل ما يفكر فيه المواطن الروسي هو قدرة الرئيس بوتين على حمايته من وباء كورونا للدرجة التي جعلت كتابًا في نيويورك تايمز تنادي الاقتداء بالنموذج الصيني في فرض النظام وإكراه المواطنين على العزل الذاتي فعندما يرتبط الأمر بالنظام العام وبصالح الأمة فلا توجد حريات ولا حقوق إنسان. 3-​الخلاص الجماعي في مقابل الخلاص الفردي  جاء فيروس كورونا ليعلم الجميع درسا لن تنساه البشرية وهوضرورة التكاتف من أجل النجاة فمع تصاعد الرأسمالية وترسيخها لمبادئ الفردية وأن النجاح والفشل هما نتاج وخيار الفرد وأن الفرد هي المسئول عن نجاح أو تدمير نفسه ، جاء فيروس كورونا ليلقن الجميع درسًا طالما غفلنا عنه هو أن النجاة من الفيروس تتطلب تكاتف الجميع لا أنانية الفرد فالفرد الحامل للفيروس بإمكانه نشر العدوي بين العشرات أو المئات فقط بمجرد جلوسه بينهم في حافلة أو عربة قطار فالرسالة واضحة ن العالم أصبح أكثر توحشًا وأكثر أنانية وكورونا جاء ليعلم الناس العدالة وأن مصلحة الفرد تكمن في رعاية مصلحة الجماعة وأن لم ترع المقيم (في بلدان الخليج) سيضر المواطن وإن لم تساعد الفقير سيهلك الغني والعلم عاجز والدين غائب ، الطبيعة تنتقم وتعيد الحق لأصحابه وكأنها تقول أما أن ننجو كأخوة أو نهلك كأغبياء .

مشاركة :