تتواصل الانتقادات الدولية بشأن "تورط" الحكومة الصينية في إخفاء خطورة فيروس كورونا وطريقة تفشيه، كان آخرها ما أعربت عنه الخارجية الأسترالية بشأن "المعلومات المشكوك فيها"، التي ساقتها بكين إلى دول العالم عن الوباء. وفي الأسبوع الماضي، انتقد المسؤولون في أميركا فرنسا وبريطانيا وما يقرب من عشرين دولة أفريقية أفعال وتصريحات الحكومة الصينية، بشأن "إخفاء أصول فيروس كورونا". لكن بين ثنايا هذه المواجهات، يطرح سؤال : كيف استغل الحزب الشيوعي الحاكم في البلد أزمة الوباء؟ صحيفة "نيويورك تايمز" تقول في تقرير كتبه مدير مكتبها في بكين، ستيفن لي مييرس، إن زعيم الصين، شي جين بينغ، استغل جائحة كورونا لدعم سلطته السياسية في الداخل، لكن الأدوات التي استغلها الحزب الشيوعي للقيام بذلك "هددت مكانة الصين الدولية وألحقت بها نكسة لم تكن في الحسابات على الصعيد الخارجي". وبداية ذلك، كانت مع سعي بكين إلى ترويج أن "الصين الشيوعية الخاضعة للزعيم الواحد والحزب الواحد، قدرت عبر سياستها الصارمة، على حصار الوباء في مقابل عجز الدول الديمقراطية في أوروبا والولايات المتحدة على ذلك". وعقب ذلك، تصريحات لمسؤولين في الحكومة المركزية، علاوة على مسؤولين دبلوماسيين صينيين في أوروبا، كان آخرهم سفارة البلد في فرنسا، التي اتهمت في بيان رسمي، الحكومات الغربية بـ"الفشل في حماية أضعف الفئات، مما جعل سكان دور رعاية المسنين يموتون جوعا". خطاب الحزب الشيوعي داخليا وخارجيا وداخليا، تطالب الحكومة الصينية مواطنيها بالولاء والثناء التام على زعيم الحزب، شي جين بينغ، باعتباره "مخلص البلد من الوباء وانتصر عليه". وتصور وسائل الإعلام الرسمية في الصين، "شي"، كـ"زعيم ثابت وقوي وخير قائد للبلاد خلال حرب الشعب ضد الوباء". فضلا عما أثارته النبرة القتالية والقومية المتزايدة للحزب بشأن الوباء، من لغة العداء. وحسب تحليل "نيويورك تايمز"، فتأثير الدعاية الصينية على الداخل بفكرة "انتصارها على الوباء وفشل الآخرين"، كان قويا وحقق الحزب الشيوعي غنائمه بالفعل، لكن في الخرج غير حسابات بكين، التي كانت تطمح في توسيع هامش علاقاتها الاقتصادية والتجارية والسياسية مع دول العالم بعد زمن الجائحة. في بريطانيا، هاجم وزير الخارجية، دومينيك راب، الخميس، الصين وأكد ان تعامل بلاده مع بكين "لن يكون كما السابق"، وقال: "ليس هناك شك، لا يمكن أن يكون لدينا عمل كالمعتاد مع الصين بعد هذه الأزمة، وعلينا أن نطرح الأسئلة الصعبة حول كيفية حدوثها (تفشي الوباء) وكيف تم ايقافها". وفي الولايات المتحدة، اتهم دونالد ترامب الصين بعدم مشاركة معلوماتها بشأن الوباء قصد مكافحته، متوعدا إياها برد قاس، ذلك رغم الانفراج في العلاقات التجارية بين البلدين. وفي اليابان، تعهدت الحكومة بتقديم ملياري دولار لمساعدة الشركات اليابانية على نقل إنتاجها خارج الصين بسبب مخاوف بشأن مصداقية البلاد. أما فرنسا، فقد كان جليا تشكيك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رواية الصين بخصوص مكافحتها للوباء، وقال ردا على "فعالية الحكومة الصينية" في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز": "دعنا لا نكون سذجا، حتى نقول أن الصين كانت أفضل بكثير في التعامل مع الوباء". وعن استراتيجية عمل الحزب الشيوعي في الصين، قالت سوزان ل. شيرك، المتخصصة في الشأن الصيني، بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: "إن كيفية عمل الحزب الشيوعي محليًا في الصين، هي نفسها كيفية عمله دوليا". وأوضحت ان التحكم في تداول المعلومات والتأكيد على الدور المركزي لقيادة الحزب الشيوعي، هي محددات ثابتة في الخطاب السياسي الشيوعي الرافض للاعتراف بالأخطاء، سواء في الداخل أو الخارج. مقايضة المواقف بالمساعدات لكن في المقابل، يسري خطاب الحزب الشيوعي الصيني حول الوباء، على عدة سياسيين وحكام في العالم، منهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أشاد في الأسبوع الماضي بـ"الجهود البطولية للصين وتغلبها على الوباء". وقبله بيومين، وصف رئيس الأرجنتين، ألبرتو فرنانديز، تجربة الحكومة الصينية بـ"المثال الذي يحتذى به". وفسر هذه المواقف، المحلل السياسي المستقل في بكين، وو تشيانغ، قائلا: "هذه المواقف جاءت بعد تقديم الصين لمساعدات لهذه الدول". وأوضح ان بكين "تعمل على مبدأ مقايضة مساعداتها باعتراف هذه الدول بنموذج الصين للوقاية من الوباء ومكافحته". وما يزيد من نجاح مخططها الدعائي، هو ان هذه "المساعدات جاءت في وقت أعلن فيه زعماء أوروبيون وأميركيون بأنهم سيوقفون تصدير المواد الطبية إلى دول العالم، لتحقيق الاكتفاء الذاتي".
مشاركة :