دفع انتشار فيروس كورونا المعدل كوفيد-19 بشكل مخيف في جميع أنحاء العالم، الكثير من الدول لاتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية بعد ظهور المرض على عدد كبير من المصابين، وكان على رأسها الدعوة إلى تجنب التجمعات والتزام البيوت، أو ما يمكن أن يسمى بالحجر المنزلي. وهذا الإجراء الاحترازي مهم، لأنه يوفر الحماية للشخص والمحيطين به، وبالرغم من أن فكرة العزل هذه تتنافى من كون الإنسان بطبعه كائناً اجتماعياً، إلا أن انتشار الإصابة المحتمل من خلال الاتصال المباشر كان سبباً في هذا الإجراء. وينصح الأطباء بأهمية تعزيز الصحة النفسية من خلال تغيير السلوكيات التي نمارسها في المنزل، وذلك لدور الصحة النفسية المهم في هذه الفترة، ولما تشكله من تأثير مباشر في مناعة الأفراد.نتناول في هذا الموضوع أساليب تعزيز الصحة النفسية أثناء فترة البقاء في المنزل، خاصة أنها فترة طويلة وغير معتادة، وهو ما يحتاج إلى طرق جديدة ومبتكرة لتجاوز هذه الفترة. أهمية الصحة النفسية يجب الانتباه إلى أن تمتع الشخص بالصحة النفسية يجعله قادراً على أن يحقق أموراً عديدة، ويستطيع استغلال قدراته وطاقته جميعها وبأقصى مدى. ويعتبر امتلاك الصحة النفسية حالياً عاملاً مساعداً بشكل كبير على إدارة الأزمة الراهنة، بالتعامل مع انتشار فيروس كورونا المعدل كوفيد-19، بل مواجهته والتغلب عليه.وتساعد الصحة النفسية الشخص على أن يعيش في سلام وراحة نفسية، وتحقق له الرضا الداخلي والأمن النفسي، وفي ظل الأزمة الراهنة فإن الاحتياج إلى السلام الداخلي يعد أكبر المتطلبات، نظراً للمخاوف الكثيرة بسبب ما يحدث في مختلف الدول جراء الهجوم الفيروسي، والأخبار التي لا تبشر بالخير. مؤشر مهم يشير الأطباء والباحثون النفسيون إلى أن التحكم في الأزمات وإدارتها بصورة جيدة يعد مؤشراً مهماً على الصحة النفسية، لأن إدارة الأزمة تشمل توافق الشخص وتأقلمه مع مختلف العوامل التي كانت وراءها، وبالتالي فإن هذا الفرد يكون أكثر صحة نفسية من نظيره الذي لا يجيد التعامل مع الأزمات. ويلاحظ هذا الأمر في الحياة اليومية، فالشخص الذي لا يجيد التعامل مع أزماته يعيش قلقاً ومتوتراً، وهو الأمر الذي يؤثر في صحته النفسية.ويمكن أن تتطور في صورة الإصابة بأحد الأمراض النفسية - ويأتي على رأسها الاكتئاب - أو العضوية، كالقولون العصبي. تقبل الفكرة حاول عدد من الأطباء النفسيين تقديم مجموعة من النصائح بهدف تعزيز الصحة النفسية للشخص خلال فترة بقائه في الحجر المنزلي.وتأتي أول نصيحة لتعزيز الصحة النفسية: قبول فكرة الحجر، والهدف من ذلك الحصول على السلام الداخلي والأمن النفسي.ويحذر الأطباء من أن رفض الحجر المنزلي من شأنه تأزيم السلوكيات السلبية، وبالتالي يجعل الفرد يقاوم الفكرة، مما يتسبب في القيام بسلوكيات خاطئة يدفع ثمنها هو وأسرته في المستقبل.ويجب أن يتقبل الشخص فكرة الحجر المنزلي، وأن بقاءه ليس عقوبة وإنما سلوك إيجابي، وفرصة لاكتشاف الذات والقدرة على التحمل والصبر، وتوفير بدائل للقيام بها بحسب المتاح. تجنب هذه الأشياء ينصح في إطار تعزيز الصحة النفسية بتجنب عدد من الأشياء، ولعل أول هذه الأشياء الإدمان على الأخبار الخاصة بالفيروس.وتؤدي أحياناً متابعة القنوات الإخبارية المستمرة إلى الإصابة بالقلق والتوتر، والذي ربما أدى إلى حالة من الاكتئاب، وغالباً فإن معظم هذه الأخبار التي تذاع يكون تركيزها على أمور سلبية، كعدد المصابين وحالات الوفاة، بدلاً من الإيجابيات، كالحالات التي تعافت.ويجب كذلك تجنب الشائعات، والتي تنتشر في مثل هذه الأجواء، وبخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتتسبب في زيادة حدة التوتر والقلق، كما تؤثر في درجة الصحة النفسية، ويمكن أن تمثل أحد عوامل الإحباط.ويعد التغلب على هذه الشائعات ممكناً، من خلال الاعتماد فقط على المعلومات التي تصدر من الهيئات الرسمية، سواء التي تتعلق بإحصائيات تطور الفيروس، أو عدد الإصابات أو طرق الوقاية والرعاية الصحية.ويؤدي الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشعور بالملل والروتين، وبالتالي القلق، والذي يتسبب في حالة من الإحباط النفسي، ويمكن أن يصل بالبعض لمرحلة الاكتئاب، ولذلك فإن النصيحة هي تجنب الإفراط في استخدام مواقع التواصل. سلوك خاطئ يؤدي البقاء طويلاً في المنزل إلى الإفراط في النوم، وهو أحد الأشياء التي ينصح الأطباء بتجنبها، لأن النوم الكثير بالإضافة إلى كونه سلوكاً خاطئاً فإن له آثاراً جانبية سلبية.وتعد أبرز هذه الآثار الإصابة بحالة من الخمول البدني والروتين، وربما كان ذلك بداية للإصابة بالاكتئاب، ولذلك فإن تجنب الإفراط في النوم يعد أمراً مهماً.ويساعد اعتياد الجسم القيام بحركاته المعتادة في الحفاظ على نشاطه وجاهزيته، وبالتالي يجنب الشخص أي إحباط نفسي يؤثر في صحته النفسية ويدفعه للاكتئاب.وينصح أيضاً بتجنب الأشخاص السلبيين في هذه المرحلة، لأن الحديث معهم والاستماع لهم كثيراً يتسبب في حالة من التشاؤم، وهو ما يقلل من الصحة النفسية ويدفع للإحباط.ويعد من الضروري الحديث مع الأشخاص الإيجابيين، وذوي التفكير الإيجابي، لأنهم يزرعون في النفوس الأمل ويساعدون على تعزيز الصحة النفسية. مؤشر سلبي يرتكب البعض خطأ بعدم تغيير ملابسه لأنه لن يخرج من البيت، فيظل بملابس النوم أو بنفس الملابس عدة أيام، وهذا الأمر مؤشر سلبي سواء على الصحة النفسية أو المحيطين به.وتدل الملابس زاهية الألوان على الفرج، وتزرع الأمل في النفوس، وتبث حالة من الراحة النفسية، كما أنها تقضي على الروتين، وتحدث تغييراً إيجابياً يساعد على الشعور بأن هناك تغييراً في الأيام، وهو ما يبث الأمل والراحة النفسية.ويخطئ البعض خلال بقائه في المنزل بالإفراط في الأكل، ولذلك فإنه ينصح بالاهتمام بالنظام الغذائي الصحي، والاعتماد في هذه الفترة على الأطعمة التي تقوي الجهاز المناعي، ويجب تجنب الإفراط في الأكل غير الصحي والذي يمكن أن يزيد من الخمول والكسل. إدارة الوقت ينصح الأطباء النفسيون بأهمية معرفة كيفية إدارة الوقت خلال هذه الفترة التي لا نعرف متى تنتهي، مع توفير أنشطة لاستغلال الوقت فيها.ويمكن تنظيم الوقت في إنجاز كثير من المهمات العالقة والتي لم تنجز، كما من الممكن محاربة الملل والروتين خلال فترة الحظر المنزلي، بتنويع الأنشطة المنزلية، وذلك على الرغم من صعوبة الأمر.ويساعد القيام بأنشطة متنوعة في المنزل، وممارستها بشكل فردي أو مع الأسرة والأطفال في القضاء على الروتين والملل، ويجنبنا كذلك الإحباط النفسي، لأنه العدو الأساسي خلال الحجر النفسي. ويعد من الأمور المهمة خلال البقاء في المنزل الحديث الإيجابي، فعلى الرغم من أهمية متابعة تطور الفيروس ومدى انتشاره، إلا أن جعله محور الحديث يعتبر سلوكاً خاطئاً، لأن الذاكرة ستعمل على إلغاء باقي المعلومات والتركيز فقط على الفيروس.ويتسبب هذا الأمر في الإصابة بالإحباط، ولذلك فإن التركيز على الأمور الإيجابية في الحياة يعزز من الصحة النفسية ويجعلها في مستوى مقبول خلال هذه الفترة. التفاعل الاجتماعي يساعد التفاعل الاجتماعي على تحقيق الصحة النفسية، بل إنه شرط أساسي لذلك، لأن البعض في هذه المرحلة يميل للانغلاق والانعزال.ويرفض الأطباء النفسيون هذا السلوك الانطوائي، موجهين النصحية ببناء علاقات اجتماعية جديدة، والتي تساعد الشخص على التفاعل الاجتماعي، مما يحقق له راحة نفسية، وبالتالي يعزز من صحته النفسية. ويمكن الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق هذا الأمر، ولكن مع الانتباه أن يكون الحديث في أمور إيجابية، وتجنب تركيز الحديث عن الفيروس. وينصح الأطباء النفسيون بممارسة بعض التمارين الرياضية خلال فترة الحجر المنزلي، حتى لو كانت حركات بسيطة، لأنها تجنب الكسل والروتين وتصرف الطاقة الجسدية، والتي لو ظلت في الجسم ستلعب دوراً سلبياً.يمكن كذلك الاستفادة من هذه الفترة بتطوير النفس، سواء بالنسبة للطلاب أو العاملين لتطوير الذات في مجال التخصص، ويعتبر هذا الوقت مناسباً لاكتساب مهارات جديدة، وذلك من خلال الاستفادة بالتكنولوجيا الحديثة، وإن كان تطبيق هذا الأمر صعباً في البداية، إلا أن الاستمرار فيه يعزز من الصحة النفسية. مرحلة مؤقتة ينصح في فترة الحجر المنزلي بإقناع النفس أن هذه المرحلة مؤقتة، وأنها مهما قصرت أو طالت فسوف تزول، والاقتناع بهذا الأمر يعد مؤشراً إيجابياً.ويكون ذلك من خلال الالتزام بالحجر المنزلي، كما أنه دافع إيجابي على استمرار الحياة، وبالذات لأن الإحباط النفسي والقلق الذي نحيا فيه يومياً يمكن أن يقضي علينا قبل فيروس كورونا، ولذلك فإن الشعور بالأمل مهم للغاية.وتصب في نفس هذا الإطار محاولة التنفيس عن الغضب والقلق الذي نحيا فيه، لأن الشخص لم يعتد أن يبقى محاصراً في المنزل كل هذا الوقت. تنفيس الغضب يجب أن ننفس عن هذا القلق والغضب ولا يترك بالداخل، ويمكن الاستعانة بالعديد من الطرق، كالكتابة أو ممارسة الرياضة، وبصفة عامة فإن كل شخص يرى ما يناسبه بعيداً عن إيذاء الآخرين. ومن الأمور الإيجابية التعبير عن المخاوف من هذا الفيروس، فهذا الأمر ليس ضعفاً في الشخصية، بل يعد أمراً إيجابياً، ومن شأنه إزالة الكثير من التوتر والقلق.ويؤدي كتمان المخاوف إلى تأزيم الصحة النفسية ويدفع إلى الشعور بالتوتر والقلق وبالتالي الإحباط والإصابة بالاكتئاب، في حين أن التعبير عن المخاوف يعزز من الصحة النفسية أكثر فأكثر. الأطفال والمسنون يعتبر الأطفال والمسنون فئات ذات وضعية خاصة، ولذلك يجب الاهتمام بتعزيز الصحة النفسية لدى هاتين الفئتين، وبالنسبة للأطفال فإن فكرة البقاء داخل المنزل تعتبر صعبة، ولا يدركون أهمية الحجر المنزلي في هذه الفترة كالبالغين.ويجب على الآباء في هذه الحالة مصارحتهم بالأمر، وإعلامهم بضرورة الحجر الصحي وأهميته، وذلك من خلال تبسيط الأمر وبحسب المستوى العمري للطفل.ويمكن تعزيز الصحة النفسية للأطفال عبر توفير أنشطة يومية للقضاء على الملل والروتين، وتقع المسؤولية في ذلك على الوالدين، ومن الممكن أن يقسم الوقت بين مشاهدة التليفزيون واللعب ونشاطات هادفة كالرسم.ويجب تجنب منح الأطفال الهواتف النقالة، لأن الإكثار من استخدامها ينمي لديهم العنف، والذي يشعرهم بالإحباط النفسي، ولذلك لابد من تحديد أوقات معينة للحصول على الهاتف النقال.وينبغي الاهتمام برعاية كبار السن، لأن الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام تركز على أن الوفيات التي حدثت بسبب فيروس كورونا أغلبها من المسنين، ومن يعانون الأمراض المزمنة.ويؤدي التركيز عليها في إصابة المسنين بالإحباط والقلق الزائد، فمن المهم إبعاد الأخبار السلبية عنهم، مع العناية بهم ورعايتهم عبر الحديث معهم.
مشاركة :