في شهر رمضان تشهد الأحياء والحارات القديمة حركة دائبة تستعيد من خلالها الكثير من مظاهر الفرح والسعادة بقدوم الشهر المبارك، والذي يُعد شهراً للخير والرحمات، ومن أهم هذه المظاهر المعبرة عن الفرح «فوانيس رمضان»، التي يحملها الأطفال ليلاً ويدورون بها الحواري والأحياء وهم يرددون: «رمضان جانا»، و»هل هلالك يا رمضان»، بشكل يعيد للأذهان الكثير من صور الماضي الجميل التي كانت سائدة في مجتمعنا إلى وقت قريب. وبدأت تظهر فوانيس رمضان في الأسواق بشكل كبير، من خلال عرض العديد من أشكالها في الكثير من المحلات قبل مقدم رمضان بفترة كافية، وتُشكّل الفوانيس أحد أبرز المظاهر الرمضانية في الحجاز على وجه الخصوص، حيث تحمل دلالات ثقافية واجتماعية متداخلة، فالمحال التجارية التي اعتادت بيعها في مناطق مختلفة في العروس، تجهزت قبل حلول رمضان بشهر تقريباً، من خلال توفير أنواعها للزبائن. تحضيرات فعلية وبدأت فعلياً فرق عمل اللجنة التنفيذية لمهرجان جدة التاريخية في تحضيرات وتجهيزات المواقع وإضاءة وتزيين مسار فعاليات «رمضاننا كدا 2» بالمنطقة التاريخية بخمسة آلاف فانوس رمضاني حجازي من الحجم الكبير، حيث يرتبط تزيين تاريخية جدة بالفوانيس بهوية رمضان التقليدية، وإشعار زائريه بالأجواء الرمضانية الممتعة الجميلة، التي كانت سائدة في هذا المكان، إلاّ أن تزيينه بهذا العدد الكبير من الإضاءة التقليدية، على طول مسار فعاليات «رمضاننا كدا 2»، يحمل دلالات رمزية، منها أهمية تلك الفوانيس في حياة الحارة الجداوية الرمضانية، ومحاولة من اللجان المنظمة في إحياء التراث الحجازي، بعيداً عن الإضاءة العصرية التكنولوجية. معانٍ كثيرة وللفوانيس معان كثيرة في نفوس الأطفال والأهالي، باعتبارها أحد الفنون الفلكلورية الّتي نالت اهتمام الفنّانين والدّارسين حتّى أن البعض عمل دراسة أكاديميّة لظهوره وتطوره وارتباطه بشهر الصّوم ثمّ تحويله إلى قطعة جميلة من الدّيكور العربي في الكثير من البيوت الجداوية الحديثة، اللافت وأثناء تتابع تعليق الفوانيس على الجدران، أنها تعد أحد ملامح الفرح الرمضاني بالنسبة للأهالي، الذين يقبلون على شرائها بأسعار مختلفة، حتى أن البعض يشكو ارتفاع أسعارها خاصة في الليلة الأخيرة من شهر شعبان. تجارة موسمية وليس هناك سقف محدد في التعامل مع الفوانيس، حيث تشكل أحد مظاهر الطقوس الرمضانية في الحارات الجداوية العتيقة، عبر اجتماع الأهالي قبل دخول الشهر بيومين تقريباً على تجميع «قطة جماعية»، ثم تزيين أركان حاراتهم بالفوانيس. وقال رفعت المرغلاني -أحد السكان في الهنداوية-: إن هذه عادة سنوية لا يقطعها أهالي حارته منذ أكثر من (20) عاماً تقريباً. وأوضح أحد المهتمين بتوريد الفوانيس الرمضانية على جانب سوق الشاطئ بجدة أنه يعمل في توريد الفوانيس كجزء من تجارته الموسمية في رمضان، والتي تدخل له ربح موسمي يقترب من (50%)، نظير الاقبال الكبير من أهالي جدة على شرائها. بهجة وسرور وتحدث م.سامي نوار -رئيس بلدية جدة التاريخية- قائلاً: إنه يوجد أكثر من (3000) ألف فانوس معلقة في جدة التاريخية عمودياً وجدارياً، مضيفاً أن الفوانيس كانت موجودة طوال العام وفي محلين؛ الأول في «حارة المظلوم» والثاني «في اليمن» وهي بيت النور، ويعمل علي إضاءتها شخص بين المغرب والعشاء، ويدور بها بين الحارات القديمة، لكي يبث البهجة والسرور بين الناس ويشعرهم بقدوم شهر الخير والبركات، مبيناً أنه يوجد مسحراتي زمان يجوب الحارات ويعمل علي إيقاظ الناس للصلاة، ويحمل معه الفوانيس، التي يفرح بها الكبير والصغير، لتسود المودة والرحمة بين الجميع، إضافةً إلى تنقل الأطعمة بين الجيران، وهي عادة كانت موجودة منذ القدم، سائلاً الله أن يُعيد رمضان على الجميع أعواماً عديدة. عادات قديمة وعبّر مجموعة من الأهالي عن فرحتهم الشديدة بحلول شهر البركة والرحمة والغفران، شهر رمضان، الذي يعبر لهم عن أشياء كثيرة، لاسيما في مقدمتها فوانيس رمضان، التي اعتاد عليها الأهالي والأطفال، إضافةً إلى العادات القديمة مثل «البليلة» و»الكبدة» وغيرها من العادات السائدة في شهر رمضان، إلاّ أن فوانيس رمضان تشعر الآخرين بالبهجة والسرور بقدوم هذا الشهر الفضيل وبالذات الأطفال الذين يعملون علي شراء الفوانيس وتعليقها في غرفهم أو منازلهم، مؤكدين على أن لفوانيس رمضان وقعا كبيرا في نفوس الأغلبية، داعين الله أن يجعل هذا الشهر المبارك رحمةً ومودة للجميع. وأوضح العم «محمد رمضان» أن ليالي زمان لها وقع كبير في نفسه، لاسيما أنه عاش أياماً فضيلة استعد الجميع لها لاستقبال الشهر الفضيل، مضيفاً أنه يتواجد في منطقة «باب مكة» لشراء الفوانيس الرمضانية لاحفاده، الذين ينتظرون دائماً رمضان للاحتفال به بطريقتهم الخاصة، مبيناً أن شراء فانوس رمضان يعبر لهم عن أشياء كثيرة، لاسيما الأطفال الذين يتجولون به في الشوارع وهم يحملون الفوانيس، فرحين بقدوم هذا الشهر الفضيل.
مشاركة :