خط «الثُلث».. الحروف بيت الجمال

  • 6/22/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يجد العائد إلى تاريخ الخطوط العربية أن ظهور خط الثلث مثل نموذجاً واضحاً على قدرة الخط العربي على النمو والتوالد والاشتقاق إلى ما لانهاية، إذ يؤكد الدارسون لهذا الخط الذي يعد أصعب الخطوط العربية، أن اشتقاقه جاء عن الخط الكوفي وعلى يد كبار الخطاطين في نهاية الدولة الأموية. لا يمكن النظر إلى الثلث بوصفه خطاً له دلالاته الجمالية والفنية وحسب، إذ يعد الثلث أول الخطوط التي تولدت عن الخط الكوفي وهو بذلك يكشف علاقة التفاعل التي أوجدتها اللغة العربية وتتمثل في الشكل الرمزي للخط الذي جاء نتيجة للتجاوب مع مختلف المتغيرات الاجتماعية والجمالية والثقافية التي شهدتها الدولة الإسلامية طوال تاريخها. يفسر هذا الأمر الخلاف والآراء المتعددة حول عرّاب ومؤسس خط الثلث حيث يقول ابن الجوزي صاحب كتاب صفوة الصفوة: أن الحسن البصري ، الذي عاش ثمانية وثمانين عاماً هو الذي قلّب القلم الكوفي إلى النسخ والثلث، فيما تقول مصادر أخرى أن بوادره ظهرت في العصر العباسي الأول على يد إبراهيم الشجري، ذلك إضافة إلى الرواية التي تعيد الثلث إلى جذوره وتقول: اخترعه الخطاط قطبة المحرر عام 136ه 753م أول خطاط في عهد بني أُميّة واستخرج أربعة خطوط من الأقلام الكوفية الموجودة وقد اشتق بعضها من بعضها الآخر. رغم الاختلاف على مؤسسه إلا أن المصادر جميعها تكاد تجمع على سبب تسميته، إذ تروي سيرة الخط وفق اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي، أنه جاء بعد أن: كان العرب يكتبون بخط الطومار، والطومار ورق محدد حجمه وكبير، فيقتضي أن تكون قصبة الخطاط تتناسب وحجم الورقة، إذ كان عرض القصبة 18 شعرة من شعر الحصان التركمانى، لكنهم رأوا أن الخط أعرض ممّا يلزم، فاختصروا ثلثه وأبقوا على 12 شعرة وسموه خط الثلثين، بعد ذلك اختصروا الثلث الثاني إلى 8 شعرات وسمي خط الثلث. يمكن القول إن ظهور الثلث مثّل العتبة الأولى للتحول الذي خرج فيه الخط العربي من إطاره المكتوب المقروء إلى فضاء واسع يستند إلى التكوين الجمالي والزخرفي، إذ شكلت قدرة الثلث على التشابك والتداخل والاعتماد على الحركات الإعرابية والزخرفية لرسمه، منفذاً واسعاً لبناء التكوينات والأشكال المكتوبة في الخط العربي. منذ تلك المرحلة دخل الخط العربي باباً جديداً وشكل الثلث فيه أباً لسائر الأنواع، حيث يحتاج إلى مهارة ويشتمل على صعوبة عالية ودقة، ويمتاز بقدرة على التشابك للحد الذي تصبح فيه الفقرة الممتدة على سطرين كتلة زخرفية متجانسة على سطر واحد أو بشكل أفقي، أو دائري، أو أيٍ من الأشكال الهندسية. المرونة العالية التي يمتاز بها الثلث تجلت في تفرعه إلى أنواع جديدة كل منها له خصوصيته وامتيازه، فظهر خط الثلث الجلي، وخط الثلث المحبوك، وخط الثلث الزخرفي، وخط الثلث المتأثر بالرسم، وخط الثلث المختزل، وخط الثلث المتناظر. ومن أبرز مميزاته، أنه إذا لم يكتب وفق شروط القاعدة لا يكون جميلاً وباهراً، ويمتاز خط الثلث عن غيره من الخطوط في التركيب، فالجملة الواحدة يمكن أن تكتب بعدّة أشكال باختلاف تركيب الحروف، ولكل خطاط طريقته الخاصّة في الكتابة تميّزه عمّن سواه من الخطاطين، فضلاً عن ضرورة الاهتمام الكامل برسم أي حرف من حروف خط الثلث، وإن أي إهمال بسيط يشوّه جمال اللوحة، والحركات الإعرابية والتشكيلات الخاصّة بخط الثلث تُكتب بقلم آخر عرضه ربع عرض القلم الأصلي عدا البعض منها فإنها ترسم بعرض القلم الأصلي، وعلى الخطاط أن يتقن كيفية توزيع هذه الحركات والتشكيلات توزيعاً فنيّاً سليماً في اللوحة. لذلك بات الثلث خطاً واسع الانتشار في حركة المعمار الإسلامي، فتزينت به المساجد الإسلامية الكبيرة، والقصور، وربما أكثر الشواهد الجلية على توظيفه في المعمار الإسلامي، استخدامه الواضح في مسجد قبة الصخرة المشرفة، إذ يتزين به شريط زخرفي حول بناء المسجد، ويظهر في الجدران الداخلية والقبة.

مشاركة :