صدر العدد (62) من مجلة "ذوات" الثقافية العربية الإلكترونية، الصادرة عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، مخصصا ملفه الرئيسي لموضوع "الشعر والدين: بين التجاوب والتوتر".ويأتي هذا الملف ليسلط الضوء على علاقة الشعر بالدين، العلاقة المتشعبة، التي يشوبها في بعض الأحيان الكثير من التوتر، بسبب المعيار الديني العقدي الذي يلجأ إليه بعض المتشددين في الحكم على الأعمال الشعرية، وتكفير أصحابها لمجرد أنهم استلهموا بعضا من النصوص القرآنية المقدسة في أعمالهم، لأن هذا هو أس الأصولية الدينية التي تكفر كل شيء يقترب من الدين الإسلامي، معززين بذلك وهم "الأدب الإسلامي"، المنكر للثقافة العربية القديمة، والجاهل بالحدود المعرفية، وهذا للأسف هو ما نشهده في السنوات الأخيرة مع المد الأصولي، وتكفير العديد من الشعراء، وبل حتى الفنانين، لمجرد أنهم تجرأوا على استلهام القرآن في أعمالهم.ليس هذا التشعب هو كل ما يسم علاقة الشعر بالدين ويفتحها على احتمالات عديدة، بل ثمّة أيضًا، كمتا يقول الناقد المغربي الدكتور خالد بلقاسم، معد هذا الملف، الجذور البعيدة لهذه العلاقة، سواء أارْتَبَطَ الدين، في هذه الجذور، بديانات التوحيد أم بديانات وثنية، وهو ما يجعل المعرفة بمَوضوع العلاقة بين الشعر والدين رهينة بالحفر عن تجلياتها في الماضي البعيد، بغاية استشكال هذه العلاقة وإنتاج معرفة ببعض قضاياها، قبل تأمل امتداداتها في الوضع الجديد الذي وجد الشعر العربي نفسه في مواجهته لما ظهر الإسلام.تتعدد مواقع استشكال العلاقة بين الشعر والدين، بصورة تظهر تشعب قضايا هذه العلاقة، ذلك أن هذه القضايا تتعلق بمسافة نظرية وفكرية بين طرفين شديدي التعقيد. وهو ما يجعل كل تجسير لهذه المسافة مقترنا بتصور الشعر وبتصور الدين، وبالمعرفة التي ينتجها كل منهما. إن هذا التصور هو ما يتحكم في كل محاولة لبناء هذه العلاقة نظريا وفكريا. ولهذا يمكن تعيين بعض مواقع استشكال هذا الموضوع انطلاقا من الأسئلة التالية: ما الفرق بين المعرفة الشعرية والمعرفة الدينية؟ ما موقف الدين من الشعر؟ وما رؤية الشعر إلى الدين؟ ما الفرق بين الشاعر والنبي؟ ما الحمولة التي اتخذها مفهوم النبوة عندما وجد طريقه إلى توصيف المنجز الشعري؟ كيف اشتغل المقدس في الشعر من خارج ما هو ديني؟ فيم ينفصل بناء اللغة الشعرية، بمختلف مستوياتها، عن بناء اللغة في القرآن؟ساهم في هذا الملف إلى جانب معده الناقد والمترجم المغربي الدكتور خالد بلقاسم، الذي قدم له بمساهمة بعنوان "الشعري والديني: اتصال أم انفصال؟"، كل من الشاعر والناقد التونسي الدكتور منصف الوهايبي بـمقال بعنوان "بين المعرفة الشعريّة والمعرفة الدينية"، والناقدة اللبنانية الدكتورة نايلة أبي نادر بمقال "الدين والشعر في تداول المعنى"، والناقدة التونسية حياة الخياري بمقال "الشعر والدين: سيمياء الخلق بين الإمكان والتحقق"، والناقد المغربي الدكتور يوسف ناوري بمقال "الشعر وسؤال المقدس"، فيما تم تخصيص حوار الملف للشاعر المصري أحمد الشهاوي، لأن مجمل أعماله الشعرية انشغلت بجزء من القضايا التي تثيرها علاقة الشعر بالقرآن، ولأن ممارسة هذا الشاعر النصية حرصت على استثمار هذه العلاقة بنفس صوفي، مكن الجسد من حضوره ومن متعته في آن، زيادة على أنه تعرض للتكفير بسبب استلهامه للنص القرآني في أعماله الشعرية.وإضافة إلى الملف يتضمن العدد (62) من مجلة "ذوات" أبوابا أخرى متنوعة تغني الملف، من بينها سؤال ذوات، وبورتريه ذوات عن الشاعر المغربي محمد بنيس.
مشاركة :