الجزائر - قبل أيام من بداية شهر رمضان يقف العالم العربي أمام مفارقة صنعتها جائحة فايروس كورونا في توقيت صعب، فقد فرض الوباء التباعد في الشهر الذي يكاد فيه التواصل والتقارب أن يكون من العبادات، والسهر من التقاليد التي لا توقفها أنواء ولا أحوال جوية مهما كانت صعبة. شهر الصيام عند العرب والمسلمين هو شهر التزاور الأسري والتجمع والتدبر في أمور الدين والعمل الخيري والتقارب العائلي، وقضاء السهرات في المنازل والمقاهي حتى موعد السحور. لكن سيتخلف الصائمون هذه السنة عما اعتادوا عليه خشية أن تكون تلك العادات سببا في انتشار الوباء بين العائلات والأصدقاء. ولعل الفئة الأكثر تضررا من هذه الجائحة، ستكون من المحرومين والفقراء الذين دائما ما يلجأون إلى موائد الإفطار الجماعي، فغالبا ما تنظم الجمعيات والمساجد موائد إفطار جماعية لمئات الأشخاص طيلة الشهر، وهناك حتى من يقوم بها بمبادرة فردية من أصحاب المال. وإذا كان الوباء سيسرق من الصائمين بعض الأجواء التي ينتظرونها طيلة السنة، إلا أنه سيساهم في تخلص ربات البيوت من عادات مثل التهافت على شراء المؤونة، حيث سيكون المطبخ العربي من بين المتأثرين بالجائحة، وهو المعروف بتنوع أطباقه واختلاف أذواقه. وفي رمضان تكون المناسبة ممتازة لإعداد أنواع مختلفة من الأكلات الشعبية الشهيرة والمختلفة في البلدان العربية وغالبا ما تكون الأسواق الشعبية هي مصدر المستلزمات والمقادير. في أسواق وشوارع مدينة القاهرة المترامية التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة ولا تهدأ فيها الحركة في العادة تقريبا كان للفايروس تداعيات كارثية، رغم أنها زينت بالفوانيس التقليدية والأضواء. ويتم في العادة أيضا تزيين المطاعم والمقاهي بهذه الأضواء، ولكنها مغلقة هذا العام بسبب الفايروس ما يجعل شهر رمضان مختلفا. قال صاحب تجارة بجوار مسجد السيدة زينب التاريخي اسمه سمير الخطيب “الناس لا يريدون زيارة المحلات. يخافون من المرض. هذه أسوأ سنة على الإطلاق. مقارنة بالسنة الماضية لم نبع حتى الربع”. وخلال رمضان يرص الباعة في شوارع العاصمة المصرية مناضد عليها التمر والمشمشية والفواكه المجففة التي يفطر عليها الصائمون ويعرضون أشكالا شتى من الفوانيس الملونة. غير أن السلطات فرضت هذا العام حظر تجول ليلي ومنعت صلاة الجماعة وغيرها من الأنشطة. وكان من بين من جازفوا بالخروج من بيوتهم ناصر صلاح عبدالقادر (59 عاما) المدير ببورصة الأوراق المالية. قال عبدالقادر إن الجو السائد هذا العام ليس جوا رمضانيا على الإطلاق موضحا أنه اعتاد المجيء إلى السوق وكانت الأغاني الرمضانية تتردد من جنبات السوق والناس منتشرون في كل مكان يكادون أن يقضوا وقتهم كله في الشارع. وفي العاصمة السورية دمشق، قال يونس (51 عاما) داخل متجر لبيع الألبسة “قمت بادخار مبلغ من أجل رمضان، لكن قمت بإنفاقه بدلا من ذلك على شراء أشياء للحجر الصحي والوقاية من الفايروس”. وأضاف “لا ولائم ولا زيارات هذا العام.. أشعر أن الفايروس يحاصرنا أينما ذهبنا”. ورغم استمرار فتح الأسواق الخاصة بالخضروات والمنتجات الغذائية منذ إعلان حالة الطوارئ، إلا أن عددًا من الأسواق في المغرب اختار التواري عن الأنظار، وهو ما ضيع على المواطنين فرصة أخرى من الفرح بقدوم شهر رمضان، حيث كانت الأسواق قبل هذه الجائحة، وفي مناسبات مثل رمضان، تعج بالمواطنين. وفي تونس بدت أسواق المدينة العتيقة خالية من كل الزبائن والزيار في هذه الفترة التي من المفترض أن تكون مكتظة، كما أن أصحاب المقاهي ومتاجر الهدايا لم يزينوا محلاتهم لاستبقال الساهرين في الليل. Previousويقول خبراء علم الاجتماع إن التغيير الذي يطبع أجواء رمضان في هذه الجائحة جاء اضطراريا، لكن لا يمكن أن يغير سلوك الصائمين في ما يخص العادات التي اعتادوا عليها منذ أجيال وسنوات. ومن أبرز مظاهر رمضان التي لن نشهدها هذه السنة، هي التجمعات العائلية الكبيرة، وذلك بسبب القوانين الصارمة التي تفرض على الجميع البقاء في المنزل. في الجزائر اعتادت يمينة هرماش (67 عاما) استقبال أقاربها وجيرانها في بيتها لتناول الشاي والمرطبات خلال الشهر، لكنها تخشى أن يكون رمضان هذا العام مختلفا. قالت “قد لا نزورهم وهم لن يأتوا. فايروس كورونا جعل الجميع خائفين حتى من الضيوف المميزين”. وفي بلد أغلقت فيه المساجد، يشعر زوجها محمد جمودي (73 عاما) بالقلق من شيء آخر، يقول “لا أتصور رمضان بلا صلاة التراويح”. السهر لا يقتصر على الجزائر أو دول شمال أفريقيا، بل هي عادات تشترك فيها كل الدول العربية، حيث تجتمع النساء من الجيران والأقارب خاصة بعد أن يخرج الرجال إلى صلاة التراويح والمقاهي، يتابعن التلفزيون ويتناول الشاي والقهوة والحلويات. ومن العادات التي سيحرم منها الخليجيون “الغبقة”، حيث تجتمع العائلة كل يوم في منزل أحدهم لتناول أطباق الحلوى، و”الجريش”، و”الهريس”، و”اللقيمات”، في تجمعات خاصة للنساء وأخرى للرجال، وهو ما لا يبدو أنه سيكون حاضرا هذا العام. وإذا كانت الأسواق مقفرة، فإن المقاهي في الليالي الرمضانية ستكون مغلقة أيضا بسبب الحجر الذي أقرته كل الدول العربية، المقاهي التي كانت تجمع فئة الشباب خاصة حول القهوة العربية والشيشة في أجواء من ألف ليلة وليلة. الشباب سيجتمعون وستكون سهراتهم حتى موعد السحور، لكنها ستكون لقاءات افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتسامرون ويلعبون في ظل التباعد الاجتماعي. وفي معظم الدول العربية، يتساءل أصحاب المطاعم عن كيفية تقديم وجبة الإفطار للمحتاجين ومطاعمهم مغلقة في حين أن الجمعيات الخيرية في أبوظبي التي تقدم الإفطار للعمال أصحاب الأجور المنخفضة الوافدين من جنوب شرق آسيا لا تدري ماذا تفعل في ضوء إغلاق المساجد. وبسبب انتشار الفايروس يقول محمد أسلم المهندس الوافد من الهند الذي يعيش في شقة من ثلاث غرف بوسط مدينة أبوظبي مع 14 شخصا آخرين إنه أصبح عاطلا عن العمل. واضطر أسلم للاعتماد على التبرعات الخيرية في طعامه نظرا لإغلاق الشقة التي يعيش فيها بعد أن تأكدت إصابة أحد سكان المبنى بالفايروس.
مشاركة :