بمناسبة ما أثير حول أحد المقالات الذى تناول الوضع في سيناء، بالمطالبة باختيار "حاكم" خاص لها وانفصال "إقليم سيناء " عن التبعية الحكومية والدعوة لتحويلها إلى منطقة حرة عالمية، غير خاضعة للقوانين المصرية, فإن القضاء المصرى يفاجئنا بقدرته على استباق الأحداث وسد الثغرات يحظر فيه على وسائل الإعلام والصحافة، تعريض الأمن القومى للخطر، وهناك قضاة من طراز فريد يظهر معدنهم الأصيل فى وقت المحن سطروا أحكامًا لأوطانهم وضعت الأطر التى سارت عليها مواثيق الإعلام في أخطر مرحلة مرت على مصر خلال عام كئيب لحكم جماعة الإخوان الإرهابية.وتحتفظ الذاكرة الوطنية المصرية بحكم قضائى سابق بتاريخ 25 يونيه 2013 أصدره القاضى المصرى الوطنى الشريف المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ضد نظام حكم الإخوان الذين كان منهجهم التفريط في سيناء الغالية وصدر الحكم قبل قيام ثورة 30 يونيه بأسبوع بإلزام وسائل الإعلام والصحافة بمراعاة أبعاد الأمن القومى المصرى وطالب القاضى بنظرة سباقة بوضع ميثاق لشرف مهنة الإعلام , وهو الذى تم وضعه بالفعل في ديسمبر 2017 بعد أربع سنوات ونصف من تاريخ هذا الحكم .وقال القاضى المصرى في حكمه الوطنى، إن مبدأ حرية واستقلال الإعلام شُرع في الأصل لتؤدي وسائل الإعلام كافة رسالتها في خدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه وتوجيهه , ولكن تلك الحرية ليست طليقة من كل قيد بل مقيدة بعدة ضوابط وشروط جوهرية على القمة منها مراعاة مقتضيات أبعاد الأمن القومى , وثانيها أن تكون المادة الإعلامية في إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع , وثالثها الحفاظ علي الحقوق والحريات والواجبات العامة ورابعها احترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وخامسها مراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة .وأضاف القاضى، في حكمه على إنه إذا كانت حرية الإعلام واستقلاله ترتبط بحرية الرأي ووجه من وجوهها ولازمة من لوازمها ، إلا أنه يتعين نظير تلك الحرية أن تعتمد علي ما تقدمه للناس من آراء وأنباء وتدفق موثق للمعلومات ، وأن تقوم بوظيفتها الأساسية في الوفاء بحق الشعب في المعرفة , فضلا ًعما يجب أن تقوم به من دور خطير في مجال التثقيف والتنوير والتوجيه ، ليبسط الحقيقة أمام الشعب وتبصيره بما يجري حوله ، مما يلقي علي عاتق جميع وسائل الإعلام المسئولية لإشاعة المعرفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث يكون المواطن علي بصيرة ويحدد موقفه مما يجري حوله باعتبار أن الديمقراطية هي المعرفة قبل أي شئ أخر , ويجب ألا تتخطى اُطر وأبعاد مصالح الدولة العليا .وأشار القاضى في حكمه عام 2013 أنه يتعين على وسائل الإعلام حماية مصالح الجمهور ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الاعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة ، مما بات من الضروري وضع ميثاق الشرف لمهنة الإعلام باعتبارهم شركاء في مسئولية الكلمة بما يتمشى مع الضمير الانساني وحفظ الأوطان وعلي قمتها تقديم المعلومات الصحيحة وعرض وجهات النظر عرضا متوازنا أمينًا في كافة الموضوعات التي تهم الشعب دون تحيز أو تحزب أو إثارة ، واحترام القيم القومية للبلاد والقيم الدينية السمحاء وتشكيل الذوق العام تشكيلا سليما ومراعاة حرمة الأسر , وحظر ما يدعو إلي الانحلال أو ما يدعو الشعب للإحباط ، وبعد مرور أربع سنوات ونصف من إصدار القاضى المصرى لحكمه التاريخى , أصبح ميثاق الإعلاميين نافذًا في مصر بإصدار قرار نقيب الإعلاميين رقم 17 لسنة 2017 بميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى للأداء الإعلامى الذى نشر في الوقائع المصرية في 20 ديسمبر 2017 على كل الإعلاميين بالإعلام المسموع والمرئى العام والخاص والإلكترونى .أما ميثاق الشرف الصحفى فهو موجود منذ إقراره في 26 مارس 1998 .وأوضح القاضى في حكمه أنه لما كان الإعلام يعد جزءً لا يتجزأ من ضمير الناس يشكل تكوين الرأي العام الذي يترك انعكاساته علي الشعب في النواحي الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية كأهم وسائل التواصل المجتمعي علي نحو أضحى معه الجزء التنويري الذي يجب أن يراعى الضرورة لحفظ كيان المجتمع ومراعاة لقيمه وتقاليده البناءة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد مما يتعين معه عدم تجاوز الحاجات الملحة التي تقتضيها مصلحة الوطن , وأن تعطيل هذه النظرة القومية هو تعطيل لضمير الأمة الذي يجب ألا يتأخر برهة من الوقت ليعود لمصر مركز الريادة الإعلامية الذي كان لها قديما .وعن الصحافة اختتم القاضى فى حكمه أن مصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية التى شاركت بتاريخها المجيد فى إثراء الحركة الوطنية وإرساء حجر الأساس فى البناء الديمقراطي وأن رواد القلم هم الضمير العام بمراعاتهم أبعاد الأمن القومى للأمة المصرية ، وأن الصحافة المصرية قد حققت منجزاتها الأساسية ثقافيًا ومهنيًا فى بداية القرن الماضي مما وضعها فى موقع الريادة العربية واقتربت من مقاييس الأداء العالمية وأن الرقي المهنى وبناء شخصية الصحفي كان بإدراك أبعاد المخاطر القومية التى كانت بمثابة القاعدة الصلبة للانطلاق لآفاق رحبة ، جعلت من الصحافة المصرية صحافة عابرة للحدود والقارات وقادرة على مخاطبة الرأي العام العالمى فتكسب ثقته وتضاعف احترام الآخرين للوطن مصر .
مشاركة :