ماجد كيالي يكتب: الكفاح المسلح أدى دوره حتى منتصف السبعينيات (3)

  • 4/23/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد تجربة كفاحية طويل ومريرة وصعبة، عمرها 55 عاما، وعلى ضوء الإحصائيات المذكورة في المادة السابقة، والمآلات التي وصلت إليها الفصائل الفلسطينية، وضمنها محدودية قدرتها على الاستمرار بالكفاح المسلح، بات بالإمكان ملاحظة الآتي: أولا، أن الكفاح الفلسطيني من الخارج أدى دوره في استنهاض الشعب الفلسطيني وتوحيده وفرض كيانه منظمة التحرير، على الصعيدين العربي والدولي، لا سيما حتى منتصف السبعينيات. ثانيا، كان الجهد الفلسطيني في الصراع المسلح في الداخل، بعد انتهاء ظاهرة الكفاح المسلح في الخارج، أكثر فاعلية، وأكثر تأثيرا في إسرائيل، مما كان عليه وهو في الخارج. ثالثا، رغم كل تأثيرات الكفاح المسلح في الداخل والخارج إلا انه لم يصل إلى العتبة التي يؤثر فيها على إسرائيل إلى تلك الدرجة التي تضطرها لتقديم تنازلات سياسية، علما أن المثل الوحيد في ذلك، الذي يتحدث البعض عنه (المتمثل بإقامة السلطة) تم بتأثير الانتفاضة الأولى، والتي هي انتفاضة شعبية، وأطلق عليها اسم انتفاضة الحجارة، وهي استثمرت بشكل سيء (وفقا لما تم في اتفاق أوسلو 1993)،ّ في حين أن الانتفاضة الثانية، المسلحة، والتي شكلت ذروة المواجهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في غضون العقود السبعة الماضية، وألحقت بإسرائيل ثالث أكبر خسارة في تاريخها، بعد حربي 1948 و 1973 (كما أوضحنا سابقا)، أفضت إلى تقطيع إسرائيل لأوصال الضفة بالمستوطنات وبالجدار الفاصل، وفرض الحصار المشدد على غزة، والإمعان بتهويد القدس، وزيادة الأنشطة الاستيطانية، وتعزيز الهيمنة على الضفة الغربية. رابعا، يفيد درس الكفاح المسلح، في مرحلتيه في الخارج والداخل (سيما وفق تجربة الانتفاضة الثانية) أن أي عمل أن لم يضمن ديمومته واستمراريته، وفقا للإمكانيات الذاتية والمعطيات الموضوعية، لن يستطيع التأثير على إسرائيل. وقد شهدنا في تجربة الانتفاضة الثانية صعود العمليات، وزيادة الخسائر البشرية الإسرائيلية (في العام 2002)، لكننا شهدنا بعدها نزولا حادا في الجانبين (العمليات والخسائر)، عاما بعد عام (2003 ـ 2005)، إلى الحد الذي انتهت به الانتفاضة، والى الحد الذي تمكنت فيه إسرائيل من ضرب البنى التحتية لكل الفصائل. خامسا، تبعا لما تقدم، سيما فيما ذكرناه في الفقرة السابقة، ربما يفيد لفت الانتباه إلى أن الخسائر البشرية الناجمة حوادث السير في إسرائيل كانت أكثر بكثير من خسائرها البشرية، في حروبها في المنطقة، وفي خسائرها البشرية الناجمة عن الكفاح المسلح الفلسطيني. مثلا، بحسب دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل فإن عدد ضحايا حوادث الطرق القاتلة بلغ 355 شخصا في العام 2019، وهو كان بلغ 316 في 2018، و364 في 2017. سادسا، لعل ما يفترض التذكير به، في معرض الحديث عن الخسائر البشرية الإسرائيلية، أن ثمنها كان باهظا بالنسبة للفلسطينيين، إلا أن الفارق في هذا الأمر يتمثل بتقديس البطولات والتضحيات عند الفلسطينيين، وهو ما يعفي القيادات الفلسطينية من المساءلة عن حسابات الجدوى والكلفة والمردود، سيما مع غياب السؤال عن الإحصائيات وغياب التوثيق. ومن باب المقارنة، أيضا، فبحسب مركز بتسيلم الإسرائيلي لحقوق الإنسان ثمة 9905 من الفلسطينيين استشهدوا في الفترة من الانتفاضة الأولى (1987) حتى العام 2019 (مقابل 1268 إسرائيليا). في حين تشير إحصائيات فلسطينية إلى مصرع حوالي 11190 فلسطينيا في تلك الفترة، مقابل 1402 من الإسرائيليين. وفي تقرير إجمالي صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مايو 2019) فإن عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب، الذين قتلهم الاحتلال منذ عام النكبة (1948) حتى اليوم (13/مايو 2019)، وصل إلى 100 ألف شهيد تقريباً، وثمة مليون حالة اعتقال لفلسطينيين (ثمة أشخاص اعتقلوا أكثر من مرة)، وذكر التقرير أنّ عدد الشهداء في فلسطين منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، بلغ 10.853 شهيداً، خلال الفترة 29- 9- 2000 حتى 7- 5- 2019. (103) هذا إضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تقدر بنحو 12 مليار من الدولارات، والخسائر الاجتماعية التي من ضمنها شيوع الفقر والبطالة، وتدني المستوى الصحي، وانقطاع العملية التعليمية؛ من دون أن نتحدث عن الخسائر السياسية، على كافة الأصعدة، داخليا وخارجيا. طبعا يفترض أن تشمل تلك الخسائر البشرية. يمكن أن نضيف إلى ذلك أن ألوف من الفلسطينيين قضوا في طريق الكفاح ضد إسرائيل، في أحداث الأردن (1970)، وإبان الحرب الأهلية اللبنانية، وفي مجزرة صبرا وشاتيلا (3000 الأف) وحروب المخيمات في لبنان في الثمانينيات (صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة) وبعدها (2007) في مخيم نهر البارد؛ ناهيك عن انعكاس هذه التجربة سلبا على الفلسطينيين في الأردن ولبنان، وعلى مستوى انخراطهم في الحركة الوطنية الفلسطينية. (104) مجددا، ربما يجدر التأكيد هنا أن هذا النقاش لا يدور حول شرعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، بقدر ما يتعلق بجدوى الأشكال النضالية المتبعة بحسب الزمان والمكان والهدف، وإمكانية استثمار العوائد المتأتية منها إيجابا، والقدرة على التحكم بها وإدارتها بأنجع ما يمكن. كما أن المسألة هنا تتعلق بعدم حصر المقاومة بالكفاح المسلح، بتأكيد المقاومة بكل الأشكال الشعبية الممكنة، وضمنها بناء الذات، فربما أن كفاح الفلسطينيين كان يمكن أن يكون أكثر جدوى، لو أدير بنوع من العقلانية والواقعية، ولربما كانت خسائرهم أقل بكثير في هذه الحال. والهدف من تلك المراجعة حث المعنيين على التعامل بمسؤولية عالية مع تلك التجربة، بوعي واقعها، ومتطلباتها، وتوضيح استراتيجيتها، في السياسة وفي أشكال المقاومة، لإدارتها بأنجع وأقوم ما يمكن، ووضعها على سكة تقلل الخسائر وتحفظ الإنجازات وتراكم النجاحات في صراع يفترض أنه طويل وممتد، في الزمان والأشكال. وبديهي أن ذلك يحتاج من هذه القيادات إلى تشجيع البحث العلمي، وتعزيز التفكير السياسي النقدي، والانفتاح على الرأي الأخر، بدلا من التعامل مع كل ذلك بروح عدائية.

مشاركة :