وليم طعمة * رغم وسم بعض الاستثمارات بأنها إسلامية ومسؤولة اجتماعياً، إلا أنه من غير المرجح أن تتمكن معظم الاستثمارات المسؤولة اجتماعياً والمُقدمة في الدول المتقدمة من استيفاء المعايير الإسلامية. ويعود السبب في ذلك إلى أن الاستثمار المسؤول اجتماعياً لا يُعنى غالباً بالمحرمات الإسلامية، كالربا، والغرر، بحيث لا يعتبرها من المجالات التي يجب أن يتجنب التعامل فيها.وإضافة إلى ذلك، فإن عمليات الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لا تتداخل جميعها مع الاستثمار المسؤول اجتماعياً؛ فعلى سبيل المثال، يضخ الاستثمار الإسلامي استثمارات ضخمة في استخراج الموارد، بما في ذلك التعدين.غير أن السوق شهد مؤخراً طرح عدد من الصكوك الإسلامية التي تستوفي أعلى معايير الاستثمار المسؤول اجتماعياً، ومن أمثلتها طرح أول صك إسلامي صديق للبئية في ماليزيا عام 2017، حيث جمع 59 مليون دولار أمريكي لتمويل محطة لتوليد الطاقة الشمسية. وحصل هذا الطرح على تقييم «الأخضر الداكن» من قبل المركز العالمي لبحوث المناخ والبيئة (Cicero) القائم في أوسلو، بالنرويج. ويعطي المركز العالمي لبحوث المناخ والبيئة نتائج التقييمات حسب ثلاث درجات من اللون الأخضر. ويُعد اللون الأخضر الداكن أعلى تقييم يمنحه المركز، وهو تقييم لا يُعطى إلا للمبادرات والمشاريع التي تُسهم في تقليل انبعاثات الكربون على المدى البعيد، كمشاريع توليد الطاقة من الرياح.كما طرحت إندونيسيا في مارس/ آذار 2018 أول صك سيادي صديق للبيئة في اكتتاب يفوق الإصدارات بلغت قيمته 1.25 مليار دولار أمريكي.أما المسألة المهمة المتعلقة بالمنتجات التي تتوافق مع متطلبات التمويل الإسلامي والمبادئ البيئية والمجتمعية والحوكمة، فهي تتمحور حول وجود منفعة ملموسة من الاستفادة من الاستراتيجيتين على نحو متواز. وتشير دراسة أجريت حول التمويل الإسلامي والاستثمار المسؤول اجتماعياً، والتي تضمنت معاينة خمس آلاف شركة غير مالية، إلى وجود أوجه تآزر مجدية تعود بالمنفعة على كلا المجالين.وقد حصلت الشركات المتوافقة أعمالها مع الشريعة الإسلامية على نتائج تفوق الشركات المقصاة عبر عملية فحص التوافق مع الشريعة بمعدل 6%. أما نسبة الفرق بالنسبة للشركات غير المالية فقد وصلت إلى 10 في المئة. وإجمالًا، حصلت الشركات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية على نسب استثمار مسؤول اجتماعياً تفوق الشركات غير المتوافقة مع الشريعة بمقدار 10.2%.ولا يوجد ما يثبت المخاوف المتعلقة بالتأثير السلبي في الأداء بسبب القيود التي يفرضها التمويل الإسلامي، أو الاستثمار المسؤول اجتماعياً، بسبب عملية الفحص الإقصائي، على سبيل المثال. وفي عام 2015، نشر قسم إدارة الأصول والثروات التابع ل«دويتشه بنك» تحليلًا استخلاصياً عن أثر اعتبارات الاستثمار المسؤول اجتماعياً في الأداء المالي للشركات. حيث عاين التحليل 2250 دراسة أكاديمية منذ عام 1970 حتى عام 2014، وخلصت الدراسة إلى أن 62.6 في المئة من الدراسات تشير إلى الأثر الإيجابي الذي يولده الاستثمار المسؤول اجتماعياً في مستوى الأداء، بينما أشارت 10% منها إلى وجود أثر سلبي ناتج عنها. أما بقية الدراسات فكانت نتائجها حيادية الطابع.وتشير التغييرات الديموغرافية إلى إمكانية دمج وتوظيف التمويل الإسلامي مع الاستثمار المسؤول اجتماعياً في خدمة المجتمع مستقبلًا.وقد توقع «مركز بيو للأبحاث» أن يرتفع تعداد السكان المسلمين بنسبة 73% بين عامي 2010 و2050، بينما في عام 2019، تجاوزت أعداد جيل الألفية (1981-1996) جيل طفرة المواليد (1946-1964) ليصبحوا بذلك أكبر فئة ديموغرافية. ويتميز جيل الألفية بتبنيه قضية الاستثمار المسؤول اجتماعياً. فوفقاً لاستبان أجرته شركة «ديلويت»، أفاد 63 في المئة من جيل الألفية الذين أجابوا على الاستبيان أنهم يعتبرون «تحسين المجتمع» أهم من «تحقيق الأرباح».أما بالنسبة للمجتمع عموماً، ومستقبل القطاع المالي على وجه الخصوص، فإن المصلحة العامة تكمن في سيادة نظام مالي - أياً كان منشأه - يضع الرعاية الإدارية على هرم أولوياته. ويقع على عاتق التعليم المهني المستمر أن يُسهم في نشر هذا التوجه الاجتماعي الواسع، وهنا يأتي دور المحللين الماليين المعتمدين الذين يتمحور دورهم حول نشر أسمى المعايير في هذا المجال، وتأصيلها إلى جانب تعزيز القيادة الأخلاقية والأنشطة الداعمة له. * محلل مالي معتمد والرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين
مشاركة :