مع انفلاق صبح يوم الثلاثاء الأسبوع الماضي وصل أكثر من ألفي عامل إلى مصنع شركة ماجنا شتاير Magna Steyr في جراتس، في النمسا، للمرة الأولى منذ شهر. الموظفون الذين يركبون سيارات طراز مرسيدس جي- كلاس الفاخرة، تم إعطاء كل منهم قناعين للوجه عند الوصول. عند جلوسهم متباعدين عن بعضهم بعضا على أرضية مصنع السيارات ـ بدلا من إحدى غرف الاجتماعات ـ لتجنب الازدحام، استمعوا إلى إحاطة لمدة ساعة حول التدابير الصحية المتخذة في المنشأة، بدءا من أماكن الغسيل الجديدة إلى حواجز من الورق المقوى تفصل مقاعد الغداء. في الأيام المقبلة سيتكرر المشهد في عدد قليل من المنشآت في دول عديدة، من السويد إلى فرنسا إلى ألمانيا، في الوقت الذي يبدأ فيه أول خطوط إنتاج السيارات المتوقفة في أوروبا في التحرك مجددا بعد أسابيع من الهدوء، في حين من المرجح أن تحذو المقرات الأمريكية المغلقة حذوها في الأسابيع المقبلة. بعد أن قررت إيقاف نشاطها في آذار ( مارس) لاحتواء تفشي "كوفيد - 19" - وبسبب انهيار في الطلب وحالات توقف في سلسلة الإمداد - شركات صناعة السيارات، بما في ذلك "تويوتا" و"فولكسفاجن" و"فولفو" و"رينو" و"هيونداي"، أعادت تشغيل المصانع مرة أخرى، بينما تحاول الحفاظ على سلامة القوى العاملة لديها. قال هاكان سامويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة فولفو كارز، التي أعادت فتح مقرها في تورسلاندا في السويد ومصنعها في جنت في بلجيكا يوم الإثنين: "من السهل الإغلاق، إلا أن الفتح أكثر تعقيدا". لكن بينما تقول جميع شركات صناعة السيارات إنها ملتزمة بحماية العاملين، هناك اختلافات طفيفة في نهجها وتحاول كل واحدة موازنة كفاءة مقرها مع رفاهية موظفيها. قال فرانك كلاين، رئيس التصنيع في شركة ماجنا شتاير: "يجب عليك الانتباه لصحة الناس، ولكن أيضا صحة الشركة. الناس سعيدون بأنهم متوقفون عن العمل لمدة أسبوعين، لكن جميعهم يعلمون إذا كان الإغلاق طويلا جدا فهناك دائما خطر على الوظائف". مع انتشار الجائحة في آذار ( مارس)، شهدت بعض مصانع أمريكا الشمالية امتناع العاملين عن العمل بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. تدابير الحماية الجديدة يجري اتخاذها بالتشاور مع النقابات. قال يوهان نوهولد، رئيس مجلس الأعمال في" ماجنا شتاير" في جراتس: "سلامة الصحة أولوية رئيسة. لكن مع ذلك لا ينبغي الاستهانة بسلامة الوظائف في هذه الأوقات". خط التجميع في مصنع "هيونداي" في جمهورية التشيك، الذي أعيد فتحه الأسبوع الماضي، سيتم تشغيله بسرعة أبطأ للسماح للعاملين بالمحافظة على مسافة فيما بينهم. عادة يتحرك العامل على طول الخط مع السيارة أثناء إكمال مهمته، مثل تثبيت لوحة القيادة. مع تخفيض السرعة، سينفذ العاملون المهمة نفسها لكنهم سيقطعون مسافة أقل، إذ يبقون في منطقة أصغر وأبعد عن محطة العمل التالية. شركة فيراري التي لم تتم إعادة فتحها لكنها تستعد للبدء بمجرد أن تحصل على موافقة الحكومة الإيطالية، يعمل فيها فنيان على سيارة في أي وقت، وستطلب من جميع العاملين البقاء في نهايتين متقابلتين ما يسمح بوجود مسافة بينهما. الشركة التي تتمتع برفاهية الإنتاج الأبطأ من الشركات المصنعة في السوق الواسعة، تنتج عادة 48 سيارة يوميا من ثلاثة خطوط، لكنها ستعاود العمل بأعداد أقل للحد من عدد العاملين في المقر. شركة فيات التي تنتظر الضوء الأخضر لكي تفتح، ستستخدم أيضا خطوطا أبطأ بمجرد أن تمنح تصريحا كاملا. هذه الإجراءات ستؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص عدد المركبات المنتجة. لكن بالنسبة لاقتصاد عالمي ينهار في ظل الاضطراب الذي أحدثه فيروس كورونا، يرى محللون أن ذلك ليس بالضرورة مشكلة عاجلة. قال تيم لورانس، من شركة بي أيه كونسلتنج، الذي يقدم المشورة لشركات صناعة السيارات حول التصنيع وسلاسل الإمداد: "يمكنك تشغيل المصنع بهذه الطريقة رغم أنه من الواضح لن يكون بالكفاءة نفسها. قد تفقد 20 إلى 30 في المائة من كفاءتك، لكن إذا انخفض الطلب، يجب أن ينخفض الإنتاج على أي حال". مبيعات السيارات في أوروبا تراجعت 55 في المائة في آذار (مارس)، ومن المتوقع أن تنخفض أكثر في نيسان (أبريل) عندما يسبب التأثير الكامل لعمليات الحظر التام الألم في الأسواق الكبيرة. آخرون رفضوا نهج التشغيل البطيء. "فولفو" تخطط لإعادة تشغيل مصنعها السويدي الرئيس "بأقصى سرعة" والتحكم في الإنتاج من خلال تحديد ساعات بدلا من ذلك، الأمر الذي يتطلب من العاملين في خط التجميع العمل بالقرب من بعضهم كالمعتاد. قال سامويلسون: "سنكون دائما بأقصى سرعة عندما نعمل، هذه هي الطريقة التي تدير بها مصنع تجميع حديثا". العاملون سيرتدون الأقنعة والقفازات، وسينصحون بغسل اليدين بشكل متكرر في الأحواض المركبة حديثا ونقاط التعقيم. وقياس درجة الحرارة عند مدخل المقر اختياري. في حين قد يبدو النهج متراخيا مقارنة بتدابير التباعد التي تتخذها شركات صناعة السيارات الأخرى، إلا أنه يعكس العقلية السويدية للمسؤولية الفردية، التي شهدت إبقاء الدولة بعض المدارس والمطاعم مفتوحة بينما الدول الأخرى في حظر تام. شركات أخرى تستأنف عملها بسرعة بسبب مضاعفات إعادة تنظيم مصانعها. قال كلين، من "ماجنا شتاير"، التي تصنع نماذج لـ"جاجوار" و"بي إم دبليو" و"تويوتا" وكذلك "مرسيديس": "لقد أجرينا مناقشة طويلة حول هذا الموضوع"، مشيرا إلى أن أي تغيير في الإنتاج يعني أيضا إعادة تدريب العاملين، في حين أن الحفاظ على التباعد الكامل "غير واقعي". أضاف: "على الناس أن يمشوا لأخذ القطع والتحرك على طول خط التجميع، ستقابل دائما أشخاصا آخرين. لهذا السبب نلزم الناس بارتداء الأقنعة". الشركة اتخذت تدابير أخرى لتقليل اختلاط العاملين، مع بعضهم بعضا ومع الأشخاص خارج المصنع. العاملون ملزمون بالقدوم إلى المصنع ببدل العمل، لتجنب ازدحام غرف التغيير. بمجرد إعادة فتح خطوط "جاجوار" و"بي إم دبليو" الشهر المقبل، في محاولة لتشجيع العاملين على تجنب النقل العام، ستضيف "ماجنا شتاير" مواقف للسيارات باستخدام مساحة مخصصة عادة للسيارات المكتملة. إضافة إلى ذلك، يطلب من العاملين إحضار وجبات غداء في علب، بينما اتصلت "ماجنا" بمورد التعبئة الذي تتعامل معه لتوفير حواجز كبيرة من الورق المقوى لأماكن الغداء. شركة هيونداي أيضا حولت مطعمها، مستخدمة ألواحا بلاستيكية لإنشاء شبكة من الحجيرات للعاملين لتناول الطعام بشكل منعزل. ستعقم أيضا مقرها بين فترتي عمل متباعدتين بشكل أكبر للسماح بالتنظيف. شركة تويوتا ستعيد فتح مصنعين فرنسيين هذا الأسبوع، مع إبقاء جميع الأبواب مفتوحة لتجنب استخدام المقابض. عندما لا يكون ذلك ممكنا، سيتم تزويد مقابض الأبواب بأدوات تسمح للموظفين بفتحها بمرافقهم. تشمل التدابير الأخرى إعادة تنظيم فترات استراحة التدخين لتجنب الازدحام. جميع الشركات تقريبا تقيس درجات حرارة العاملين الذين يدخلون ويغادرون مقرها، بينما لدى "فيراري" أيضا سجادة تعقيم لينظف الزوار فيها أحذيتهم. شركة صناعة السيارات الرياضية باهضة الثمن الإيطالية تنوي أيضا استخدام فندق محلي لإيواء أي موظفين - وعائلاتهم - تظهر عليهم أعراض الوباء. في نهاية المطاف، تضطر شركات صناعة السيارات إلى استئناف الإنتاج لتعويض الخسائر التي حدثت أثناء عمليات الإغلاق. شركة فولكسفاجن، التي قالت إن أرباح الربع الأول انخفضت 80 في المائة، تدفع ملياري يورو أسبوعيا تكاليف ثابتة بينما لا تعمل مصانعها الأوروبية. قال سماويلسون، من شركة فولفو: "إنه تأثير هائل في صافي أرباحنا، الحجم الكبير انخفض وقد فعلنا كل شيء لخفض التكاليف الثابتة. لا يمكن أن نغلق (...) ولا يمكننا انتظار لقاح، لذلك علينا أن نتعلم العيش في بيئة آمنة والعمل فيها".
مشاركة :