صدر حديثًا كتاب "مرايا السرد" للدكتور ربيع عبد العزيز أستاذ النقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة الفيوم عن مكتبة الآداب بالقاهرة.في هذا الكتاب يحلل المؤلف ثلاث روايات تنتمي إلى ثلاثة أجيال من الروائيين: أولى الروايات الثلاث هي دعاء الكروان للدكتور طه حسين؛ الذي يعد أحد رواد الإبداع الروائي في العالم العربي. ويتقصى مؤلف الكتاب القضايا الاجتماعية والإنسانية المتشابكة التي تعالجها دعاء الكروان، وهي: الشرف والعلم والحب، ويتابع المصير المأسوي لأسرة كان عائلها زير نساء لقي حتفه في واحدة من مغامراته النسائية، تاركا خلفه ثلاث نساء بلا عائل، وهن الأم (زهرة) وابنتاها (هنادي وآمنة). ويشير "عبد العزيز" إلى أن واحدة من النساء الثلاث لم تقترف جريمة، ولكن القرية أبت إلا أن تطردهن، وكان الخال ( ناصر) من القسوة بحيث أشرف بنفسه على إجلاء أخته وابنتيها من القرية والدفع بهن إلى مصير مجهول، ويضيف مؤكدا أن طرد النسوة أضعف الحبكة الروائية؛ لا لأنهن لم يرتكبن جريمة تستدعي هذا العقاب فحسب، بل- أيضا- لأن البيئة الصعيدية التي تنتمي إليها النسوة لا تطرد نساءها بل تنظر إليهن بوصفهن أعراضا أحرى أن تصان، ولأن الخال الذي من المفترض أن يقوم مقام الأب لا يتسق تصرفه مع آصرة القربى التي تصله بمن أشرف على طردهن.ثاني الروايات التي حللها الناقد ربيع عبد العزيز في كتابه مرايا السرد، هي رواية البيضاء للدكتور يوسف إدريس؛ الذي يمثل حلقة في جيل الوسط من الروائيين المصريين؛ جيل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله. أما البيضاء؛ التي أعطت الرواية عنوانها، فهي سيدة يونانية تدعى (سانتي)، تقيم بالقاهرة، وتعمل مراسلة صحفية، وتناضل بقلمها دفاعا عن قضايا التحرر الوطني. ويؤكد الناقد أن القضية الجوهرية في بيضاء يوسف إدريس هي جدلية العلاقة بين الشرق العربي والغرب الأوربي، وهي قضية استأثرت باهتمام العديد من أدباء الشرق والغرب؛ فمن الغرب عالجها شكسبير في مسرحية عطيل، وألبير كامي في رواية الغريب، وكلير أتشرللي في رواية الحياة الحقيقية. ومن الشرق عالجها الدكتور طه حسين في رواية أديب؛ التي صدرت عام 1935م، ثم توفيق الحكيم في رواية عصفور من الشرق؛ التي صدرت عام 1938م، ومحمود تيمور في رواية نداء المجهول(1939م)، ويحيى حقي في رواية قنديل أم هاشم (1944م)، والدكتور سهيل إدريس في رواية الحي اللاتيني (1953م)، وعبد الحميد ابن جلون في رواية: في الطفولة(1957م).الرواية الثالثة والأخيرة التي حللها الدكتور ربيع عبد العزيز في كتابه، هي رواية الأسوار لمؤلفها محمد جبريل؛ الذي يعد حلقة بارزة في جيل أدباء الستينيات من القرن العشرين؛ جيل جمال الغيطاني، ومحمد السيد عيد، وخيري شلبي وغيرهم.تعالج الأسوار الرواية ثنائية القهر والحرية وما ينبثق عنها من ثنائيات فرعية؛ كالأثرة والإيثار، والثبات على المبدأ والمقايضة عليه، والخيانة وحب التضحية من أجل خلاص الآخرين، وكلها ثنائيات ذات طابع إنساني. ويشير مؤلف مرايا السرد إلى أن هذه الثنائيات سبق أن عالجها روائيون، مثل بلزاك في الأب "جوريو"، ونجيب محفوظ في رواية الكرنك ورواية بداية ونهاية. وكشف الدكتور ربيع عن أثر المكان (الأسوار) في امتلاء الرواية بأكثر من خمسين شخصية من الرجال الذين ينتمون إلى مشارب وطبقات متباينة؛ فقد كان فيهم القواد "على الشامي"، والبلطجي "محمد توفيق"، والغشاش "خليل عبد النبي"، والقاتل "توفيق عزوز"، وتاجر المخدرات "أمين سالم"، ومروج الشائعات "سلامة القاضي"، ومن ضيعته الوشاية "أحمد حسنين"، والسياسي "شاكر الملواني"، والمثالي "الأستاذ"، والخائن "حلمي عزت"، وطالب الطب "وهيب تادرس"، بالإضافة إلى المأمور، والصول سعيد، وحراس المعتقل.
مشاركة :