التنمر من المصطلحات المتداولة اليوم والتي تعبر عن شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف، وتؤكد العديد من المدارس أن لديها صوراً مختلفة من التنمر، والتي تؤثر بشكل واضح في المستوى الأكاديمي للطالب الذي يتعرض للتنمر، حيث يعرف التنمر المدرسي بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات أو بالاحتكاك الجسدي أو باستخدام إشارات وتعابير الوجه غير اللائقة. ويرى مجلس أبوظبي للتعليم أن التنمر حقيقة موجودة وواقع، وهناك مدارس تتعامل بشكل خاطئ مع التنمر على أنه من المسلمات التي لا يمكن تجنبها، ودون العمل على القيام بالإجراءات التي تمنع حدوثه ولا تتعامل بجدية وحزم معه، وفي ضوء ذلك يبذل المجلس جهوداً كبيرة لتعزيز حماية الطلبة في المدارس من التنمر ومختلف أنواع الاعتداء والإساءة، وذلك من خلال تعاون وثيق مع مركز حماية الطفل التابع لوزارة الداخلية. علاقة واضحة في هذا الصدد أكد الدكتور عامر الكندي مدير إدارة الصحة المدرسية بمجلس أبوظبي للتعليم، أن هناك علاقة واضحة بين التنمر والتحصيل الأكاديمي للطالب، وهذا ما أثبتته دراسات عالمية، أن الطلبة الذين يتعرضون للعنف وأي نوع من الاعتداء والإساءة يكونون أكثر قابلية للاضطراب النفسي والمشاكل الصحية والجسدية ومعرضين بالتالي أكثر للمشاكل الأكاديمية وضعف الأداء، حتى علاقاتهم الاجتماعية قد تكون مضطربة سواء داخل أو خارج الأسرة. مركز حماية الطفل وأضاف الكندي أن مجلس أبوظبي للتعليم يولي اهتماماً كبيراً بموضوع حماية الطلبة من أي نوع من الاعتداء و توفير البيئة المدرسية المناسبة التي تدعم توفير كافة عوامل الحماية لهم، مشيراً إلى أنهم في مجال حماية الطفل لديهم تعاون كبير مع مركز حماية الطفل التابع لوزارة الداخلية، وأن هذا التعاون سيسهم بشكل كبير في تسهيل وتسريع متابعة أي حالات اعتداء أو إساءة وحلها بطرق علمية وصحية سليمة ومتوافقة مع القانون، كما سيعزز من مهارات العاملين في الميدان التربوي في مجال كشف حالات الاعتداء أياً كانت، والتعامل الفعال معها بما يعزز الصحة النفسية والجسدية لدى أبنائنا الطلبة، وسيسهم أيضاً في توفير قاعدة بيانات حول واقع الاعتداءات التي يمكن أن يتعرض لها الطلبة في مدارسنا مما يساعد على دراسة الموضوع وفهمه بشكل أعمق. لا مبرر للعنف وأشار إلى أنهم خطوا خطوات جيدة في إطار هذا التعاون خلال العام الدراسي الحالي، حيث انتهى المجلس بالتعاون مع مركز حماية الطفل من تدريب كافة الأخصائيين الاجتماعيين في مدارس الإمارة الحكومية والخاصة على موضوع حماية الطفل، وإعدادهم لكيفية التعامل مع أي حالة إن اشتبهوا فيها من حالات الإساءة للأطفال، وسبل الإبلاغ عنها وحمايتها، وأن هذه الرعاية تشمل كافة الطلبة حتى سن 18 عاماً، حيث إن تعريف الطفل هنا هو التعريف القانوني (ويشمل المراهقين حتى سن 18 عاماً)، مؤكدا أن كافة أنواع العنف مرفوضة وحتى الإلكترونية منها، وليس لها مبرر، سواء موجهة للطفل من أقرانه أو حتى من معلم أو أسرة. سياسات موحدة وذكر أن المدارس تتعامل مع حالات العنف والاعتداء أو المشكلات الطلابية عامة في الوقت الحالي من خلال وجود لائحة للسلوك الإيجابي التي يتم من خلالها متابعة سلوك الطالب واتخاذ الإجراءات الضابطة تجاه السلوك السلبي، مع التركيز الأكبر على تقويم السلوك، وليس فرض العقوبة، مشيراً إلى أنهم في إطار تعزيزهم لواقع حماية الطلبة بالمدارس يعملون حالياً على إعداد سياسات موحدة لحماية الطفل تشمل المدارس الخاصة والحكومية، وسيتم تعميمها من العام الدراسي المقبل (2015/2016). الاعتداء النفسي وأكد أن للتنمر أسباباً كثيرة، ويحدث بين الطلبة الذكور والإناث على حد سواء، وأبرز أسبابه، التربية في المنزل من قبل الأسرة، بمعنى أن الطفل إذا عومل في الأسرة بأسلوب عنيف قد ينعكس هذا على سلوكه خارجاً. الأسرة والمعلم من جانبه، ذكر ماجد التميمي أخصائي اجتماعي بمدرسة الصقور، أنه خضع لدورة تدريبية مكثفة ومتخصصة نظمها مجلس أبوظبي للتعليم ومركز حماية الطفل، تتعلق بتدريبهم على موضوع حماية الطفل من الاعتداءات الجسدية والجنسية، وأنواع كل منها وطرق كشفها، والمؤشرات التي يمكن أن يستدل منها الأخصائي بأن هذا الطالب يتعرض لمشكلة من هذا النوع، وأن الدورة ركزت على الاعتداءات التي تحدث من جانب ولي الأمر أو المعلم، بمعنى من يمكن أن يمارسوا نوعاً من التنمر على الطفل لطبيعة سلطتهم عليه، أو حتى الغرباء عن الطفل ممن هم في محيطه كسائق أو خادمة أو ما شابه. المعايرة والعقوبة نصر الدين عبدالرحيم الأخصائي الاجتماعي، ذكر أن التنمر ظاهرة أصبح الجميع يشتكي منها، وهو سلوك عدواني سواء كان جسدياً أو لفظياً يتعرض له البعض من الكبير للصغير أو القوي للضعيف أو مجموعة لشخص، وأيضاً من الأسرة للابن أو من المعلم للطالب، والتنمر من وجهة نظره له أشكال متعددة كما لاحظها ميدانياً من خلال خبراته المهنية، فهناك التنمر الإلكتروني وهو يتم من خلال التهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الطلاب لبعضهم البعض من خلال الكلمات والصور غير الأخلاقية، وهناك التنمر اللفظي، وهناك التنمر من خلال الأسرة، وأيضاً تنمر يحدث من بعض المعلمين من خلال الاستهزاء ببعض الطلاب. كوابيس وغياب وأضاف نصر الدين أنه بسبب التنمر فإن بعض الطلاب يتعرضون لضغوط نفسية داخلية بسبب عدم قدرتهم على مواجهة ما يتعرضون له من تنمر من الآخرين، وأيضاً يواجهون مشاكل أثناء النوم ليلاً لخوفهم من التعرض للتنمر من زملائهم الآخرين بالمدرسة أو الشارع. وذكر محمد نصر مدرس التربية الخاصة في مدرسة الرواد بأبوظبي، أن التنمر يمثل سلوكيات غير سوية يمتلكها أشخاص من بيئات تعاني من مشاكل اجتماعية وثقافية تظهر في صورة أفعال سلبية تجاه ضحية ضعيفة. مهارات اجتماعية أما عبد الباسط صلاح الدين اختصاصي اجتماعي، فذكر أنهم يواجهون حالات من التنمر في المدارس، ولكل حالة أسباب مختلفة، موضحاً أنه يجب على الأسرة تربية أبنائها على الالتزام والانضباط. ورأى صلاح الدين أن جهود المدرسة وحدها لا تكفي، فدور الأسرة مهم. وطالب بضرورة وجود مركز متخصص تابع لمجلس أبوظبي للتعليم، يتابع حالات الطلبة في المدارس والمشاكل التي تتطلب دراسة حالة وخططاً علاجية وجلسات مع ولي الأمر. العنف الأسري وثورة المعلومات دافعان لبروز الظاهرة قال أكاديميون إن التنمر ظاهرة موجودة في مجتمعات دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، وهي وليدة مجموعة من العوامل، وهناك أكثر من طرف شركاء في ظهورها وشركاء كذلك في إيجاد الحلول اللازمة لعلاجها، فالعنف الأسري يقود للتنمر، والأسرة عليها مسؤولية في التصدي للتنمر، كما أن عصر تكنولوجيا المعلومات والفضاء من الأطراف التي أدت لظهور التنمر والتي يجب أيضاً الاعتماد عليها في التصدي له. وأكدوا أن التصدي للتنمر يحتاج إلى إجراءات حازمة، فيجب إطلاق مبادرات فاعلة للتصدي للعنف في المدارس، ووضع التشريعات والقوانين الفاعلة التي تحد من استقواء الطلبة في المدارس، بالإضافة إلى تعزيز الروابط بين المدارس والبيت. مراحل التطور وأوضح الدكتور محمد سعيد حسب النبي عميد كلية الآداب والعلوم في جامعة الحصن أن التنمر ظاهرة قديمة وموجودة في المجتمعات النامية والمتقدمة على حد سواء، وكما تشير بعض الدراسات فإن التنمر من سن السنتين يبلغ ذروته في الصفوف من الرابع والخامس والسادس وصولاً إلى الصف العاشر، إلا أنه يبدأ في الانخفاض في المرحلة الثانوية، ويندر بصورة كبيرة في المرحلة الجامعية. وعن انتقال الظاهرة إلى المجتمعات العربية، أكد أن التنمر لم يكن شائعاً في البيئة العربية بناء على التنشئة العربية القائمة على احترام الكبير والعطف على الصغير، وغيرهما من القيم الاجتماعية الراقية، مشيراً إلى أن عصر العولمة الذي نعيش فيه، والانفجار المعرفي وخصوصاً ثورة الاتصالات والمعلومات أثرت جميعها في انتشار سلوك التنمر. وأضاف: أدت ثورة الاتصالات والمعلومات إلى انتشار سلوك التنمر وتوافده من مجتمعات أخرى، فبعض الدراسات على سبيل المثال أشارت إلى أن سلوك التنمر المنتشر في البيئة الأميركية والذي يصل في بعض الأحيان إلى 30 % ما بين متنمر وضحية متفرج بالمدارس انعكس على مجتمعاتنا العربية. الوقاية خير وعن الكيفية التي يمكن من خلالها علاج التنمر، قال الدكتور محمد سعيد حسب النبي إن الوقاية خير من العلاج، فمن المهم في علاج سلوك التنمر الوقوف على أسبابه واتخاذ التدابير اللازمة لمنعها بطبيعة الحال، لافتاً إلى أن بعض الأسر تلجأ إلى علاج التنمر بصورة خاطئة وهي تعليم أبنائها الدفاع عن النفس، وهو سلوك عدواني وطريقة خاطئة في التعامل مع هذا الأمر. وأضاف: يجب العمل على صياغة القوانين التي تحد من استقواء الطلبة في المدارس وتعليم الآباء والأبناء والمعلمين المهارات اللازمة للتعامل مع مشكلة التنمر من خلال الإشراف على الطلبة في الفصول والاستراحات وساحات المدارس، وزيادة التواصل بين الأسرة والمدرسة لتفهم سلوك الاستقواء أو التنمر إذا كانت له أسباب أسرية، وكذلك تنظيم ورش العمل للوقاية من خطر التنمر والتعامل معه، وتجنب العنف الأسري الذي يسهم في تعريض المعنّف إلى أن يكون ضحية الاستقواء في المدارس. وتابع: هناك العديد من المبادرات التي خرجت من دول عديدة بالعالم تحت عنوان مدارس بلا عنف، كما يجب أيضاً تشجيع مراكز البحوث والدراسات التربوية والاجتماعية على القيام بالدراسات الميدانية حول ظاهرة التنمر وأسباب ظهورها والطرق اللازمة للتصدي لها. استقواء الأب وأشار الدكتور سعيد محمد إلى أن العنف الأسري يعد من أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى وجود ظاهرة التنمر في المدارس، ومن أهم حالات العنف الأسري التي تؤدي إلى التنمر، استقواء الأب على الأم في المنزل، الأمر الذي يترك أثراً لدى الابن ويؤدي إلى تحوله إلى متنمر صغير في مدرسته. ولفت إلى أن هناك بعض الخطوط العريضة التي يجب الالتزام بها للتصدي للتنمر، وهي على سبيل المثال الاكتشاف المبكر للسلوك، خاصة إذا كان بين جنس وجنس، مثل حالات التنمر بين الأطفال الذكور والإناث، ويجب عدم التفريق في المعاملة بين الأبناء والبنات، بالإضافة إلى تجنب مشاهدة أفلام العنف، وكذلك ألعاب الفيديو التي تعرض للقتل والعنف والاستقواء والسيطرة. وذكر أن التنمر ظاهرة تحتاج إلى الدراسة من المراكز التربوية المتخصصة لإدراك الأسباب التي أدت إلى وجودها في المجتمع على الصعيد المحلي، ومن ثم وضع الحلول اللازمة لعلاجها والتصدي لها، والتي يجب أن يتشارك في صياغتها الجميع، سواء المؤسسات التربوية أو مراكز الأبحاث أو الآباء والأمهات، أضف إلى ذلك ضرورة فرض عقوبات رادعة على مثل هذه السلوكيات التي يجب أن تواجه بحزم لأنها السبيل لوأدها قبل تفشيها. دليل مدير المدرسة يتحمل مسؤولية الطلبة تعد سياسة حماية الطلبة واحدة من السياسات التي تضمنها دليل سياسات المدارس الخاصة وإرشاداتها الذي أصدره قطاع المدارس الخاصة وضمان الجودة بمجلس أبوظبي للتعليم للعام الحالي (2014/2015)، وعرف خلالها حماية الطلبة بأنها كافة الخطوات والتدابير التي يجب اتخاذها لتفادي تعرض الطلبة في المدرسة أو خارجها خلال الأنشطة المدرسية وخلال نقلهم لأي خطر أو ضرر، سواء الاستغلال أو العنف أو الإيذاء الجسدي أو الاعتداء الجنسي، أو أية إهانة لفظية أو أي تهديد، لأنه من حق الطالب أن يكون في بيئة مدرسية آمنة وخالية من أي شكل من أشكال إساءة المعاملة. وأكدت السياسة أن حماية الطلبة مسؤولية تقع على عاتق جميع المدارس الخاصة بشكل كامل، ويجب على مدير المدرسة أن يقوم مقام ولي الأمر وأن يتحمل مسؤولية الطلبة خلال وجودهم في المدرسة، بما في ذلك تنقلهم من وإلى المدرسة باستخدام وسائل النقل المدرسي. اختبارات مستوى الطالب المتعرض للتنمر منخفض ذكرت عائشة الزعابي رئيس قسم الاختبارات الدولية في مجلس أبوظبي للتعليم، أن الاختبارات الدولية التي يشارك بها المجلس مثل بيزا وتيمس و بيرلز، لا تسهم فقط في قياس التحصيل الأكاديمي لطلابنا مقارنة بدول العالم الأخرى، بل تتميز بأنها تمثل دراسات موسعة، لأنه بالتزامن مع الاختبارات الأكاديمية يتم تنفيذ استبيانات تستهدف أولياء الأمور والطلبة والمعلمين ومديري المدارس من خلال أسئلة مخصصة لكل منهم تعطي العديد من المؤشرات التي تخدم تحسين التعليم، حيث كشفت اختبارات سابقة أن الطلبة الذين يتعرضون للتنمر تكون مستوياتهم منخفضة مقارنة بمن لا يتعرضون للتنمر، وهذا مؤشر مهم، كذلك فإن المدارس التي لديها أنشطة إثرائية إضافية لاصفية وكذلك الطلبة الذين يمارسون أنشطة خارج المدرسة، أفضل في أدائهم الأكاديمي. وأكدت الدراسات أيضاً؛ أن أولياء الأمور المهتمين بالقراءة والمطالعة تحصيل أبنائهم جاء مرتفعاً في تلك الاختبارات.
مشاركة :