العالم اليوم يمر بأصعب المراحل في ظل خيارات بين فتح الاقتصاد وتنشيط الحركة العامة في الأسواق ومعالجة الأزمات الاقتصادية التي يعيشها حاليا، مثل البطالة وتدهور كثير من الشركات التي بدأت فعليا بإجراءات إعلان الإفلاس، إضافة إلى الأزمة التي يعيشها القطاع الخاص، خصوصا من يعاني أساسا أزمة، ولا ننسى الأنشطة التي يمكن أن توصف بأنها شبه تلاشت مع الأزمة الحالية مثل قطاع السياحة والطيران وغيره من الأنشطة التي كانت لا تتوقف قبل هذه الأزمة. لذلك، فإن الجميع يناقش اليوم مسألة فتح الاقتصاد والآلية التي يمكن أن تتم بها هذه الإجراءات. والحقيقة، إن قيادة المملكة قمة العشرين في هذه المرحلة كان موفقا باعتبار أن توجهاتها وإجراءاتها واجتماعاتها تهتم بما يحقق المصلحة العامة للاقتصاد العالمي والعمل على التنسيق العالي بين الدول والمشاركة في الهموم المشتركة والحلول، بل حرصت على مشاركة المؤسسات ذات العلاقة مثل منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات الدولية التي يمكن أن يكون لها دور فاعل في علاج هذه الأزمة. والأزمة لها جوانب متعددة فيما يتعلق بالمعالجة، حيث يمكن أن يكون جانب المعالجة مرتبطا بالتنسيق بين الدول والمشاركة في المعلومات والتجارب حول المرض، والجانب الآخر الإجراءات التي يمكن اتخاذها والخطوات التي يمكن معها فتح الاقتصاد بالقدر الذي يحد تدهور الحالة الاقتصادية في العالم، ولا شك أن العالم اليوم أصبح مثل القرية الصغيرة التي يتأثر بعضه بعضا، واتخاذ بعض الدول إجراءات غير مسؤولة قد يؤثر قطعا في دول أخرى تتحمل عبء اتخاذ الإجراءات المثالية لمعالجة الأزمة، ولذلك من المهم العمل على تحقيق نقطة التوازن بين فتح الاقتصاد ومحاربة الوباء، فمن الصعب أن يستمر العالم مغلقا فترة طويلة، ومن لم يمت بالوباء - كما يذكر البعض - فإنه سيموت من الجوع بسبب عدم قدرته على العمل والحصول على المال. فمن المهم اليوم التفكير بالطريقة المناسبة لفتح الاقتصاد، حيث تتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من انتقال عدوى الفيروس، ونحن نلاحظ اليوم على سبيل المثال التفاوت في بعض المدن في المملكة والعالم بصورة عامة فيما يتعلق بانتشار الوباء، كما أن الأنشطة الاقتصادية أيضا لم تتوقف تماما، حيث إن مجموعة من المصانع والمشاريع الزراعية ما زالت تعمل بكامل طاقتها، ما يدل على إمكانية إدارة الأمر بطريقة مشابهة مع أنشطة أخرى قد تكون أقل أهمية لكن فيما لو التزمت بالشروط المناسبة التي يمكن معها استمرار العمل ولو جزئيا مع الأخذ في الحسبان اتخاذ إجراءات وقائية والتأكد من تطبيقها وتحميل صاحب العمل تكلفة العلاج والغرامة عند التقصير، كما أن من المهم البدء بالأكثر أهمية في هذه المرحلة وبشكل متدرج وبالأعمال التي لا تؤدي إلى تجمعات غير منضبطة، كما أن من المهم في هذه المرحلة إعداد مراكز للعلاج مؤقتة تتناسب مع احتياجات المصابين بمرض "كوفيد - 19" دون الحاجة إلى دخول هذه الحالات المستشفيات العامة والضغط على القطاع الصحي بما يؤدي إلى عدم تقديم الخدمة لمرضى آخرين ليس لديهم أمراض معدية، ولعل التجربة التي ستكون في المدينة قد تكون جيدة ومناسبة للتعامل مع الأوبئة والأمراض المعدية في المستقبل. من المهم أيضا عند التفكير في فتح الاقتصاد بشكل متدرج، انتقاء الأنشطة التجارية التي لها علاقة بالمواطن بشكل أكبر، إذ إن الملاحظ أن التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية جيد وفاعل وكان سببا في تخفيف حدة الإصابات بينهم، كما أن الأنشطة التي يمكن أن يستمر تقديمها عن بعد فمن الممكن أن تبقى بالحد الأدنى من إجراءات العمل من مقار العمل، علما بأن المملكة حققت تقدما كبيرا فيما يتعلق بتقديم الخدمات من خلال التقنية، إذ إن مجموعة من الأعمال والخدمات الحكومية تتم من بعد حاليا دون أن يتأثر المستفيد من الخدمة فعليا، وهذا عمليا قد يعجل من توجه محتمل لبعض المؤسسات بتوفير فرص العمل عن بعد. الخلاصة: إن فتح الاقتصاد في ظل وجود الأوبئة وانتشارها، يعد من التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات اليوم، حيث إن تحملت الدول ذلك مؤقتا فمن الصعب الاستمرار في ذلك مدة طويلة، ولذلك من المهم التفكير في الإجراءات المناسبة والعمل عليها بما يؤدي إلى التوازن بين التعامل مع الأوبئة من جهة، وعدم التأثر الكبير للاقتصاد والمرونة في ذلك من جهة أخرى.
مشاركة :