عملاق لا ينحني يعيش مانويل نوير الحارس التاريخي لبايرن ميونخ الألماني أزمة صعبة بسبب المفاوضات لتجديد عقده التي وصفها البعض بـ”العقيمة” وتسير نحو طريق مسدود، في وقت تتلهف فيه عدة أندية كبرى للفوز بخدماته رغم تقدمه في السن. وبين قرار التجديد من عدمه يظل الأمر معلقا على تدخل كبار النادي لتلطيف الأجواء وإنهاء هذه الأزمة، فيما يرى محللون رياضيون أن مسارا شاقا ينتظر الحارس الأسطوري من أجل الظفر بعقد يسمح له بالسير على خطى اللاعبين الكبار الذين أنهوا مسيرتهم في بايرن. ميونخ (ألمانيا) – “لأن الحياة دائما ما تمنحك التحدّيات.. عليك دائما التحلي بالشجاعة” هكذا هي نظرة مانويل نوير حارس بايرن ميونخ ومنتخب ألمانيا لحياة لاعبي كرة القدم عموما وربما لحياته هو شخصيا ومساره الطويل برفقة عملاق البوندسليغا الذي قضى داخل أسواره أبهى الفترات ورفع معه العديد من الألقاب محليا وقاريا. ولأن تحدّيات الحياة كثيرة مثلما يرى نوير وتتطلب شجاعة مضاعفة وصبرا طويلا، فقد آن لهذا الحارس الأسطوري أن يدخل معتركها من جديد، لكن هذه المرة ليس على المشاركة أو الراتب أو دونهما ولكن حول تجديد عقده والبقاء مع الفريق لأطول فترة ممكنة أو ربما الرحيل. وكشفت مجلة “كيكر” الألمانية الرياضية الثلاثاء الماضي أن المفاوضات بين نوير وبايرن قد تستمر لعدة أسابيع أو شهور إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تجديد العقد بينهما. وأشارت المجلة إلى أن “النقاش بين الطرفين يبدو صعبا في الوقت الحالي”، ولكن رغم ذلك فإنه من المرجح أن يتم التوصل إلى أرضية للتفاهم لكن ليس في وقت قريب. وفي الوقت الحالي لا توجد أي بيانات أو تصريحات رسمية من الطرفين، لكن ما هو مؤكد وفق بعض المحللين أن نوير يرغب في عقد طويل الأمد يسمح له بإمضاء أطول فترة ممكنة مع بايرن إلى حين قرار الاعتزال الذي بات وشيكا اقتداء بتجارب رفقائه على غرار فيليب لام وباستيان شفاينشتايغر وغيرهما من الذين أنهوا مسيرتهم في بايرن قبل قرار الرحيل. تبدو نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات بين الطرفين هي مدة العقد الجديد، علما وأن العقد الحالي لنوير مع الفريق يمتد حتى 30 يونيو 2021. ويرغب نوير البالغ من العمر 34 عاما في تمديد العقد حتى 2025، لكن هذا الخيار يصطدم بسعي بايرن للتمديد له إلى غاية صيف 2023 فقط خاصة وأن الأمر المعتاد في إدارة البافاري بالنسبة إلى اللاعبين الذين تزيد أعمارهم عن الثلاثين عاما هو التمديد لفترات قصيرة. نوير يرغب في تمديد العقد حتى 2025، لكن هذا الخيار يصطدم بسعي بايرن للتمديد له إلى غاية صيف 2023 وما زاد من هوس الحارس الدولي وقلقه بشدة تلك الخطوة التي أقدم عليها بايرن بعدما أتم إجراءات التعاقد مع حارس شالكه الشاب ألكسندر نوبل (23 عاما) بعقد يمتد لخمس سنوات، حيث سينضم نوبل إلى صفوف الفريق بداية من الصيف المقبل. وربما أعاد هذا السيناريو إلى أذهان نوير تجربة قدومه إلى بايرن من شالكه بالذات في العام 2011 وكان عمره حينها 25 عاما، حيث تؤكد مصادر أنه تولى عرين الفريق البافاري خلفا للحارس الأسطورة ينس ليمان. ويرى محللون أنه من حق نوير أن يطالب بعقد طويل المدى قياسا بما قدمه لهذا الفريق من عطاء كبير توّجه بحصول العملاق الألماني على ألقاب البوندسليغا في السنوات السبع الأخيرة. لكن ربما ما يُعاب على هذا الحارس الأسطوري أنه حريّ به أن يفتح الباب لبروز عناصر شابة خصوصا في ظل السعي الدؤوب الذي يحرّك الإدارة الفنية للفريق البافاري من أجل ضخ دماء جديدة في الفريق، لكن هذا لا يعني التفويت في العناصر الثابتة والأكثر خبرة، وهو ما كشف عنه المدير الفني هانز فليك في تعليقه حول بقاء نوير مع الفريق. وعبّر فليك عن أمله في استمرار نوير وبعض اللاعبين مع بايرن لعدة سنوات. وكان توماس مولر مهاجم الفريق قد مدد عقده مع بايرن حتى صيف 2023، لكن مولر بدا مقتنعا وسعيدا بمدة العقد على عكس نوير تماما. وقال فليك “نوير يعلم ما يحظى به في بافاريا.. لست أنا فقط ولكننا جميعا سنكون سعداء إذا مدّد عقده”. وعلى الجانب الآخر من المهم بالنسبة إلى العناصر الجديدة التي ينوي الفريق جلبها أو أمضى عقودا رسمية لتكون ضمن الفريق في الموسم القادم، الاقتداء بتجربة نوير وغيره من اللاعبين الكبار الذين حققوا نجاحا لافتا في بايرن وبلغوا معه القمّة. فكيف كانت بداية هذا الحارس وكيف تدرّج لبلوغ هذا المستوى؟ بداية المشوار التجديد بعقد قصير يؤرق الحارس الأسطوري التجديد بعقد قصير يؤرق الحارس الأسطوري بدأ مانويل نوير مسيرته في نادي شالكه وتدرّج شيئا فشيئا ضمن فئاته العمرية المختلفة إلى أن وقّع عقدا احترافيا عام 2005، رغم ذلك لم تسنح له فرصة المشاركة في مباريات الفريق الأول حتى الموسم الذي يليه. وشهد موسم 2006-2007 أول مباراة للحارس الشاب في الدوري الألماني وذلك عندما حل بديلا للحارس المصاب فرانك روست خلال المباراة الثانية من الموسم. أداؤه المتميز جعل شالكه يشركه أساسيا في مباراته الهامة ضد بايرن في الدوري حيث نجح نوير في التصدي للعديد من الفرص وساهم في ضمان التعادل لفريقه أمام حامل اللقب. وفي موسم 2007-2008 بدأ نوير اللعب مع شالكه في بطولة دوري أبطال أوروبا، وفي الدور الثاني من البطولة أمام نادي بورتو البرتغالي قاد المباراة إلى التعادل من خلال تصدياته العديدة التي حرمت النادي البرتغالي من الفوز، وفي الضربات الترجيحية استطاع الحارس العملاق أن يمنح بتصدياته الفوز لفريقه ويقوده إلى الدور الربع نهائي من البطولة. أداء نوير الاستثنائي في دوي أبطال أوروبا جعل الاتحاد الأوروبي يرشحه لجائزة أفضل حارس مرمى في البطولة، حيث لعب هذا الحارس الأسطوري 50 مباراة وبرز كنجم واعد. وفي موسم 2010-2011 نال شارة قيادة شالكه ونجح في إيصاله إلى نصف نهائي البطولة الأوروبية. وفي عام 2011 أعلن نوير أن مسيرته مع شالكه قاربت على النهاية مؤكدا أنه لن يقوم بتجديد عقده، وهو قرار أسهم في بروز صيحات استهجان ضده من مشجعي النادي، ليمضي عقد انتقاله إلى بايرن مقابل 22 مليون يورو. وفي 2012 قدم نوير أداء عاليا مع بايرن خاصة في دوري أبطال أوروبا. ويظل لقاء نصف النهائي أمام ريال مدريد الإسباني راسخا في ذاكرة محبي هذا الحارس العملاق حين تصدى لركلتي ترجيح من كاكا وكريستيانو رونالدو ليسهم في ضمان فريقه مكانا بنهائي البطولة، رغم ذلك فقد خسر بايرن النهائي أمام جماهيره بركلات الترجيح أيضا أمام منافسه تشيلسي الإنجليزي. وحقق نوير مع فريقه في 2013 كأس ألمانيا بالإضافة إلى لقب البطولة الأكبر على صعيد الأندية دوري أبطال أوروبا، لعب في ذلك الموسم ما يقارب 51 مباراة في مختلف البطولات. وفي موسم 2014-2015 تم اختيار مانويل كأفضل لاعب في ألمانيا ولاعبا في أفضل فريق أوروبي للعام بفضل أدائه الثابت خلال مبارياته الخمسين التي لعبها في ذلك الموسم. مسيرة حافلة انطلقت مسيرة نوير مع المنتخب الألماني في العام 2009 عندما تم اختياره للمشاركة في جولة المنتخب التحضيرية في آسيا، وكان الحارس الأساسي للمنتخب في كأس العالم 2010 حيث قدم أداء جيدا وأنقذ العديد من الأهداف، كما كان له دور حاسم في انتصار ألمانيا في كل مبارياتها في التصفيات المؤهلة لبطولة أمم أوروبا 2012 حيث وصل الفريق إلى نصف نهائي البطولة. لكن ما تشير إليه أغلب المصادر الصحافية أن ذروة النجاح الدولية لنوير مع “ناسيونال مانشافت” كانت في كأس العالم 2014 بالبرازيل. وظهر أداؤه أمام المنتخب الجزائري بفضل التصديات الكبيرة لزملاء سفيان فيغولي وسليماني ودجابو وغيرهم ليفتك المنتخب الألماني بطاقة العبور بعد شوطين إضافيين إلى ربع النهائي. أبرز ما يسجل لهذا الحارس تألقه على ملعب ماراكانا في 2014، حيث أبهر الجميع وساهم في تتويج الألمان باللقب الغالي وتابع نوير تألقه على أرض ملعب ماراكانا الشهير في تلك الصائفة، حيث أبهر الجميع بأدائه في المباراة النهائية أمام الأرجنتين في معركة كروية امتدت لشوطين إضافيين قدم فيها الحارس الألماني أداء عاليا ساهم في تتويج الألمان باللقب الغالي، فيما حصل نوير على جائزة “القفاز الذهبي” كأفضل حارس في البطولة. وفي بطولة أمم أوروبا عام 2016 نجح نوير في إبقاء شباك ألمانيا خالية من الأهداف في دور المجموعات قبل أن تكسر إيطاليا ذلك بهدف في الدور ربع النهائي، امتدت المباراة بعدها إلى ضربات الجزاء الترجيحية ونجح نوير بتصدياته في قيادة ألمانيا للفوز ونال جائزة “رجل المباراة”. إذن هي مسيرة حافلة لحارس عملاق تحدّى الجميع بفضل خبرته الكبيرة وجاهزيته البدنية وحضوره الذهني الدائم على الميدان ليعانق الألقاب بمسمياتها المختلفة، سواء مع فريقه أو برفقة المنتخب الألماني. لكن رغم هذا المسار المشرف في مسيرة هذا الحارس الكبير، فإن ذلك لا يمنع من وجود بعض التقلبات والمراحل الحرجة التي مر بها نوير والتي يصنفها محللون رياضيون في خانة المنافسة الشريفة للدفاع عن اسمه وخاصة لضمان مكان أساسي ضمن تشكيلة “ناسيونال مانشافت”. مرحلة حرجة عاش نوير فترة حرجة بعد الخروج المخيّب والمبكر لصاحب اللقب من كأس العالم في 2018 بروسيا. وتسبب ذلك الخروج المذل لألمانيا في حملة انتقادات واسعة طالت المدير الفني حينها يواخيم لوف وكافة الإدارة الفنية للمنتخب، ورغم ذلك فقد درس الاتحاد الألماني تلك الأزمة بتروّ دون أن يسقط في فخ الإقالة للإطار الفني لا بل إنه منح ثقته في لوف وأمضى معه بروتوكولا لإعادة تكوين جيل جديد. وبالفعل حاول لوف ضخ دماء جديدة من خلال استبعاد لاعبين مخضرمين والاستعانة بلاعبين شباب حيث تخلى عن توماس مولر وجيروم بواتينغ وماتس هوملز، في حين تمسك بالحارس نوير كقائد للفريق. هذه الثقة التي منحها المدير الفني للمنتخب في نوير ليكون حارسا أساسيا لألمانيا، رغم المستويات الجيدة التي يقدمها منافسه تير شتيغن مع برشلونة الإسباني، تسببت في بروز حرب تصريحات بين الحارسين وتنافس محموم بينهما حول قدرة أي منهما للفوز بمرتبة الحارس الأول في ألمانيا ومع المنتخب تحديدا. ورغم أن هذه المسألة من بديهيات الأمور وتسجل حضورها في أعتى الفرق العالمية والمنتخبات، لكن صراع نوير وشتيغن بلغ ذروته وخرج من حرب التصريحات في الكواليس الضيقة للمنتخب إلى تحدّ بينهما حول من يكون الأقدر على افتكاك مكانته كأساسي طوال التصفيات المؤهلة إلى يورو 2020 والذي أجل إلى 2021 أو خلال المباريات الودية التي خاضها ناسيونال مانشافت. ومما تسجله المصادر للمعركة بين الحارسين ذلك التصريح اللافت لشتيغن في 2019 اعترف فيه لوسائل إعلام إسبانية بأن ملازمته لمقاعد البدلاء في المنتخب الألماني “أمر يوجعني كثيرا”، ليرد عليه نوير أن “مثل هذه التعليقات ليست مفيدة”، ليأتي الرد من شتيغن مجددا أنه “ليس من حق نوير منعي من التعبير عن مشاعري”. هكذا هي حياة نجوم كرة القدم كما اعترف بذلك نوير منذ البداية مليئة بالتحدّيات والتقلبات التي تتطلب الكثير من المثابرة والصبر وعلى من يركب صعابها أن يواصل رحلته فيها إلى النهاية. ربما هي مرحلة أيضا مطلوب من الحارس الأسطوري أن يخوضها، لكن وفق أي مقاربة وأي رؤية، الأيام وحدها كفيلة بكشف حيثيات ذلك سواء بالتجديد لبايرن بمواصلة الرحلة معه لسنوات أخرى إلى أو بتغيير الوجهة نحو ناد آخر في أوروبا وفي إنجلترا تحديدا حيث ترغب عدة أندية في الفوز بخدماته. وكان أكثر من ناد إنجليزي قد أعرب في أكثر من مناسبة عن رغبته في التعاقد مع حارس كبير وبمواصفات التي يمتلكها مانويل نوير.
مشاركة :