د. عصام حجازى يكتب: دور الأسرة في نشأة المرض النفسي (3)

  • 4/25/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحدثنا في مقالين سابقين عن خصائص الأسر المولدة للمرض النفسي وما هي سماتها والمناخ العام السائد فيها وفي هذا المقال نكمل تلك السلسلة بحديثنا عن نماذج من صور الاتصال الخاطئ في الأسرة المولدة للمرض النفسي والمقصود "بالإتصال الخاطئ" أي التواصل غير الفعال communication faulty/dysfunctional الذي يؤدي إلى تشوهات نفسية داخل عضو الأسرة ويحدد (مورجاترويد & وولف ) أحد أكبر الأسماء في عالم العلاج الأسري نمطان من أشهر أنماط الأتصال الخاطئ داخل الأسرة:الأول: هو نمط "أنا أولًا" أو Me First والذي يعني ببساطة تفضيل عضو الاسرة مصلحته الشخصية علي حساب مصالح الأسرة وخطورة هذا النمط أنه قد يكون من المقبول تبنيه خارج سياق الأسرة أما في داخل الوسط الأسري ، فأكبر ما يميز الأسرة أنها وحدة نفسية إجتماعية تجمع بين أفرادها رابطة الدم أولًا والمصالح ثانيا، ويعد نجاح الفرد نجاح للأسرة وكذلك تعد سقطاته سقطات للأسرة ، ومن الطبيعي أن تحدث تعارضات بين مصالح الفرد personal benefits  ومصالح المجموع collective benefits  إلا أن في الأسر السوية يوجد وعي بهذا الصراع ويتم التعامل معه بإيجابية حيث تخف حدته ويقل معدل تكرارة بعكس الأسر الغير سوية حيث ترتفع  حدة الصراع ويزداد معدل تكرارة وتتميز الأسر غير السوية بعجزها عن مواجهة هذا النمط حيث يضع أعضائها مصلحتهم فوق كل الأعتبارات وأمنهم علي حساب إفزاع وتهديد الآخرين.أما النمط الثاني من أنماط الاتصال الخاطئ فهو نمط عدم الاستماع أو Unhearing والذي يعني أن يواجه الطفل أو أحد افراد الأسرة تجاهلًا أو إنصرافًا عنه وكثيرًا ما تقابل طلباته أو أهتماماته بسوء فهم أو بإستخفاف ومع زيادة تكرار التجاهل الذي يظهر في صور عدة منها السخرية و عدم الأهتمام بمشاعر الطفل بل عدم الإستماع  لمشاعره وأفكاره و تكون الرسالة التي توجهها الأسرة إلي الطفل هي أننا لا نريد التجاوب معك والأمثلة علي ذلك كثيرة كأن يرفض الابوان النقاش مع الأبن إذا اراد الألتحاق بتخصص دراسي غير التخصص الذي يفضلانه أو ان ترتبط بزوج/ زوجة غير التي تريدها/تريده الأسرة وهنا يعرض الوالدان عن التحدث مع الأبن/ الأبنه ويرفضا التواصل أو النقاش معه أو الألتفات إلي أحتياجاته. ويلاحظ الباحثون في مجال العلاج الأسري أن العديد من أضطرابات الشخصية (مثل الشخصية الوسواسية والبارانويد والنرجسية إلخ) هي نتاج تفاعلات مرضية في العلاقات البينية interpersonal relations في الأسرة كما لاحظ الدارسين لأضطرابات الأسرة الدور الكبير الذي تلعبه الأم في أخراج الشخصية المريضة نفسيا ، وقد بلغ التأثير الذي تلعبة الأم في نشأة المرض النفسي شانًا عظيما حتي أن الباحثين اطلقوا مصطلح "الأم المنجبة للمرض النفسي" pathogenic mother  ثم لم يلبث هذا المصطلح في الأختفاء وحل محلة مصطلح الأسرة المسببة للإختلال النفسي وقد أهتمت بعض مدارس العلاج الاسري بدراسة شخصية الأب في أسر المرضي الفصاميين ووجدوا أن أغلب الأبناء الفصاميين كان آباؤهم ينتمون إلى الانماط التالية:1-​أب في حالة صراع  دائم مع زوجته حيث تزداد مشاعر الكره والعداء بينهما ما يجعله يدخل في تحالف مع أحد الابناء أو البنات ضد الأم2-​أب في حالة تنافس مع أبنه فهو كاره له ويشعر بالخطر من وجوده إلي جواره ويسعي إلي لفت الأنتباة إليه علي حساب تحقير أبنه والتقليل من شأنه3-​أب بارانويد متضخم الذات لا يرى ذاته إلا في الخضوع المذل من أفراد اسرته4-​أب منسحب من الحياة يرى نفسه فاشلا غير كفء في التواصل مع زوجته أم أبنائهويرى كثير من الباحثين أن تأثير الأب غير الناضج نفسيا يمكن أن يتعادل في حالة وجود زوجة متزنة نفسيا إلا أن المشكلة تبرز في حالة غياب الثبات والإتزان النفسي عند كلا الوالدين حيث تتأثر الأسرة بشدة بهذا الأختلال الذي يظهر في أضعف حلقاتها وهو الطفل أو أكثر أبناء الأسرة تهيؤا للإصابة بالمرض ، كما ذكرت العديد من الدراسات شيوع أنواع من الأتحادات associations  في الأسر المنجبة للمرض النفسي كالاتحاد بين الأب القاسي السادي مع الأم السلبية الزائدة الحماية overprotective والأب الضعيف الغائب مع الأم المسيطرة الناقدة غير المانحة للحب unloving controlling mother.

مشاركة :