مصدر الصورةGetty Images في الوقت الذي تشير فيه كل التوقعات إلى أن الحجر الصحي سيستمر لبعض الوقت، كثرت الأسئلة على مواقع الإنترنت حول تأثير الحجر الصحي على العلاقات العاطفية. وبينما تساءل البعض عن فرص المواعدة في ظل التباعد الاجتماعي، فقد تساءل آخرون عن كيفية ممارسة الجنس بآمان دون الإصابة بالعدوى. لكن الكثير من التساؤلات ركز على الحياة العاطفية، فكيف نحافظ على سلامة واستمرارية علاقاتنا العاطفية أثناء الوباء، بعدما فرض العزل المنزلي على الكثيرين إما قضاء وقت أطول كثيرا أو أقل بمراحل مع شركاء حياتهم؟ وذكرت جيني هاريس، نائبة رئيس الهيئة الطبية بإنجلترا، في معرض حديثها عن تشديد الإجراءات استجابة لوباء كورونا المستجد، أن العزل الذاتي قد يكون فرصة للمقبلين على الزواج لتقييم قوة مشاعرهم، فإما أن يقرر كل منهما الانتقال للعيش معا أو يبقى كل منهما في منزل منفصل حتى ينحسر الوباء منعا لنقل العدوى من منزل لآخر. وإذا كنت تقضي فترة العزل الذاتي بعيدا عن شريك حياتك، لن تمر فترة طويلة حتى تشتاق إليه، لأن العزل سيحرمك من التلامس البدني. ويقول كوري فلويد، الأستاذ بجامعة أريزونا، إن الحرمان من التلامس البدني لا يمكن تعويضه بالمحادثات الهاتفية أو المرئية. ولهذا ابتكرت بعض الشركات حلولا تكنولوجية للاستعاضة عن التلامس البدني، منها وسادتين متصلتين بالإنترنت تضيء إحداهما وتصبح دافئة عندما يحتضن الطرف الآخر الوسادة الأخرى، وغيرها من تقنيات التلامس عن بُعد. وتحدثت آمي ميوز، من جامعة يورك، في إحدى الدراسات، عن وجود ما يعرف بـ "الحنين إلى العلاقات السابقة" لدى أغلب الناس، وذلك حين يفكر المرء في علاقات حميمية سابقة أو شركاء حياة سابقين لعدم رضائه عن حياته الجنسية. لكن الاستغراق في التفكير في التجارب الممتعة السابقة قد يضر بالصحة النفسية. وتتحدث كاثرين ماغوير، الأستاذة بقسم الاتصالات بجامعة واين ستيت، عن آثار الخطاب المكتوب بخط اليد في تخفيف لوعة الحنين، لأنك تمسك خطابا يحمل آثار شريك الحياة، وترى خط يده، وبإمكانك شم العطر الذي يضعه، وكأنه معك.مصدر الصورةGetty Images لكن بُعد المسافة بين شركاء الحياة قد ينعكس إيجابا على علاقاتهم العاطفية، بل إن بقاء شركاء الحياة في منزل واحد أثناء الحجر الصحي قد يعرضهم للضغوط النفسية، إذ لم يعتد هؤلاء على الوقت الطويل الذي يقضونه معا الآن. وتداخلت الحياة العاطفية مع العملية والمنزلية. وتنصح إيرين سالستاين بارسيل، خبيرة تواصل عائلي بجامعة ويسكونسين ميلواكي، بأهمية قضاء بعض الوقت بعيدا عن شريك الحياة، أو على الأقل البقاء في مكان واحد لكن كلا منهما يعكف على اهتمامته أو احتياجاته الخاصة. وتقول بارسل إن شركاء الحياة الذين تفصل بينهم مسافات طويلة تعلموا الحفاظ على اهتماماتهم الخاصة وفرص إيجاد حيز خاص بهم. وأثبتت دراسات أن الاشتياق لشريك الحياة يقوي العلاقة العاطفية، إذ لاحظ الباحثون أن الطلاب الذين ذكروا أنهم يفتقدون شركاء حياتهم أثناء الإجازة القصيرة، كانوا أكثر التزاما نحوهم عندما اجتمع شملهم، وبذلوا محاولات أكثر للحفاظ على العلاقة وطمأنة شركاء حياتهم. وتقول أمي جانان جونسون، أستاذة بقسم الاتصال بجامعة أوكلاهوما، إن الكثير من الأبحاث أثبت أن شركاء الحياة الذين تفصل بينهم مسافات طويلة ليسوا أقل سعادة من نظرائهم الذين يعيشون معا، فهم يحاولون أن يكونوا أكثر مثالية، وقد يتغافلون عن المشاكل الطفيفة التي تزعجهم منهم.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption يُنصح شركاء الحياة الذين يبقون معا في المنزل أثناء الحجر الصحي بأن يقضوا بعض الوقت في نفس الغرفة، لكن كلا منهما ينشغل باحتياجاته واهتماماته الخاصة لكن الكثير من الأبحاث شدد على أهمية الحفاظ على التواصل بين شريكي الحياة الذين تفصل بينهما مسافات طويلة، للحفاظ على استمرارية العلاقة بينهما. وترى بارسل أن بُعد المسافة بين شركاء الحياة يتيح لهم التركيز على تحسين أنفسهم وتقوية العلاقات الأخرى، مثل علاقات الصداقة، التي قد تؤثر إيجابيا على العلاقة العاطفية. وتقول إن هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن بُعد المسافة بين شريكي الحياة يسهم في الحفاظ على صحة العلاقة العاطفية بينهما. وتقول بارسل إن شركاء الحياة الذين اعتادوا قضاء وقت طويل بعيدا عن بعضهم بعضا يتعلمون تقسيم الوقت حتى يستمتعون بوقتهم معا عندما يجتمعون، ويستمتعون بوقتهم بمفردهم عندما يفترقون.فيروس كورونا: الجنس والمواعدة في زمن الإغلاقعندما يكون لم الشمل مضرا غير أن شركاء الحياة الذين يعيشون بعيدا عن بعضهم، يواجهون تحديا أصعب، وهو العودة للعيش تحت سقف واحد. إذ أشارت أبحاث أجريت على عائلات الجنود العسكريين أو الأزواج الذين ينتقلون من بلد لآخر، إلى أن الزوجين بعد العودة معا يجدان نفسيهما في مفترق طرق، فإما أن تنجح علاقتهما أو يتفرقان. وتقول جونسون إن الأبحاث التي أجريت على العائلات كشفت عن أن الخلافات تشتعل بعد التقاعد، بسبب اختلال التوازن بين الاستقلالية والاتصال. فعندما يعمل الزوجان، يتمتع كل منهما بالاستقلالية في العمل، لكن عندما يتقاعدان يجدان نفسيهما مرغمين على التحدث معا لساعات طويلة يوميا.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption أشارت دراسات عديدة إلى أن التواصل هو سر الحفاظ على صحة العلاقة العاطفية رغم بعد المسافات وتنبه ماغواير إلى تحد آخر، وهو أن تفترض أن الفترة التي قضاها شريك حياتك بعيدا عنك لم تؤثر على شخصيته. وتنصح ماغواير بأهمية التعرف على شريك الحياة من جديد بعد عودته إلى المنزل.البقاء في المنزل مع شريك الحياة قد يكون صعبا أيضا لا شك أن الحجر الصحي صعب على الجميع، إذ أشارت معظم الدراسات إلى أنه يؤدي إلى الملل والإحباط والغضب على المدى القصير. وربطت بعض الدراسات بين طول فترات العزل المنزلي وبين أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وأثيرت مخاوف مؤخرا حول تأثير تدابير تقييد حركة المواطنين على ضحايا العنف المنزلي، سواء كانوا أطفالا أم بالغين، ولا سيما أن الإيذاء البدني والنفسي يصعب معالجته في الوقت الراهن بعد إغلاق مراكز دعم ضحايا العنف المنزلي. وربما يكون الشريك المسيء فقد وظيفته أو يعمل من المنزل، وبات من الصعب على الضحية في ظل تشديد القيود على الحركة، تبرير الخروج من المنزل لمهاتفة مراكز دعم ضحايا العنف المنزلي.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption دق الخبراء ناقوس الخطر من انخفاض عدد المكالمات الهاتفية على خطوط المساعدة الهاتفية المخصصة لتلقي شكاوى العنف المنزلي، رغم أن الأدلة تشير إلى ارتفاع معدلات العنف المنزلي وتقول رينيه فرانويك، أستاذة علم النفس بجامعة أورورا بولاية إلينوي، إن صعوبة الوصول إلى مراكز الدعم النفسي تثير مخاوفنا الآن، ولا سيما أن الضحايا لا يمكنهم اللجوء إلى منازل أصدقائهم إذا أرادوا الهروب من المنزل. وارتفعت حالات العنف المنزلي في الكثير من الدول بسبب الحجر الصحي. إذ تشير تقارير إلى أن معدلات العنف المنزلي زادت في إسبانيا بمقدار الخمس، وفي فرنسا بمقدار الثلث، وينسحب الأمر نفسه على المملكة المتحدة والولايات المتحدة والصين. لكن المقلق في الأمر أن التقارير تشير إلى انخفاض عدد المكالمات على خطوط المساعدة المخصصة لتلقي شكاوى العنف المنزلي. ولاحظت بعض المؤسسات الخيرية في المملكة المتحدة ارتفاع طلبات الاستغاثة عبر موقعها على الإنترنت، بينما انخفض عدد المكالمات الهاتفية إلى حد مثير للقلق. وفرضت بعض الدول عدة تدابير لمساعدة ضحايا العنف المنزلي، إذ تؤجر الحكومات الفرنسية والإيطالية والإسبانية غرفا في الفنادق لمن يثبت أنه تعرض للعنف المنزلي. وتحذر فرانويك من عواقب الحجر الصحي طويلة المدى على ضحايا العنف المنزلي، ولا سيما بعد أن فقد الكثيرون وظائفهم. وتقول إن فقدان الوظائف قد يرغم الضحية على البقاء في علاقة مع شريك حياة مسيء حتى بعد رفع القيود على حركة المواطنين.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption من المهم أن يتعرف شريكا الحياة على بعضهما بعد اجتماع شملهما، وأن يدرك كل منهما أن الطرف الآخر قد تغير أثناء غيبته كيف تستعد لاجتماع الشمل مع شريك الحياة لكن في جميع الأحوال، ستكون عودة الحياة إلى طبيعتها صعبة على الجميع. إذ لم يكن أكثرنا معتادا على قضاء وقت طويل مع العائلة وقصير مع الأصدقاء. ومع أننا لا نعلم بعد متى ستُرفع القيود على حركة المواطنين، إلا أن بارسل تنصح بالنظر إلى إيجابيات البقاء بعيدا عن شريك الحياة، وعدم توقع أن يكون الوقت الذي ستقضونه معا بعد غياب طويل مثاليا. وتنصح بارسل بعدم تأجيل تسوية الخلافات إلى حين عودة شريك الحياة، حتى لا يتراكم الغضب بسبب كبت المشاكل وتأجيل مناقشتها. وتقول إن تأجيل المواجهة أثناء الغياب وعند اللقاء، يدخل شريكي الحياة في دائرة مغلقة تقود العلاقة إلى الفشل. وتذكّر ماغواير أيضا شريكي الحياة اللذين يبقيان معا في الحجر الصحي بأن ضغوط الحجر الصحي ليست دائمة وسوف تزول مع الوقت. وتقول بارسل إن هذه الفترات كاشفة عن بعض مزايا بُعد المسافات بين شريكي الحياة وبعض عيوب بقائهما لفترة طويلة تحت سقف واحد، ولعلنا نتعلم منها دروسا تفيدنا بعد زوال الوباء. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
مشاركة :