جرت العادة منذ العصور الإسلامية الأولى على خروج مجموعة من الناس في آخر شهر شعبان لرؤية هلال رمضان، وهذا لأن الفقهاء يرون رؤية الأهلة من فروض الكفاية، لما يترتب عليها من الأحكام الفقهية والشرعية اقتداء بالسنة الشريفة.كانت الاحتفالات في مصر برؤية هلال رمضان تبدأ في يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان بحضور وجهاء الناس وكبار رجال الدولة في العاصمة والمدن الكبرى، واختلف المؤرخون في أول من خرج لرؤية هلال رمضان من قضاة مصر.فذكر السيوطي إن أول من خرج لرؤية الهلال في مصر القاضي غوث بن سليمان الذي توفي سنة 168 هجرية، وقيل إن أول قاض ركب في الشهود إلى رؤية الهلال هو أبو عبد الرحمن بن لهيعة الذي تولى قضاء مصر بعد وفاة أبي خزيمة سنة 155 هجرية الموافقة 771 ميلادية، وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته، حيث كانت تعد لهم «دكة» على سفح جبل المقطم عرفت بـ «دكة القضاة»، يخرج إليها لاستطلاع الأهلة.وفى العهد الفاطمي تم استطلاع الهلال من فوق مئذنة جامع بدر الجمالي وظهر ما يعرف بموكب أول رمضان أو «موكب رؤية الهلال».أما في العصر المملوكي فكان قاضى القضاة يخرج لاستطلاع الهلال من فوق منارة مدرسة المنصور قلاوون ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفى المآذن وتضاء المساجد، ثم يخرج قاضى القضاة في موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.أما في العصر العثماني، فعاد موضع استطلاع الهلال مرة أخرى إلى سفح المقطم فكان يجتمع القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية في «بين القصرين»، ثم يركبون جميعًا يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال، فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، حيث يعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلى بيته في موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل في ليلة مشهودة.استمر الأمر على ذلك حتى أمر الخديوي عباس حلمي الثاني بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق.ظلت مصر تعمل بنظام الاستطلاع بالعين المجردة حتى سنة 1956م، ثم تم إلغاء نظام استطلاع رؤية الهلال بالعين المجردة واستبدل بـ "الحسابات الفلكية" وكان السبب في ذلك كثافة السحب.وجدير بالذكر أن إنشاء أول مرصد فلكي في مصر كان في سنة 1838 م، في القلعة ثم انتقل بعد ذلك إلى العباسية باسم الرصد خانة، ثم نقل بعد ذلك إلى حلوان سنة 1903 م نظرا لتعذر رؤيته من منطقة العباسية.ومع إنشاء دار الإفتاء المصرية في أواخر القرن التاسع عشر، أسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به، وتقوم الدار بهذه المهمة كل عام بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، ويتم ذلك من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بجميع أنحاء الجمهورية في احتفال يحضره الإمام الأكبر والمفتون السابقون ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة والوزراء وسفراء الدول الإسلامية ورجال القضاء وغيرهم.
مشاركة :