علّمنا التاريخ الحديث أن أول التنظيمات السياسية، التي تهب دفاعاً عن الوطن والأرض هي التنظيمات اليسارية، والشواهد التاريخية كثيرة، حيث مقاومة الاحتلال والدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي، هي من ضمن الأسس النظرية الفكرية والإيديولوجية في أدبيات هذه التنظيمات، فـ«الوطن أولاً». فالمقاومة الشعبية المسلحة ضد الاحتلال النازي والفاشي، شكلتها وقادتها الأحزاب الشيوعية واليسارية في أوربا، وقد دعت قيادة تلك الأحزاب إلى تشكيل فصائل مقاومة تسمى «البارتيزان» للدفاع عن الوطن ضد العدوان الفاشي واليمين المتطرف أو الرجعي، فتشكلت فرق البارتيزان في فرنسا واليونان وايطاليا واسبانيا وغيرها من الدول الأوربية. كما استطاعت المقاومة الشعبية في فيتنام، والتي قادها الحزب الشيوعي الفيتنامي، أن تلحق الهزيمة بالولايات المتحدة، وهي أكبر دولة رأسمالية تمتلك أسلحة فتاكة، وبعضها محرم دولياً، ولكنها اندحرت أمام المقاومة الشعبية ذات التسليح البسيط. ويجب كذلك أن نستذكر فرق المقاومة الفدائية، التي شكلها الشيوعيون المصريون، لمقاومة العدوان الثلاثي على بورسعيد، وقدموا بطولات سجلها التاريخ لليسار المصري، دون أن نغفل عن المقاومة الفلسطينية الباسلة، وكذلك استعاد الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني، تراث المقاومة المسلحة وحرب الأنصار ضد الطاغية صدام حسين، فقبل سنة شكل الحزب الشيوعي العراقي مفارز مقاومة مسلحة ضد داعش واحتلالها للموصل، كما أحيا الكردستاني تراث البيشمركة وفرق المقاومة، التي أوجعت عصابات الدولة الإسلامية، وقدم العراقي والكردستاني العديد من البطولات والشهيدات والشهداء دفاعاً عن الوطن. ويقول د. فلاح مديرس في كتابه «الاتجاهات الماركسية في الكويت»، إن التنظيم السياسي الوحيد في الكويت الذي أصدر بيانات ضد الغزو والاحتلال العراقي، هو حزب اتحاد الشعب في الكويت، وهو الحزب اليساري المعروف حيث حمل بعض أعضائه وكوادره السلاح، وشكلوا فرق المقاومة المسلحة والمدنية ضد الاحتلال. وكما هو معروف أن الحزب الشيوعي اللبناني، هو من بادر لتأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية «جمّول»، أثناء الاجتياح الإسرائيلي والحرب الأهلية اللبنانية، ومنذ عدة أشهر باشر الشيوعيون اللبنانيون في إعداد معسكرات تدريب، وتشكيل فرق مقاومة مسلحة لحماية القرى الحدودية من الخطر التكفيري القادم، مما دعا عشرات الشبان والشابات من مختلف المناطق، للانضمام لتشكيلات الحزب العسكرية دفاعاً عن الأرض والوطن، فأعاد الحزب بذلك تراث المقاومة الوطنية اللبنانية، وأعاد الاعتبار لدور اليسار الوطني العابر للطوائف في لبنان، لحمل مشعل القضية الوطنية دون أن تكون بديلاً عن الجيش الوطني، بل تعمل كظهير له والتدخل إذا لزم الأمر. وهذا رفع من الروح المعنوية للشيوعيين واليساريين الشباب، وأعاد ثقة الجماهير بأحزاب اليسار، وخاصة عندما أصبح تهديد الجماعات الإرهابية جدياً على لبنان، فانتشرت التشكيلات العسكرية على طول الخط الحدودي وصولاً إلى منطقة حاصبيا، وكذلك في البقاع وجرود عرسال، ومعظم هؤلاء الشباب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، يدربهم ويقودهم المقاتلون القدماء في الجبهة، الذين تمرسوا في حروب المقاومة وقدموا العديد من البطولات الموثقة والشهداء والشهيدات، ويتدرب وينخرط الشباب في هذه الفرق بحماسة شديدة، مستذكرين نضال آبائهم وشهدائهم الذين دحروا الاحتلال، وأعطوا دروساً في الوطنية لا علاقة لها بالطائفية والدينية، ويعتقد بعض المراقبين أن هذه القضية المقدسة والمشتركة، قد تقرب وجهات النظر التي كانت متباينة منذ سنوات داخل الحزب. وهكذا يثبت التاريخ في كل مرة، أن الشعوب وقواها الحية هي الأقدر على مواجهة أي عدوان خارجي على أوطانها، وهي الأكثر إخلاصاً وتفانياً للوطن، والأكثر مبدئية واستعداداً للتضحية بالنفس دفاعاً عن التراب الوطني. وليد الرجيب osbohatw@gmail.com
مشاركة :