أوصت الندوة الطبية الفقهية المنعقدة عن بُعد تحت مظلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بأمور تشمل البُعدين الطبي والفقهي، وقطعت الطريق على كثير من الفتاوى والمقاطع المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل الواتساب، تلك التي ما تزال «تتوهّم» أن خطر فيروس «كورونا» أمر متوهَّم! وفي مثل هذه الأزمات قد تكون فائدة المقالة أو الندوة أو التغريدة أهم من فائدة المرجع العلمي أو الكتاب التقليدي؛ لأن هذه أزمة لا تتيح الوقت لإجراء الدراسات المتمهلة الطويلة المدى، التي يستغرق اقتراحها وتقديمها ثم إقرارها أشهراً، ثم تُعقد لجان لمتابعتها وأخرى لمراجعتها وأخرى لمناقشتها وأخرى لطباعتها، وقد تصل إلى المتلقي بعد ذلك، وفي كثير من الأحيان تُختزن في أرشيفات المكتبات العامة. من هنا يجب على المثقف الواعي الذي يعيش وسط مجتمع متديّن، ولا يخلو هو من الاتصاف بالتديّن أيضاً، أن يواكب الأزمة ويتابعها على جميع المستويات، وينبغي عليه كما يتابع ما يحدث في الأوساط الصحية والاقتصادية أن يتابع ما يجري في الأوساط الفقهية والدينية، حتى يسهم بذلك في تثقيف العامة من حوله، وتنشيط حالة حوارية إيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل إزالة الغبَش وقطع دابر التشويش الذي يتعرض له العوام؛ بسبب تطاير الفتاوى الغريبة أو الآراء الفقهية التي تحدث البلبلة في المجتمع. ولقد أوصت الندوة الطبية الفقهية المذكورة بتجنب نشر الشائعات المخوفة للناس، ومواجهة الأخبار الكاذبة وغير الموثوقة، تجنباً للآثار السلبية المترتبة عليها، إضافة إلى حثهم على استخدام جميع وسائل الإعلام والنشر ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي الطبي وأحكامه الدينية بشكل صحيح، وكل الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الجائحة، وبثّ الأمل والفأل الحسن في قلوب العامة، وتكثيف المحاضرات في مجال تقوية المناعة، والمحافظة على العلاقات الأسرية، وذلك بإشراف الجهات الرسمية. ومن التوصيات أيضاً تأكيد تحريم تناقل الفتاوى المناقضة للفتاوى الصادرة عن هيئات العلماء ودور الإفتاء الشرعية المعتمدة، التي اطلعت على قرارات الجهات الرسمية وأيّدتها بحقّ وعِلم، واجتناب نشر أي فتوى مضادة؛ لأن في ذلك إثارة للبلبلة في المفاهيم الدينية، وإحداث تضارب في الفتوى، ولا سيما استيراد فتاوى من بلدان أخرى قد أفتى بعض الناس فيها بفتاوى مختلفة عن فتاوى أهل البلد، تجنباً لهذه المحاذير. ونبّهت على أن على الجميع التزام الفتاوى الصحيحة الصادرة من الجهات المختصة في البلاد. إن كل ما يؤثر في وعي المجتمع يعد داخلاً في مسؤولية المثقف، فإذا كان تلقّي المجتمع من ناحية التصرف والسلوك في نازلة من النوازل يغلب عليه استقبال ما كانت له صبغة دينية وإيمانية، فعندئذ يترتب على عاتق المثقف واجب توعويّ، بخاصة في المجموعات الخاصة، كمجموعات الواتساب الأسرية، التي قد تنتشر فيها فتوى مضللة، أو تهمة لجهة رسمية أو خاصة، بأنها تسعى إلى تعطيل الشعائر أو إلى التخفف من أداء الواجبات الدينية. لم يعد في وسع المثقف أن يكون بعيداً عما يؤثر في مجتمعه وأسرته وربما تلحق عقابا به شخصياً، إذ أن بعض فتاوى الفتنة التي تنتشر هنا وهناك قد تجعل بعض كبار السن في الأسرة أو أحد الوالدين يشعر بالحزن أو تنتابه حالات من الانفعال العصبي؛ بسبب رغبته الجارفة في أداء بعض العبادات، كصلاة الجماعة، وصلة الرحم، ونحوها. تتطاير الفتاوى المضلة الآتية من المشرق والمغرب، التي يود أصحابها لو انتشر هذا الداء وتفشى في الناس، حتى يتحقق مراد الجهات والتنظيمات الحاقدة التي ينتمي إليها بعض ناشري هذه الفتاوى، فبعضهم يرفع شعار أن الموت في هذا المرض شهادة، وبعضهم ينادي بأن الاجتماع للعبادة هو ما سيرفع الوباء، وآخرون يزعمون أن في تعليق الصلاة في المساجد تعطيلاً للشعائر، إلى غير ذلك من وسائل الإرجاف وأدواته، التي تنتشر ويجري تمريرها تحت أسماعنا وأبصارنا، وفي هواتفنا، من غير تدقيق ولا نقطة نظام.
مشاركة :