إعداد: خنساء الزبير يشهد الحقل الطبي في الوقت الحالي عمليات كرٍ وفر في حربٍ ضروس ضد فيروس كورونا، يمثل فيها العلماء قوة ناعمة تتصدى له بالوسائل العلمية المدروسة بعناية للخروج بأقل الخسائر. تكشفت في خضم ذلك تفاصيل جديدة حول نقاط ضعف الفيروس التي يمكن استغلالها للقضاء عليه، سواء كان داخل الجسم أو بالبيئة المحيطة، وتم التعرف إلى أكثر الخلايا الجسدية التي يستهدفها، كما ظهرت حيله المخادعة، ليكون بذلك قد سُلب أحد أسلحته المستخدمة للهجوم على جسم الإنسان. تقود جميع المعلومات السابقة والحالية إلى أهمية التباعد الجسدي للجميع، والعزل للمشتبه في إصابتهم أو القادمين من مناطق تفشي الوباء، وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق البقاء بالمنزل لقطع سلسلة انتقال المرض. ما زالت التجارب السريرية تُجرى هنا، وهناك للتأكد من نتائج عقاقير مرشحة كعلاج لكوفيد-19، وربما تحمل الأيام القادمة ما يزيح الهم ويُشعر بالطمأنينة من أخبار تتعلق بنجاح تلك العلاجات، وإسهامها في تراجع الجائحة، وزيادة معدلات الشفاء. ربما تعود الحياة اليومية لطبيعتها قريباً، ولكن ذلك يعتمد على مدى تكاتف المجتمع، والتزامه بالإرشادات الصحية، وهو الأمر الذي سوف يساعد من جهة أخرى في تخفيف العبء على كوادر خط الدفاع الأول، وهم الجنود «غير» المجهولين الذين يعلم الجميع مدى تفانيهم في خدمة المرضى. زيف الفيروس كشفت الأبحاث التي أجرتها جامعة ساوثهامبتون عن السمات الأساسية لفيروس كورونا المسبب لكوفيد-19، وذلك أن قاموا بإنشاء النموذج الأول للجزء البارز من الفيروس، والذي يوضح كيفية تنكره لدخول الخلايا البشرية من دون اكتشافه، وكذلك البروتينات الفيروسية التي تستهدف الأجسام المضادة؛ وهي معلومات مهمة تساعد العلماء الذين يبحثون حالياً عن لقاح فعال. يحمل الفيروس على سطحه عدداً كبيراً من النتوءات البارزة، والتي يستخدمها للالتحاق والالتصاق بخلايا الجسم، ومن ثم دخولها، وهي نتوءات مغلفة بالسكريات المعروفة باسم الجليكان، والتي تخفي البروتينات الفيروسية، وتساعدها على التهرب من جهاز المناعة. تمكن الباحثون بعد دراسة الجليكان من رسم خريطة له كشفت عن تفاصيل مهمة تتعلق بمدى سهولة وصول الأجسام المضادة إلى سطح البروتين الفيروسي، وهو ما يُعد خطوة مهمة في تركيب اللقاح المناسب للقضاء على الفيروس وعلاج المرض، وكذلك كطريقة وقائية لمنع انتشاره؛ فاللقاحات هي خطوات استباقية للحد من أعداد المصابين في ما بعد. خلايا مستهدفة سعى العلماء لتحديد أهداف فيروس كورونا داخل الجسم، وبوجه خاص داخل الرئتين، وهي أكثر الأجزاء المتضررة لدى المرضى، فالفيروس يهاجم الخلايا الطلائية التنفسية في بطانة الرئة، وهو ما يسبب صعوبة في التنفس؛ ووجدت دراسة جديدة أنه يستهدف على وجه التحديد بعض الخلايا السلف داخل الرئتين التي تسمى خلايا إفرازية عابرة. وجد الفريق أن مستقبل الفيروس التاجي يتم التعبير عنه بكثرة في الخلايا السلف التي تتطور إلى خلايا الجهاز التنفسي المبطنة بالأهداب أو الإسقاطات الشبيهة بالشعر التي تتخلص من المخاط والبكتيريا في الرئتين. يقول العلماء: إن هذه النتائج توضح أن الفيروس يعمل بطريقة انتقائية للغاية، وأنه يعتمد على خلايا بشرية معينة في الانتشار والتكاثر. تبين أن الخلايا السلف المحددة في القصبات الهوائية هي المسؤولة عن إنتاج مستقبلات الفيروس التاجي، ووجدوا أيضاً أن كثافة تلك المستقبلات على الخلايا تزداد مع تقدم العمر، وكانت أكثر وفرة في الرجال منها لدى النساء، وهو ما يفسر لماذا يصيب كوفيد-19 الرجال أكثر، ويستهدف كبار السن أكثر، وهي تفاصيل سوف تمهد الطريق لتطوير العلاجات المستهدفة. فصل المواليد تتطلب كل المستجدات في المجال الصحي الإسراع في رصد عوامل الخطر والنجاة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح، وهو ما يجري حالياً في ظل انتشار جائحة كورونا. أفادت ورقة علمية جديدة نشرها علماء من جامعة ووهان بأن كوفيد-19 لم يترك أثراً يذكر على المواليد الجدد الذين ولدوا لأمهات مصابات في ذروة الوباء، ولكن هل يعني ذلك ترك المواليد بجانب الأمهات المريضات؟ قام أطباء بتناول مخاطر وفوائد فصل المواليد عن الأمهات المصابات، فعلى الرغم من أن العديد من منظمات الصحة العامة أوصت بإبقاء الأمهات والرضع معاً فإن الإرشادات الطبية تنصح بفصلهم مؤقتاً حتى لا تصبح الأم معدية. يقول الباحثون: إن فصل المولود عن الأم في المستشفى له مساوئ، منها تعطيل الرضاعة الطبيعية والتلامس الجلدي خلال الساعات والأيام الحرجة التالية للولادة، ما يؤثر سلباً في صحة الطفل، فعلى سبيل المثال، يميل الرضع الذين يفتقرون إلى ملامسة جلد أمهاتهم إلى ارتفاع معدل ضربات القلب ومعدلات التنفس، وانخفاض مستويات الجلوكوز، ويؤدي تعطيل الرضاعة الطبيعية إلى جعل الطفل عرضة لالتهابات الجهاز التنفسي الحاد، منها الالتهاب الرئوي وكوفيد-19. ويؤثر الانفصال أيضاً في الحالة النفسية للأم، وهو ما قد يجعل من الصعب عليها مقاومة العدوى الفيروسية. حلول للتنفس تشكل جودة تنفس مريض كوفيد-19 أكثر التحديات التي تواجه الأطباء أثناء العلاج، وتتطلب الحالات الشديدة وضع المريض تحت جهاز التنفس الاصطناعي، وبما أن تلك الحالات ليست بالقليلة، فإن أجهزة التنفس الصناعي تواجه بطلب متزايد عليها ربما يجعلها لا تسد الحاجة. انتبه العلماء إلى ضرورة اتخاذ بعضهم مساراً آخر لمواجهة تفشي الوباء من خلال استحداث طرق تحل تلك المشكلة. طور مهندسون وعلماء من ليدز بالمملكة المتحدة طريقة لتحويل الجهاز الذي يستخدمه من يعانون حالة انقطاع التنفس أثناء النوم إلى جهاز تنفس اصطناعي، ويتضمن ذلك التعديل البسيط تغييرات في إعدادات الجهاز، وإعادة تكوين إمدادات الأكسجين حتى يتدفق إلى قناع الوجه الذي يرتديه المريض. تعمل الآلة في وضع يسمى «ضغط مجرى التنفس الإيجابي المستمر»، وهذا يعني أن الضغط داخل القناع مرتفع بشكل طفيف، وهو ما يبقي مجرى الهواء مفتوحاً للمريض، ويسهل عليه التنفس، ويعطي تغذية بالأكسجين تتراوح بين 40% 60%. طور، من ناحية أخرى، فريق متعدد التخصصات من الباحثين في جامعة إلينوي أجهزة استشعار صغيرة تقيس نقل الأكسجين في أنسجة الرئة، ويقولون: إن الأغشية التي تغلف الرئتين وتضيف المرونة اللازمة للشهيق والزفير يبدو أنها تلعب أيضاً دوراً حاسماً في تزويد الأكسجين لمجرى الدم. يقول الباحثون: إن أنسجة الرئة لكي تعمل بكفاءة يجب أن تكون قادرة على نقل الأكسجين والغازات الأخرى من خلال أغشيتها، وإحدى الطرق لحدوث ذلك يكون من خلال مادة تعرف بفاعلات السطح، والتي تقلل من التوتر السطحي لسائل الرئة حتى يحدث هذا التبادل. وجدت الدراسة أن الفاعل بالسطح المسمى «كارديوليبين» يتوفر بشكل مفرط في الأنسجة المصابة بالالتهاب الرئوي البكتيري. تتألف أجهزة الاستشعار الجديدة من أغشية رقيقة من السيليكون والجرافين، وتحتوي على ترانزستورات صغيرة تقيس نفاذية الأكسجين بين الأسطح الحيوية. لقاح السارس يبحث فريق من العلماء الدوليين عن مرشح لقاح واعد تم تركيبه من قبل للتعامل مع «متلازمة الشرق الأوسط التنفسية» الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا. وهي مرض شبيه بمرض كوفيد-19، وأظهرت دراسات حالية أن ذلك اللقاح داخل الأنف باستخدام فيروسات الحمض النووي الريبي لتوصيل الجينات، والذي يمكن أن يحمي من تلك العدوى، يعتقد الباحثون أن النهج الجديد الذي تم استخدامه لتطوير لقاح ضد فيروس المتلازمة قد يعمل أيضاً ضد النسخة الفيروسية المستجدة، وله طريقة إيصال فريدة، حيث تتم من خلال فيروس الحمض النووي الريبي المعروف باسم فيروس يسبب السعال لدى الكلاب، والمعروف بسعال الكلاب، ولكنه غير ضار عند البشر. أضاف العلماء جيناً جديداً للفيروس حتى يتمكن من إنتاج بروتين سكري مرتبط بعدوى فيروس كورونا. دواء جديد كلما توصل العلماء لتفاصيل أكثر حول فيروس كورونا تمكنوا من تحديد النقاط التي يمكن استهدافها دوائياً حتى تكون الطريقة العلاجية فاعلة وسريعة وذات آثار جانبية أقل. قاد العلم مجموعة من الباحثين إلى إمكانية استهداف أنزيم للفيروس كوفيد-19 يعرف باسم «البروتيز الرئيسي»، والذي يلعب دوراً محورياً في عملية تكاثر الفيروس؛ وهو أنزيم لا ينتجه جسم الإنسان، لذلك من المرجح أن تكون المركبات التي تستهدفه منخفضة السمية، وليس لها آثار جانبية كبيرة. قام الباحثون على سبيل التجربة بإضافة الأدوية مباشرة إلى الأنزيم أو إلى خلايا مستزرعة داخل المختبر ينمو داخلها الفيروس، ثم تقييم المقدار المطلوب من كل مركب لوقف الأنزيم من العمل أو قتل الفيروس. بدأ الباحثون بتجربة أكثر من 10000 مركب إلى أن توصلوا إلى أن 6 منها هي الأكثر فاعلية في تثبيط الأنزيم، وواحد منها وُجد أنه الأقوى. فئة المدخنين تتراوح أعراض كوفيد-19 ما بين عدم ظهورها مطلقاً إلى خفيفة إلى حادة بشكل مهدد للحياة، والتي أكثر ما يكون عرضة لها الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 55 عاماً، ويعانون مشاكل صحية مثل مرض الانسداد الرئوي المزمن؛ وبما أن التدخين يؤثر في الرئتين، فإن كل مرض يتعلق بالجهاز التنفسي يجعل فئة المدخنين ضمن قائمة الأكثر عرضة للمضاعفات الشديدة. كشفت دراسة جديدة نُشرت بالمجلة الأوروبية لأمراض الجهاز التنفسي، أن الأشخاص الذين يعانون بسبب الرئتين المتضررتين من التدخين والذين يعانون مرض الانسداد الرئوي المزمن من المرجح أن يكون لديهم مستوى أعلى من «الأنزيم المحول للأنجيوتنسين». تم العثور على هذا الجزيء على سطح خلايا الرئة، وهو نقطة التحاق عامل كوفيد-19، وهو ما يجعل الفيروس قادراً على دخول الخلية وإصابتها والتكاثر بداخلها. تشير البيانات الصادرة من الصين إلى أن المرضى الذين يعانون مرض الانسداد الرئوي المزمن كانوا أكثر عرضة لخطر التعرض لمضاعفات أكبر لكوفيد-19، لذلك افترض الباحثون أن السبب ربما يعود لارتفاع مستويات «الأنزيم المحول للأنجيوتنسين-2» بمجرى التنفس بدرجة تفوق الأشخاص الذين لا يعانون مرض الانسداد الرئوي المزمن، وهو ما قد يجعل من السهل على الفيروس أن يصيب تلك المنطقة. يشابه «الأنزيم المحول للأنجيوتنسين-2» وظيفة «الأنزيم المحول للأنجيوتنسين»، ولكنه مختلف في بعض عمله، ودرس الباحثون عينات رئة متحصل عليها من 21 مريضاً يعانون مرض الانسداد الرئوي المزمن، والذي يجعل الرئتين في حالة من التضخم المزمن الذي يقلل من قدرتهما على دفع الهواء وتبديله بالهواء المؤكسج. فينتج عن ذلك بمرور الوقت نقص الأكسجة المزمن. أظهر التحليل أن مرضى الانسداد الرئوي المزمن لديهم مستويات أعلى من «الأنزيم المحول للأنجيوتنسين-2» في عينات الرئة، وكذلك الحال بالنسبة للمدخنين الحاليين (ولكن ليس السابقين)، وفي المرضى الذين يعانون مرض الانسداد الرئوي المزمن ارتفعت مستويات التعبير الجيني بنسبة مباشرة مع شدة حالة الرئة. يعلق الباحثون على تلك النتائج قائلين: إن تاريخ مرض الانسداد الرئوي المزمن والتدخين الحاليين هما عاملا خطر مستقلان لارتفاع ذلك الأنزيم بالشعب الهوائية، وهذا بدوره يجعل المرضى يعانون أعراضاً شديدة، وبناءً على هذه الخلفية، فإن عليهم الالتزام بالإرشادات بشأن التباعد الجسدي، إضافة إلى غسل اليدين بانتظام بالصابون، وتعقيمهما بالمطهرات لمنع إصابتهم بالفيروس الحالي، كما أن على المدخنين الإقلاع عن التدخين حتى تنخفض لديهم تلك الأنزيمات للحد من مقدرة الفيروس على دخول الرئتين لديهم، ووقايتهم من كوفيد-19. لم تؤكد الدراسة النتائج السابقة فحسب، بل أظهرت أيضاً، لأول مرة، أن المدخنين السابقين لديهم مستويات أقل من ذلك الأنزيم مقارنة بالمدخنين الحاليين. اكتشافات جديدة تحسن العلاجات وتبشر بلقاحات قادمة مصل النقاهة يتطلب الوضع الاستثنائي الذي نعيشه حالياً حلولًا أيضاً استثنائية في مواجهة التهديد الذي يشكله فيروس «كورونا» المستجد؛ (كوفيد-19)، وكان الاتجاه الحالي نحو استخدام مصل الدم الذي يتم الحصول عليه من المتعافين؛ لأنه أثناء فترة النقاهة تتكون لديهم أجسام مضادة تستهدف الفيروس. يتضمن التحصين السلبي نقل مصل الدم من المرضى الذين تعافوا من المرض إلى من يعانونه في مراحله الأولية؛ من أجل نقل الأجسام المضادة الواقية. تم استخدام هذا النهج خلال الأوبئة الرئيسية التي سبقت ظهور اللقاحات؛ حيث أفادت دراسات قديمة عن الالتهاب الرئوي الفيروسي الحاد، مثل: الإنفلونزا الإسبانية، انخفاضاً في معدل الوفيات وصل نسبة 75%. تُعرف تلك الطريقة العلاجية ب«العلاج بمصل النقاهة»، وتم تطبيقها في الوقت الحالي على عدد من المرضى بعدة مناطق من العالم كجزء من التجارب السريرية التي تهدف إلى تحديد مدى فاعليتها في علاج المرض. تتمثل ميزة التحصين السلبي في أنه لا يجب تركيب الدواء في المختبر؛ بل هو مصنع بشكل طبيعي في جسم المتبرع، وخصيصاً لمكافحة الفيروس المستجد «كورونا».
مشاركة :