عزيزي الزوج... إذا كنت من الذين يسكنون في الشقق سواء في العمارات الاستثمارية أو المناطق السكنية المخصصة للعوائل... فهذا المقال موجه لي ولك تحديداً.أشعر أنني في حاجة إلى البدء بكلمة «تشير الدراسات» لأني أعلم أن هذا سيعطي المقال مصداقية أكثر، لأن الناس غالباً تصدق كل ما يأتي بعد كلمة «تشير الدراسات»، ولكني للأسف لا أملك في جعبتي أي دراسة عن الموضوع الذي أكتبه لك الآن، لذلك سأقول: تشير التجربة بأن المشاجرات والمشاحنات تزيد بين الأزواج في هذه الفترة تحديداً وبسبب إجراءات «كورونا»، وربما تزيد بشكل طردي كلما زاد عدد الأبناء وعدد سنوات الزواج في الشقة الصغيرة نفسها.ماذا يعني هذا... يعني أنه في شققنا الصغيرة التي نعيش فيها حتى يأذن الله بانتهاء المدن الإسكانية، تزيد المشاحنات بين الأزواج نتيجة العطلة الحكومية والنفسية المصابة بالقلق والخوف من المجهول وعدد أبناء من 3 إلى 5 بالإضافة إلى عدد سنوات زواج من 5 إلى 10 وزد على ذلك حظر تجول من 4 مساء إلى 8 صباحاً، ومع عدم توافر مساحات للخصوصية، يجد الأزواج والأبناء أنفسهم مقابلين بعضهم البعض على الأرائك ومحاط بهم كم هائل من المعطيات التي تجعل الرجل يبدو كمن ينتظر عراكاً في أي لحظة، وتغيب قيمتا الصبر والابتسامة عند المرأة، وتحل محلها مشاعر التحفظ والتحفز.ثم ماذا...؟ ثم تندلع مشاجرة بين الأزواج أمام أبنائهم ويسمعها كل من يسكنون بجانبهم وفوقهم وتحتهم، ويسمع الجيران الصياح والكلام غير المباح ويصبح الأمر برمته أشبه بحديث السلالم بين جارتين إحداهما في الطابق العلوي والأخرى أسفل منك، وأحاديث السلالم تجبر الجميع على سماع ما لا يهمهم وفي الوقت نفسه يصبحون غير قادرين على التدخل.بالتأكيد أن مثل هذه الأمور تحدث في البيوت الكبيرة كما تحدث في الشقق الصغيرة، ولكن عندنا نحن أصحاب الشقق... أصبحنا نسمع بعضنا البعض كثيراً في الفترة الأخيرة!تزايد حالات لمشاجرات بين الأزواج والعنف المنزلي بسبب حظر «كورونا» تم رصده أيضاً في أستراليا، وإيطاليا، والولايات المتحدة وفقا لما سجلته محركات البحث في «غوغل» بزيادة قدرها 75 في المئة للبحث عن مساعدة خلال إجراءات الإغلاق التام للخدمات غير الأساسية.إن ما هو أهم من البيوت الكبيرة أو الشقق الصغيرة هو مهارات التواصل بين من يسكنون فيها... تقل العلاقة بين حجم السكن وبين المشاكل الزوجية إذا زادت العلاقة بين مهارات التواصل والتفهم والحنو والرعاية وقيم مثل الاحترام والتقدير والمحبة والتسامح وذكر الله.إن الفرصة التي خلقتها الظروف المحيطة من إجراءات احترازية ووقائية، والتي سمحت للأسرة أن تجتمع بهذا العدد من الساعات، لهي فرصة عظيمة يمكن من خلالها لملمة الشتات الكبير خلال العقد الماضي، وتعرُف الأسرة على بعضها البعض بشكل أعمق وأكثر وضوحاً ومحبة.في البيوت التي لا يذكر فيها اسم الله، ويتباعد أفرادها طوال الوقت، وتضيق صدورهم على بعضهم البعض بمساحات أضيق من صدر الكافر بكل ما هو جميل، البيوت الفاقدة لفن تجربة أن تكون قادراً على وقف الكلمة بعد أن تصل إلى أطراف اللسان، في بيوت كتلك يصبح النوم هروباً من كابوس صنعه الواقع المُعاش خلال السنوات الماضية وليس الإجراءات الاحترازية لزمن كورونا، ولا يصبح النوم حاجة بيولوجية فقط، ولكنه أيضاً حاجة نفسية وروحية للتخلص من صور ذهنية ثقيلة يحملها الأفراد في البيت الواحد لبعضهم البعض. إن البيت الخالي من الأوراق والكتب ومهارات التواصل والرغبة في الحديث والإنصات سيكون بيتاً مليئاً بالشواحن والأسلاك والشاشات... والعكس صحيح.والآن عزيزي الزوج، إذا وجدت أن المكتوب في الأعلى ثقيل على نفسك، فعندي لك وصفة «كيف تصبح زوجاً رائعاً بخطوة واحدة؟»ولعل أبلغ ما قيل في هذا الصدد هو ما كتبه تلميذ أميركي في الثامنة من عمره، اختار موضوعاً للتعبير عنوانه «أبي». فكتب: إن أبي يستطيع أن يتسلق أعلى القمم والجبال ويسبح في أكبر المحيطات ويقود أضخم وأسرع الطائرات ويصارع أقوى النمور... إنه يستطيع أن يفعل أي شيء وهو طيب ووديع دائماً أمام أمي التي تصرخ عليه يومياً لينظف المواعين التي اكل فيها.@moh1alatwan
مشاركة :