معلمة تحول فصلها لمنزل مصغر وواحة ألعاب

  • 6/21/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في قرية جبلية في أقصى جنوب رأس الخيمة، وعلى بعد أكثر من 120 كليومتراً، في منطقة المنيعي مدرسة حكومية بنيت في بداية السبعينات من القرن الماضي، حولت معلمة مجال ثاني فصلها المدرسي إلى واحة منزلية تجمع بين الألعاب، ومكونات المنزل من مطبخ تحضيري، وصالة مصغرة ودورة مياه، لتجعل الصف المدرسي قريب من الأجواء المنزلية للطالب كي تمتص شعور الغربة التي يشعر بها الطالب في الصفوف الأولى من حياته الدراسية. تقول ناعمة محمد راشد الدهماني، معلمة مجال ثاني، علوم ورياضيات، من خلال خبرتي التي امتدت أكثر من 10 سنوات، بحثت عن طريقة تجعل الطالب قريباً من الدراسة بحيث لا يتضايق في فصله الدراسي، خاصة في بداية الأيام الدراسية الأولى، وحاولت منذ بداية الفصل الدراسي أن استوعب الأسباب التي تجعل الطفل ذي السبع سنوات يبكي في بداية قدومه للمدرسة، ويواجه صعوبة استيعابه لأجواء المدرسة رغم التحاقه بالروضة المدعمة بالألعاب، فأردت أن أغير تلك الأجواء الرتيبة، وأحول الفصل إلى نموذج آخر يختلف عن ذلك، وسمحت لي إدارة المدرسة بإضافة المساحة الجانبية لفصلي، وتمكنت بمساعدة أسرتي وأولياء أمور الطلبة وبعض الشركات من أن أبني تلك المساحة وأحولها إلى مرافق تابعة للفصل، فقسمتها إلى 4 أجزاء. أقسام إضافية القسم الأول لاستراحة الضيوف قريبة من الصالة في منازل الأطفال، إلا أنها مصغرة وبجانبها مطبخ تحضيري، استطعت بعدها استخدامه لتعليم الأطفال بعض التحضيرات الخفيفة للأكلات باستخدام القياسات الرياضية في المقادير، إذ أتقن الطلبة تحضير كوكتيل المرح، وهو عبارة عن عصير بالفواكة، إلا أن الهدف من تعليمهم طريقة التحضير ليست هي هدف بذاتها إنما كانت وسيلة لمعرفة القياسات الرياضية التي تم أخذها للعصائر قبل إضافتها وخلطها مع بعض، وبذلك يتعلم الطفل القياسات الرياضية كالمليمتر وغيرها من خلال تحضيره للكوكتيل، كما يمكن أن تكون إثراء للطفل للاعتماد على نفسه في تحضير وجباته. كما يضم الفصل قسم المخزن الذي وضعت فيه جميع الألعاب التعليمية التي اشتريها من معارض الكتب التي استخدمها في التدريس وكذلك الملابس الخاصة بحصة الهندسة وأخرى للفنية لكل طالب. أما القسم الثاني من المساحة الطولية التي أضفتها للفصل، فخصصت جزءاً كبيراً منه للألعاب وسميتها أرض العجائب، وأحضرت لعبتين اختارها الأطفال بأنفسهم، واستخدمها حالياً للمعلومات الإثرائية في قياس أطوال اللعبتين وقطر الدائرة، مؤكدة أن الطفل حين يسمع مصطلحات علمية حين يطلب منه قياس طول اللعبة، أو قطرها يستدركها مباشرة، رغم أنها معلومات إثرائية، إلا أن الطفل يتعلمها من خلال الألعاب، وترسخ المعلومة أكثر في ذهنه وما زالت مساحة كافية لإضافة لعبة أخرى لأرض العجائب، إلا أنني استغل تلك المساحة لأعلم الأطفال طول اللعبة المطلوب إحضارها في تلك المساحة، وحولت ذلك الأمر إلى أحجية لأختبر قياس ذكاء الطفل في اختيار طول اللعبة المناسب. أما القسم الأخير من المساحة فخصصته لدورة مياه للأطفال، وأعلمهم مبادئ النظافة من خلاله، مؤكدة أن الفصل بتحويله إلى فصل متكامل أصبح عنصراً جاذباً لكل طلبة المدرسة، لاسيما الطلبة الذين تخرجوا منه قبل عامين، وبالتنسيق مع إدارة المدرسة، ومعلماتها، كل من يريد استخدام الفصل أترك له حرية المشاركة، بشرط أن تكون كحافز للطلبة المتميزين. ‫الخليج زارت مدرسة سالم بن سهيل للتعليم الأساسي في منطقة المنيعي، والتقت الطلبة الذين درستهم المعلمة ناعمة وفق الفصل المتكامل، حيث أكدوا أن أبرز ما يتذكرونه من تدريس المعلمة ناعمة هوجدول الضرب، كما أكد عدد منهم أنهم يتذكرون قيامهم بصبغ جدران الفصل والتجارب التي شاركوا فيها. أسرة واحدة وتؤكد ناعمة محمد، معلمة المجال الثاني رياضيات وعلوم، أنها كمعملة استطاعت أن تجعل طلبة الفصول التي تدرسها والبالغ عددهم 32 طالباً، كأسرة واحدة، إذ كل فصل يحتوي على 16 طالباً، وفي كل أسبوع لديهم رسالة التواصل الأسبوعي، أطلقت عليها لقاء الأسبوع وفيها مخطط للأسبوع المقبل، بالتنسيق مع معلمات المواد الأخرى، إذ يتم تقسيم الاختبارات والنشاطات على مدار الأسبوع، ونتفق على أن يكون يوم الأحد خالياً من الاختبارات كي يأخذ الطالب وأسرته راحتهم في الإجازة الأسبوعية، وتتضمن الرسالة صورة للطالب المجتهد على مدار الأسبوع، أو الفائز في مسابقة مثلاً، لذا يتنافس الطلبة على الإنجاز لكي توضع صورتهم في لقاء الأسبوع، كما تتضمن تلك الرسالة رسائل اجتماعية نبارك فيها بالمناسبات الاجتماعية لأسر الطلبة التي يحرصون فيها على إعلامي عنها بإيعاز من أسرتهم، لنبارك لهم من خلال الرسالة، سواء كانت المناسبة للانتقال للمنزل الجديد أو استقبال مولود، وغيرها من المناسبات، التي يوضع بجانبها صورة الطالب المعني، وبذلك نكون قد وثقنا العلاقات الاجتماعية بين أولياء الأمور. وتؤكد ناعمة أن رأي أولياء الأمور له اعتباره في العملية التربوية، موضحة أنه إذا كانت ملاحظاتهم متركزة على جانب معين كإحضار وترتيب ملف الإنجاز، فتحاول أن تدرس الملاحظة، وتغيرها لتتناسب مع أولياء الأمور، وتسهم في الوقت ذاته في تحفيز الطلبة، فقد غيرت الملف وخصصت لكل طالب ملفان، الأول يخصص له ويوضع الطالب نفسه نسخاً من أوراقه فيه كما يحمله معه للمنزل لإضافة الأنشطة. نتائج بارزة وتضيف لم أشارك في الجوائز التربوية، لأن جهدي منصب حول كيفية إتقان العمل وإبراز نتائج طرق التدريس التي أنتهجها، والتي أركز فيها على تشكيل شخصية الطالب، وأدعم ثقته بنفسه، وأوصل له المعلومة من خلال اللعب والتجارب المسلية، والتي اكتشفت مقدار فائدتها من خلال ملاحظات المعلمات الأخريات اللواتي أكدن أن طلبة الفصل الذين طبقت معهم تلك الطريقة قبل عامين، يتمتعون بشخصيات قيادية وقادرين على تحمل المسؤولية وفي الوقت نفسه محافظين على النظام والانضباط ويمتلكون مهارات التفكير الإبداعي. وأضافت كما ثبت تميزهم من خلال تفوقهم الدراسي، إذ أثبتوا جدارتهم في التحصيل الدراسي، وتبين ذلك من خلال الدراسة التي أطلقت عليها صفي عالمي الممتع وبينت فيها أثر البيئة الصفية في التحصيل الدراسي للتلاميذ في الصف الثالث، والذين طبق عليهم نموذج التدريس من الصف الثاني، تبين فيها أن الشريحة الأكبر حصلت في مادة الرياضيات على تقدير ممتاز كانت بنسبة 77%‬ في الفصل الدراسي الأول، وارتفعت في الفصل الدراسي الثالث ووصلت إلى 83‬% فيما ارتفعت نسبة الطلبة في المادة ذاتها بشكل عام من 90% إلى 95%. طريقة التحفيز مريم الدهماني، مديرة مدرسة سالم بن سهيل للتعليم الأساسي، أكدت أن معلمة مجال ثاني ناعمة راشد استطاعت من خلال طريقة شرحها للدروس وطريقة تعليمها للطلبة أن تتحول من طريقة التلقين إلى التحفيز، إذ إن الأغلبية من المعلمين يعتمدون على طريقة التلقين بشكل أساسي في العملية التدريسية، أما هي فقد نجحت في استثمار مهاراتها في تحفيز الطلبة واستطاعت أن توفر لها البيئة المحفزة لها، وللطلبة كذلك، مما جعل طلبتها يتبؤون مراكز متقدمة ليس فقط في المناهج التعليمية إنما في شتى المهارات كالإلقاء والخطابة، كما عززت ثقتهم بأنفسهم وأصبح الأغلبية منهم لديهم جرأة تختلف عن نظرائهم في الفصول الأخرى. وأكدت الدهماني، أن المدرسة بنيت في بداية السبعينات من القرن الماضي، وتعد قديمة جداً، وتحتاج لإحلال، إلا أن المعلمة أثبتت أن أي موظف قادر على تحويل بيئته كيفما أراد إذا كان محباً لعمله ومخلصاً له ولن يصده أي عراقيل. ونوهت المديرة بأنها كولية أمر، مرت بتجربة شخصية مع المعلمة ناعمة، إذ كان ولدها الذي يعاني ضعفاً في السمع، وفي بداية ذهابه لرياض الأطفال كان انطوائياً وخجولاً، ويرفض الذهاب للروضة في كثير من الأحيان، إلا أنه مع انضمامه للمدرسة في فصل المعلمة ناعمة تغيرت طباعه وأصبح يذهب للمدرسة بكل حيوية واندفاع، كما يرفض أن يغيب لو ليوم واحد، والملاحظة الأكثر انبهاراً لي كولية أمر أن طفلي لم يعد خجولاً كما كان في السابق، وأصبحت إعاقته في ضعف السمع لا تؤثر فيه بتاتاً، وهو حالياً في الفصل الرابع، وانتقل من فصل المعلمة التي أسسته إلا أنه مازال مواظباً ومجتهداً في دروسه.

مشاركة :