الحجر المنزلي يعمّق الاختلالات داخل العائلات العراقية غير المستقرة

  • 4/19/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت في الآونة الأخيرة حالات الانتحار والقتل وأعمال العنف المنزلي التي طالت نساء وفتيات، في مؤشر -بحسب متخصصين في الشأن النفسي والاجتماعي- إلى الآثار السلبية التي نجمت عن الحجر الصحي الذي فرضته السلطات لمواجهة فيروس «كورونا»، واضطرار المواطنين إلى ملازمة منازلهم من أكثر من شهر. ومع عدم وجود إحصاءات موثقة حول المشكلات وحالات العنف العائلي، ومع تكييف أعداد غير قليلة من العوائل العراقية مع قصة الوجود الإلزامي في المنازل، فإن بعض المؤشرات والأحداث التي وقعت مؤخراً، وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام الشعبي والإعلامي، ربما تكشف عن «قمة جبل المشكلات» الاجتماعية راهناً، التي قد تسمح بتخمين الآثار المحتملة لذلك على المديين المتوسط والبعيد، في حال لم تتخذ السلطات العراقية إجراءات من شأنها تقليل التوترات والمشكلات العائلية التي قد تجد لها أساساً قوياً في الحرمان والفقر الناجمين عن توقف الأعمال، وفقدان كثير من العوائل مصدر دخلها الوحيد. كانت الأوساط الشعبية والرسمية والعشائرية العراقية قد انشغلت منذ نحو أسبوع بحادث إقدام الشابة ملاك حيدر الزبيدي (20 عاماً) على الانتحار حرقاً، نتيجة الضغوط النفسية وعمليات الترهيب التي مارسها عليها زوجها محمد المياحي وعائلته، استناداً إلى ما تقوله عائلة الزبيدي. وبعد مرور أيام على اتهامات متبادلة بين عائلة الزوجة والزوج، وتدخلات عشائرية لتهدئة الأوضاع بين العشيرتين، أعلنت المصادر الطبية في محافظة النجف، أمس، عن وفاة ملاك الزبيدي نتيجة التوقف التام في «كليتيها» وتسمم الجلد من شدة الحروق. وتحدث ناشطون قبل بضعة أيام عن قيام أب في بغداد بربط ابنته المراهقة إلى عمود في المنزل لأكثر من 20 يوماً، في محاولة لضبط سلوكها، كما أفاد في شهادة للشرطة. وفي سياق العنف الأسري أيضاً، أعلنت قيادة شرطة البصرة، في بيان، أول من أمس، عن أن «مفارز شرطة قضاء شط العرب ألقت القبض على متهم بتعذيب ابنته بصورة وحشية بواسطة آلة (كاوية) في جميع أنحاء الجسم». وأضافت أن «المتهم من متعاطي المخدرات، وتمت إحالته إلى القضاء وتوقيفه». وتكررت حوادث العنف والقتل المنزلي، أمس، حيث أعلنت قيادة شرطة محافظة ذي قار عن تفاصيل قضية مقتل زوجة على يد زوجها بناحية النصر الواقعة شمال المحافظة. وفي التفاصيل، ذكر مدير إعلام قيادة الشرطة، العقيد فؤاد كريم، في تصريحات صحافية، أن «مركز شرطة ناحية النصر، شمال محافظة ذي قار، تلقى بلاغاً بمقتل فتاة من مواليد 2000، من خلال تلقيها رصاصات في رأسها»، مبيناً أن «القوات الأمنية توجهت لمكان الحادث، وقامت بنقل الجثة إلى الطب العدلي لإكمال الإجراءات القانونية لها، وأن مجريات التحقيق حتى الآن تشير إلى أن الحادث انتحار رمياً بالرصاص». وأضاف أن «والد المجنى عليها تقدم بشكوى أمام مركز الشرطة في الناحية ضد زوجها بتهمة ارتكاب جريمة القتل بحق ابنته، وأن القوات الأمنية أوقفت الزوج على ذمة التحقيق». بدوره، يؤكد اختصاصي الطب النفسي، الدكتور جميل التميمي، أن الحظر الصحي المفروض يؤثر بطريقة سلبية على الحياة اليومية داخل العوائل، خاصة تلك التي تعاني أساساً من الاختلالات وعدم الاستقرار. ويقول التميمي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحظر يؤثر بكل تأكيد. شخصياً، يتصل بي يومياً عدد غير قليل من مرضاي الذين ساءت حالتهم بسبب غلق العيادات وضغوطات الحظر». ويرى التميمي أن «مشكلة الحظر عمق الخلافات المنزلية بسبب الاحتكاك المستمر بين أفراد العائلة نفسها، هنا أتحدث عن العوائل التي لديها مشكلات واختلالات في الأساس»، ويشير إلى أن «الجانب الاقتصادي لعب دور حاسماً في تعميق هذه المشكلات؛ أعرف نساء كن يعملن خارج المنزل سابقاً، واليوم انقطعت أرزاقهن، ويعشن ما يشبه الانهيارات النفسية». ويعتقد التميمي أن «خلية الأزمة الحكومية لم تفكر بهذا الموضوع الحيوي، ولذلك اعتمد تقييمها على الجانب الوبائي فقط، في حين يفترض به أن يناقش الأزمة الوبائية، والأزمات الأخرى التي تنتج عن الحظر، وربما يكون وقعها أكبر من الأزمة الوبائية. لقد أصبح واضحاً أن العراق لا يهدده الوباء مثل باقي دول العالم، لكن الذي حدث أننا تركنا المشكلات المعيشية والنفسية الأخرى، وركزنا على مواجهة الوباء فقط، وهذا أمر غير صائب بالمرة»، وتساءل: «هل سأل أحد عن مصير عشرات آلاف المرضى الذين يراجعون الأطباء يومياً، وماذا حل بهم». ويعبر التميمي عن خشيته من أن «السلطات تستثمر حظر التجوال لأهداف سياسية، بمعنى أنها تجبر الناس على البقاء في بيوتهم كي ترتاح من المظاهرات، أو أي شي آخر يهدد الحكومة الراخية الخاملة التي لا يهمها شيء لأنها على وشك الرحيل. أظن أنها جريمة بحق الشعب، وأن تبعات الحظر الاقتصادية والاجتماعية ستكون كارثية».

مشاركة :