التعامل مع مستقبل لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير

  • 4/20/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

2011 صدر كتاب (التفكير.. بسرعة وببطء) لدانيال كانيمان، والذي أوضح فيه أن عقلنا يتألف من نظامين مختلفين للغاية من التفكير، أحدهما متسرع والآخر عقلاني«يفهم الناس ببساطة أنهم إذا قاموا بلف النرد 100 مرة، فهناك احتمالات للحصول على رقم 1 عدة مرات، ولكن يصعب عليهم فعل الأمر نفسه في حياتهم اليومية»..الكاتب الصحفي ديفيد ليونهاردت إن الدرجة العالية من حالة عدم اليقين المحيطة بجائحة كوفيد-19/‏ Covid-19 هي واحدة من أكثر صفات فترة انتشار الوباء إحباطًا، حيث تبدو جميع الإجابات التي نحصل عليها من الخبراء ـ حتى الأكثر ثقة بينهم - غامضة للغاية، وتفسيراتهم مليئة بالتحذيرات والشكوك، والسؤال الآن هو: كيف يمكننا أن نبدأ في فهم مثل هذا المستقبل غير المتوقع؟في حقيقة الأمر لم يكن كل هذا معتادًا منذ وقت طويل، حيث لم نكن نستخدم الاحتمالات الكثيرة في حياتنا اليومية، ولم تكن هناك أشياء غير متوقعة فعلًا تحدث خارج نطاق تقارير الطقس وتوقعات الانتخابات والبيسبول. لكن كل هذا تغيّر في اقتصادنا ومجتمعنا المعقد.والآن، باتت الاحتمالات تلعب دورًا متزايدًا في عملنا وحياتنا الشخصية نظرًا لقدرتنا الجديدة على المرور بأي شيء تقريبًا في جميع أنواع المواقف اليومية، من التشخيص الطبي إلى القرارات المالية، وبات علينا أن نتعلم كيف نعيش ونتخذ قرارات في عالم الاحتمالات الفوضوي وغير المؤكد هذا.ومن الصعب فهم الاحتمالات بطبيعتها، خاصة بالنسبة لحدث فردي مثل الطقس أو الانتخابات. وأذكر أن الكاتب ديفيد ليونهاردت David Leonhardt كتب عن صعوبة فهم الإنسان للاحتمالات في عمود رأي بصحيفة نيويورك تايمز عام 2017، قائلًا: «يفهم الناس ببساطة أنهم إذا قاموا بلف النرد 100 مرة، فهناك احتمالات للحصول على رقم 1 عدة مرات»، ولكن يصعب عليهم فعل الأمر نفسه في حياتهم اليومية، فعندما يرون احتمالات وقوع حدث واحد بعدة سيناريوهات، فإنهم يميلون إلى التفكير: هل سيحدث هذا فعلًا أم لا؟ ثم يسألون أنفسهم: كيف سيحدث، وبأي نسبة بين 0 إلى 100%؟... وعندما يحدث ما لم يتوقعونه، يصرخون ويقولون إن: «الاحتمالات كانت خاطئة»، وذلك لأن اللعب مختلف عن الحياة الحقيقية.سؤال آخر: لماذا يصعب التعامل مع الاحتمالات في الحياة اليومية؟ يجيب ليونهارت عن ذلك السؤال مستعينًا بنظرية البروفيسور الفخري في جامعة برنستون دانيال كانيمان Daniel Kahneman، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2002، ويقول: «أعتقد أن جزءًا من الإجابة يكمن في نظرية كانيمان التي تؤكد أن البشر يحتاجون إلى قصة لفهم كل حدث».وفي السبعينيات، كانت وجهة النظر السائدة بين علماء الاجتماع هي أن الناس عمومًا عقلانيون، ويتحكمون في الطريقة التي يفكرون بها، ويتخذون القرارات الصحيحة ما لم تكن المشاعر القوية، مثل: الخوف أو الكراهية أو الحب تشوّه حكمهم.ولكن في سلسلة من التجارب، أظهر كانيمان وشريكه البحثي منذ فترة طويلة آموس تفرسكي Amos Tversky أن السلوك البشري غالبًا ما ينحرف عن تنبؤات النماذج العقلانية السابقة، وأن هذه الانحرافات تكون بسبب التحيزات والاختصارات العقلية أو الاستدلالات التي نستخدمها عند اتخاذ قرارات يومية، بدلًا من الاعتماد فقط على حالتنا العاطفية.وفي كتابه الممتاز «التفكير.. بسرعة وببطء» الذي صدر عام 2011، أوضح كانيمان أن عقلنا يتألف من نظامين مختلفين للغاية من التفكير، ويمكن أن نطلق عليهما: النظام 1 والنظام 2.النظام 1: وهو الجزء الحدسي والسريع والعاطفي من العقل، حيث تأتي الأفكار تلقائيًا وبسرعة كبيرة إلى النظام 1، دون أن نفعل أي شيء للتدخل في ذلك.أما النظام 2، من ناحية أخرى: فهو الجزء الأبطأ، والأكثر منطقية وعقلانية في العقل. وهو المكان الذي نقيم فيه الأمور، ونختار فيه بين خيارات متعددة؛ لأن النظام 2 فقط يمكنه التفكير في أشياء متعددة في وقت واحد، وتحويل انتباهه فيما بينها.ويعمل النظام 1 عادة من خلال تطوير قصة متماسكة استنادًا إلى الملاحظات والحقائق الموجودة تحت تصرفه. وهذا يساعدنا على التعامل بكفاءة مع عدد لا يحصى من المواقف البسيطة، التي نواجهها في الحياة اليومية.أيضًا فالنظام الحدسي 1 هو في الواقع أكثر تأثيرًا في قراراتنا وخياراتنا وأحكامنا عما ندركه في الحياة بشكل عام. ولكنه، وبينما يمكننا من التصرف بسرعة، إلا أنه عُرضة للأخطاء، خاصة عند العمل خارج مجالات خبرتنا.ويميل النظام 1 إلى الإفراط في الثقة، مما يخلق الانطباع بأننا نعيش في عالم أكثر تماسكًا وبساطة من العالم الحقيقي الفعلي. فهو يمنع التعقيد والمعلومات التي قد تتعارض مع قصته المتماسكة ليسير قراراته المتسرعة، ما لم يتدخل النظام 2 وينبّه العقل إلى أننا نتخذ قرارًا خاطئًا وأن هناك شيئًا ما لا يبدو صحيحًا تمامًا.ويتطلب فهم الاحتمالات والأرقام والرسوم البيانية والبيانات الأكثر تركيزًا أن نشرك النظام 2 في التفكير، وذلك الأمر -بالنسبة لمعظم الأشخاص- يتطلب قدرًا كبيرًا من التركيز والوقت والطاقة.على الجانب الآخر، يحاول معظمنا تقييم المعلومات باستخدام قصة بسيطة من النظام 1 لتغليب احتمالات بعينها، مثل: من سيفوز في الانتخابات؟ من سيفوز في مباراة كرة القدم؟، هل ستمطر بعد ظهر هذا اليوم؟.وهذا ليس مفاجئًا، فلعبة سرد القصص داخل العقل تحتل دورًا محوريًا في الاتصالات وعمليات الإقناع بين البشر منذ العصور السحيقة. وتم استخدام السرد الشفوي لقصص بعينها من قبل الثقافات القديمة لتمرير تقاليدهم ومعتقداتهم والتعلم من جيل إلى جيل.وعلى مر القرون، تطورت طبيعة رواية القصص بشكل كبير مع ظهور الكتابة وظهور تقنيات جديدة مكّنت من تجسيد القصص في مجموعة متنوعة من الوسائط، بما في ذلك الكتب والأفلام والتليفزيون، وبات النظام 1 ـ الأكثر سرعة وأقل منطقية - هو طريقتنا المفضلة في استيعاب المعلومات المعقدة.أيضًا، لطالما استخدم المخططون العسكريون، ووكالات الاستخبارات، وصناع السياسات الحكومية منذ فترة طويلة فن «السيناريوهات المخططة»، وهو نوع من رواية القصص، لمساعدتهم على الفهم والاستعداد للتعامل مع الأمور المستقبلية غير المتوقعة.والهدف من السيناريو المخطط هو تجميع كل الحقائق والاتجاهات والمعلومات الأخرى المعروفة واستخدامها لإنشاء عدد من القصص البديلة الغنية بالتفاصيل حول النتائج المستقبلية المحتملة، جنبًا إلى جنب مع مسارات التطوير والأحداث الرئيسية التي أدت إلى هذه النتائج.وإجمالًا، يجب أن تغطي السيناريوهات النطاق العام للأمور المستقبلية المحتملة، كما أنه من المحتمل أن يتضمن مستقبلنا الفعلي أحداثًا مختلفة من كل سيناريو.وفي عالم الأعمال، أصبح السيناريو المخطط أداة قيمة للتفكير الإستراتيجي على المديَين المتوسط والطويل، حيث يمكن وصف التكنولوجيا البديلة وبيئات السوق في عدد قليل من السيناريوهات المنفصلة، مع تنظيم ثراء ونطاق الاحتمالات في قصص يسهل فهمها واستخدامها بعيدًا عن الكميات الكبيرة والمعقدة من البيانات.ختامًا، وما نريد توضيحه في طريقة التفكير المطلوبة لدراسة احتمالات أزمة كوفيد-19، أنه يجب علينا أن نرجع إلى الأسئلة الرئيسية في أذهاننا، مثل: متى يعود الاقتصاد والمجتمع وحياتنا الشخصية إلى طبيعتها؟ وكيف ستبدو هذه المعايير الطبيعية الجديدة في عالم ما بعد كوفيد-19؟. وقد يكون استخدام سلاح تخطيط سيناريو حياتنا أحد أفضل الطرق لمساعدتنا في التعامل مع مثل هذا المستقبل الغامض.

مشاركة :